باريس:دخلت شخصيات الحكم البارزة في فرنسا على خط الأزمة التي فجرها انتخاب جان ساركوزي نجل الرئيس نيكولا ساركوزي على رأس مؤسسة الدفاع الفرنسية (إيباد)، وأدلى بدلوه أمس كل من رئيس الوزراء فرانسوا فيون، والمستشار في الرئاسة هنري غينو.وقد جاء نزول هؤلاء إلى الحلبة بعد أن انجلى غبار المعركة وتم انتخاب ساركوزي الابن في هذا الموقع.كانت القضية قد أخذت في الأيام القليلة الماضية بتجاوز النطاق المحلي، فبعد أن أثارت جدلا قويا وانتقادات واسعة في فرنسا، وتحولت إلى موضوع للصحافة العالمية من بكين إلى واشنطن، ومن مدريد الى لندن وبرلين. وقد وجهت انتقادات عنيفة للتوجه، ورأت فيه بعضها (الغارديان البريطانية) عملية “توريث” للنجل البكر لرئيس الجمهورية الفرنسية من مطلقته الأولى، والذي يبلغ من العمر 23 سنة. وقد رد فيون بقوة على منتقدي الرئيس الفرنسي، واعتبر الضجة “مفتعلة” من طرف أحزاب المعارضة وخصوصا الحزب الاشتراكي، ودافع عن نجل الرئيس الذي جرى انتخابه، ولم يتم تعيينه. وقال رئيس الوزراء الفرنسي “جرت عملية انتخاب، ومسابقة فعلية، وتم انتخاب ساركوزي من قبل مجلس الادارة، وبالتالي فلا حاجة لاثارة كل هذا الجدل”. وأشار إلى ان ما يتوجب التوقف امامه هو التصويت، وقارن المسألة بمواقف سابقة مثل تعيين نجل الرئيس الاسبق فرانسوا ميتران في مواقع مسؤولية. أما غينو فقد رأى المسألة من زاوية المساواة في الحقوق، وقال “هل يجب ان يكون جان ساركوزي منتقص الحقوق لأنه نجل رئيس الجمهورية؟”، ودافع عنه كرجل سياسي شاب يتمتع بطموحات كأي شخصية آخر، واعتبر حداثة سنه امرا لا يشكل عائقا. وكثيرا ما حاول الشاب الطموح ان ينسخ تجربة والده حين كان شابا يناضل في صفوف الشبيبة الديغولية، مع فارق وحيد هو ان الذي يقف نصب عيني الابن هو والده الفعلي، بينما كان والده يتمسك بأهداب جاك شيراك، الذي كان في بداية صعوده كزعيم لليمين التقليدي. وظهر ساركوزي الابن على مسرح الاضواء منذ اكثر من سنتين خلال حملة الانتخابات الرئاسية، وذلك حين كان قد انضم الى فريق الدعاية الخاص بوالده، وقد حاول ان يلعب دورا في استمالة قطاع الشباب من اجل التصويت لوالده، مثلما كان يفعل النجل البكر للمرشحة الاشتراكية سيغولان رويال، لكن الماكينة الدعائية لم تتح له القدر الكافي من المساحة لكي يعرض مواهبه فبقي مغمورا في ظل نجوم كبار مثل كلود غيون مدير الحملة ومساعديه من امثال رشيدة داتي ودافيد مارتينو ونادين مورانو. ولم يظهر في صورة واضحة إلا بعد فوز والده، حيث برز في المهرجانات الاحتفالية وهو يتبختر بزهو الشاب الانيق الطافح بالحيوية، بشعره الذهبي الطويل المسترسل على كتفيه، الأمر الذي ذكر بالصورة الرائجة عن والده في اول خطاب ظهور سياسي له في اوائل سبعينات القرن الماضي، رغم الفارق في القامة، فالابن فارع بينما الأب مربوع متوسط القامة. وإلى ذلك الحين لم يكن معروفا عن هذا الفتى أي موهبة تذكر، ولم يسبق ان جرى تداول اسمه في وسائل الإعلام إلا على نحو طفيف ونادر، في معرض الحديث عن أفراد عائلة الرئيس الجديد، وبقي الأمر على هذا المنوال حتى الانتخابات المحلية التي جرت في مارس/ آذار من العام الماضي. وفجأة سلطت الأضواء الاعلامية على ساركوزي الابن في مطلع السنة الماضية، حينما بدأت تتكون اللوائح الانتخابية، وقام بترشيح نفسه في دائرة “نويي” التي كانت المحطة الاساسية لصعود نجم والده في اطار العمل السياسي والبلدي، وكان قد تم انتخابه رئيسا لبلديتها لاكثر من دورة، وبقي في هذا الموقع حتى قبل ان يقرر ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، وكان لانطلاقه من هناك معنى رمزي بعيد، فهذه المنطقة التي تعد ضاحية من ضواحي باريس اللصيقة، هي مركز سكن كبار اغنياء فرنسا ورجال اعمالها، ولهذا اعتبر ان ساركوزي يحظى بتأييد رأس المال قبل كل شيء. بشير البكر