د. تسيريتش : هنا تعدد للثقافات ، أرساه الاسلام . سراييفو : عبدالباقي خليفة الفجرنيوز:تصاعدت حدة التهديدات التي تتعرض لها البوسنة مع قرب حلول الذكرى 14 لتوقيع اتفاقية دايتون في 21 نوفمبر 1995 م . ومن بينها تصريحات وزير الخارجية الصربي فوك يريمتش بأن " البوسنة ليست دولة " وزيارة الرئيس الصربي إلى البوسنة ، يوم 10 سبتمبر لافتتاح مدرسة ابتدائية أطلق عليها اسم " صربيا " دون تنسيق مع السلطات البوسنية .وخروج الوزراء الكروات من الحكومة الفيدرالية ، وعدم البت منذ عدة أشهر في قضية اختيار محافظ لاقليم موستار ، وتصريحات المبعوث الدولي التي قال فيها بأن مجرم الحرب رادوفان كراجيتش " أكبر صديق للاسلام ". وقد انقسم الناس بمن فيهم النخبة بين مهول لهذه الاحداث وغيرها ، وبين مهون لها ، ومن بينهم زعيم المسلمين في منطقة غرب البلقان الدكتور مصطفى تسيريتش ، فقد أعرب " رئيس العلماء في البوسنة " الدكتور مصطفى تسيريتش عن اعتقاده بأن التصريحات الصربية المعادية للبوسنة ، ليست سوى نوعا من الأذى السياسي أكثر منها أي شئ آخر . واعتبر الموقف الذي يبديه الرئيس الكرواتي ستيبان مسيسيتش يعبر عن موقف عاقل مقارنة بصربيا . ونفى أن يكون هناك نية لسحب القوات الدولية من البوسنة وأن ذلك من أجل الضغط على السياسيين المحليين . وذكر بأن السياسة الأميركية في البلقان أكثر تفهما لطبيعة الخلافات وطرق حلها . كما أن حملات الاسلاموفوبيا ، أثمرت ردات فعل عملية تمثلت في دعم الاعلام الاسلامي . وعرج على الوضع في السنجق الذي يخطو بتؤدة نحو مكان تحت الشمس بفضل الله أولا ثم بالجهود الكبيرة التي يقوم بها المفتي معمر زوكارليتش . وأكد على أن الاسلام يؤكد في معركة الحضارة على أنه الأرقى والأكثر انسانية ، وذلك في القديم والحديث . الفجرنيوز: هناك تهديدات جدية تواجهها البوسنة في الذكرى 14 لتوقيع اتفاقية دايتون ، سواء فيما يتعلق بصرب بلغراد ، أوالصرب في البوسنة الذين طالبوا في وقت سابق بموافقة البوشناق والكروات على انفصال " جمهورية صربسكا " كيف تنظرون لهذه التهديدات ؟ الدكتور مصطفى تسيريتش : أعتقد أن التصريحات الصربية التي تتحدث عن انفصال صرب البوسنة ، أو التشكيك في سيادة البوسنة واستقلالها ، أو التي تهدف لعرقلة الاصلاحات سواء من داخل البوسنة ، أو عبر الحدود وتحديدا بلغراد هي نوع من الأذى السياسي ، أكثر منها حقيقة يمكنها أن تؤثر على سيادة البوسنة واستقلالها أو تغيير حدود البوسنة المعترف بها دوليا ، فصربيا أقل قدرة على ارتكاب جريمة إبادة كالتي قامت بها في تسعينات القرن الماضي ، وكرواتيا مشغولة بنفسها ومثقلة بالديون الفجرنيوز : هل يمثل الموقف الجيد للرئيس الكرواتي ستيبان ميسيتش ،عزفا منفردا حتى في كرواتيا ذاتها مقارنة بموقف التجمع الكرواتي الديمقراطي الذي تقوده يادرنكا كوسور ؟ الدكتور مصطفى تسيريتش : الرئيس ميسيتش فاهم لقضية البوسنة ، وهو بكل المقاييس أفضل من الرئيس الكرواتي السابق فرانيو توجمان الذي كان قوميا متطرفا بل فاشيا . وكرواتيا تمر اليوم بعملية ديمقراطية وهناك بعض الأخطاء التي ترتكبها حكومة كوسور الفجرنيوز: البوسنة بين مطرقة المطالب الاوروبية بالاصلاحات ، والرفض والعرقلة الصربية لهذه الاصلاحات ، والتمسك بامتيازات اتفاقية دايتون الدكتور مصطفى تسيريتش : عملية الاصلاح في البوسنة بأنها بطيئة " العملية بطيئة ، إذ يجب الانتقال من مرحلة دايتون التي كانت اتفاقية لوقف الحرب ، وما نحتاجه هو اصلاحات دستورية ، والعملية صعبة وليست سهلة جدا ، ولكن لا خيار ، فالبوسنة يجب أن تكون عضوا في الاتحاد الاوروبي وفي حلف شمال الأطلسي ، والمسألة مسألة وقت فقط الفجرنيوز: ماذا عن الموقف الاوروبي من انضمام البوسنة إلى الشراكة الأوروأطلسية ، وسط هذه المعمعة ؟ الدكتورمصطفى تسيريتش : الاوروبيون يدركون بأن إرساء السلام والاستقرار والحفاظ على الأمن يتطلب ضم دول غرب البلقان إلى الاتحاد الأوروبي . كما أدركوا بأن الحرب في غرب البلقان ليست في أراض بعيدة وإنما في بيتهم . الفجرنيوز : إذن ما سبب تباطئ الاصلاحات إذا كان الاستقرار يخدم المصالح الاوروبية ، والقلاقل تؤثر على وضعها الداخلي ؟ الدكتور مصطفى تسيريتش : العملية بطئية كما ذكرت للأسف ، وكنت آمل أن يكون السياسيون البوشناق أقوى مما هم عليه الآن ، وهم الآن في مرحلة اختبار لقدراتهم السياسية في مقابل الأطراف الساعية لتدمير البوسنة أو تقسيمها . الفجرنيوز : وسط هذه الأجواء هناك حديث عن سحب القوات الدولية من البوسنة ، ما نعكاسات ذلك على البوسنة ، وسط تأكيدات بأن رفع واشنطن وبروكسل أيديها من البوسنة سيؤدي لزعزعة الاستقرار الهش ؟ الدكتور مصطفى تسيريتش : هذه محاولات من قبل المجتمع الدولي للضغط على السياسيين المحليين . ونأمل أن تكون الدعوة الاوروبية للاصلاحات جادة بحيث يتم ممارسة الضغط اللازم على الأطراف المناوئة للاصلاحات ، ولكن ذلك باتفاق أوربا حول الأسس التي يجب اتباعها في ذلك ، فأوربا لا زالت مترددة بين الذين يقولون تعبنا من البوسنة ، ويريدون التبرئ من دورهم فيما جرى ، وبين الذين يريدون أن تكون هناك مساهمة أكثر فعالية من أجل الدفع بالبوسنة إلى الشراكة الأوروأطلسية . الفجرنيوز: ماذا وعن الموقف الأميركي مما يجري في البوسنة ؟ الدكتور مصطفى تسيريتش : الموقف الأميركي في البوسنة ، أفضل مما هو موجود على الساحة ، ونحن نتطلع للأفضل مع إدارة الرئيس باراك أوباما ، وقد زار نائب الرئيس جوزيف بايدن البوسنة في يونيو الماضي ، وأعلن موقفا جيدا بخصوص البوسنة وسيادتها واستقلالها ومستقبل اندماجها في الشراكة الأوروأطلسية ، ونحن نود أن يكون هناك دور أكثر فعالية لأن الذين يعرقلون الاصلاحات معروفين ، ولا يمكن أن يوافقوا عليها إذا ترك الأمر لهم ، وهناك قرار أميركي بارسال مبعوث خاص للرئيس باراك أوباما إلى البوسنة ، سيكون ممثل خاص للرئيس أوباما . والسياسة الأميركية في البلقان عقلانية ومتوازنة ، فأميركا تتفهم قضية البوسنة وتشجع على تعدد الثقافات والأديان أكثر من أوربا . الفجرنيوز : ماهي نقاط الخلاف بين الموقف الاوروبي والأميركي في البوسنة ؟ الدكتور مصطفى تسيريتش : في البداية أوربا لم تتفهم قضية البوسنة ، ولم تلاحظ البعد الاستراتيجي للموقف الروسي المناصر للصرب وظلمهم في المنطقة ، فروسيا عائق حقيقي لتقدم البوسنة ولديمقراطيتها وحقوق الانسان فيها . وللتغيير في البوسنة نحتاج لوجوه جديدة ، أما الصرب فهم متورطون أفرادا وجماعات في حرب الابادة التي تعرض لها المسلمون في البوسنة لذلك هم خائفون ، ولا يريدون أن يكونوا جزءا من البوسنة . الفجرنيوز : الاسلام والمسلمون وأنتم شخصيا كنتم ضحايا الاسلاموفوبيا الطاغية في البوسنة والتي يقودها شيوعيون عملاء لجهات خارجية تمولهم وتوفر لهم الغطاء الأمني والسياسي والاعلامي ، كيف تنظرون لهذا التكالب ، والهجمات التي تعرضتم لها شخصيا ؟ الدكتور مصطفى تسيريتش : رب ضارة نافعة ، فالتلفزيون الفيدرالي دفعنا ، بطريقة غير مباشرة ، إلى إنشاء إذاعة " بر " وهي إذاعة لها مستمعون كثيرون ، ومؤثرة في المجتمع . الفجرنيوز: لديكم اهتمام كبير بالسنجق الذي تسكنه أغلبية مسلمة وهم هم بوشناق تحت الهمينة الصربية في صربيا منذ 1878 م الدكتور مصطفى تسيريتش : أنا فخور بالمسلمين في السنجق وبمفتي السنجق معمر زوكارليتش وأعتقد أن ما يحدث هناك قيمة جديدة للمسلمين في البلقان . ولكن بلغراد تسعى للتفريق بين المسلمين في كل من السنجق والبوسنة في حين تعمل على تقوية روابطها بالصرب في كل مكان .وبلغراد ترتكب خطأ فادحا عندما تظن أنه بامكانها التفريق بين المسلمين في السنجق والبوسنة ليسهل عليهم حكمهم . وأعتبر زيارتي للسنجق من أهم الزيارات في حياتي ، وأنا أقسم ما مضى من عمري إلى ما قبل وما بعد زيارة السنجق ، فقد وجدت مسلمين لم أكن أعرفهم يقومون بجهود قوامها الصدق والاخلاص للاسلام . الفجرنيوز : لا يمكن أن نختم هذا الحوار دون السؤال عن جامع الفرهادية في بنيالوكا الذي هدمه الصرب سنة 1993 م ولم يعاد بناءه حتى الآن ، حيث يكلف ما بين 6 و10 ملايين يورو ؟ الدكتور مصطفى تسيريتش : جامع الفرهادية هو واحد من 17 جامعا دمرها الصرب أثناء العدوان وقد أعدنا بنا 14 مسجدا وبقي 3 مساجد والفرهادية واحد منها ، وعملية إعادة بنائه جارية ، وكان الصرب قد هدموا 200 مسجد في بلغراد لوحدها الفجرنيوز: في أثناء العدوان على البوسنة لم يهدم المسلمون أي كنيسة رغم قدرتهم على محو الميئآت منها ، مما عده البعض وجها من وجوه ومعالم التفوق للحضارة الاسلامية مقارنة بغيرها ، في وقت يطالب فيه البعض الغرب لاتخاذ سراييفو نموذجا للتعايش ؟ الدكتور مصطفى تسيريتش : سراييفو هي قدس أوربا ، فهي الأولى في أوربا والثانية في العالم ، هنا تعدد للثقافات ، أرساه الاسلام ، ففي عام 1463 م أعلن محمد الفاتح " عهد ناما " للفرنسيسكان وضمن لهم ممتلكاتهم وحقهم في ممارسة شعائرهم ، وهذا موقف حضاري لا نزال نفتخر به حتى اليوم . ومعيار تفوقه هوأنه كان في عصر كانت البربرية تسود أوربا ، فلا يمكن قياس ذلك العصر بالقرن الواحد والعشرين ، حيث لم تكن هناك الأممالمتحدة ولا معاهدات جنيف ، ولا الميثاق العالمي لحقوق الانسان ، وإنما كان نابعا من الثقافة الاسلامية المستمدة من تعاليم الاسلام وفقه رجلاته العظام ، وفي ذلك الوقت كان محمد الفاتح يمثل القوى العظمى الأولى في العالم ولم يكن هناك من كان بمقدوره محاسبته سوى شعوره برقابة خالقه كما فهمها من دينه وعقيدته ، وقوله تعالى " لا إكراه في الدين " و " ليست عليهم بمسيطر " و" أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مسلمين " . " هذا الحوار ينشر بالتزامن مع نشره في موقع الاسلام اليوم