- الدنمارك بسم الله الرحمن الرحيم شغلني في الأسابيع الماضية التي أعقبت عودتي من تونس خلال الصائفة المنصرمة, صوارف العمل وبعض الأنشطة الدعوية والاهتمامات الأسرية، عن التواصل مع الملاحظات التي أثارتها عودتي وانطباعاتي التي أدليت بها لبعض المواقع الإخبارية التونسية،في الداخل والخارج ولكني مع ذلك كنت أتابع الكتابات التي وإن تباينت , ,فإنها تلتقي جميعا في سياق إحياء سنة الحوار الذي لايفسد للود قضية , والذي يمثل المحرك الأساسي والجوهري لأي تغيير منشود عندما زارني الأخ عبد الحميد العداسي واقترح علي بطلب من ادارة الحوار نت مشكورة اجراء حوار حول الرحلة التي قمت بها الى تونس، ترددت في بداية الأمر وخشيت من تأ ويلات قرأت بعض تفاصيلها في التعليقات المنشورة عقب الحوار, لكنني غلبت رأي التجاوب مع طلب اجراء الحوار ليس بهدف الاشادة بجهة ما, وإنما بغاية فتح نقاش جدي عن ايجابيات العودة إلى الوطن وإزالة ما علق بهذا الملف من أفكار تبين لي أن أغلبها محض تخيلات ونظريات أبدعها خيال بعضه غربي وبعضه الآخر مرضي أفرزته طموحات السياسيين التي لا يقدر على مجاراتها أمثالي من عامة الناس. لقد راعني وأنا أخط أولى خطواتي على أرض مطار قرطاج الدولي وجوه لم أعرفها من قبل, مكتنزة بالنشاط والحيوية وتعلو شفاهها ابتسامات صادقة اشتقت اليها منذ سنوات طويلة, فلقد لفت انتباهي وأنا بصدد اتمام إجراءات الدخول الروتنية رجل يتوكأ على عصاه وهو يتجه نحوي بابتسامة عريضة مرددا عبارات الترحيب التقليدية التونسية، صافحني بحرارة، وكنت أجتهد في معرفة الصوت الذي طالما سمعته عبر الهاتف، إنه الدكتور الصحبي العمري الذي أراه لأول مرة, كانت مفاجأة سارة ومؤلمة, سارة لأني وجدت رجلا يحمل من قيم الرجولة والشهامة الكثير, ومؤلمة لأني ما كنت أعلم أنه سيأتيني متكئا على عصاه بعد أن فقد إحدى رجليه, عانقته بشوق كما لو أني أعرفه منذ سنوات طويلة, فقد جرت بيننا اتصالات هاتفية قبل العودة سهل لي فيها هذا اللقاء ,ثم ألتفت إلى أخي وصديقي الدكتور مختار زغدود الذي كان الى جانب الدكتور الصحبي بابتسامته المعهودة التي لم تغيبها المسافة التي قطعها من بنقردان بالطائرة إلى تونس لاستقبالي، فعانقته عناق المحب العائد الى وطنه بعد طول غياب مرت إجراءات الدخول وخرجت بصحبة الأخوين لأجد نفسي ضمن حشد عائلي وأصدقاء واحباء لم أستفق من نشوته الا بعد أن عدت الى الدنمارك, ونقلت اليكم بعضا مما خالجني من مشاعر وأحاسيس وتصورات عن تلك الرحلة. لقد فوجئت بكم التعليقات, والذي فاجأني أكثر أن جلها لم يبرح متردم الجدالات الكلاسيكية القديمة التي يفتش أغلبها في باطن القول دون ظاهره, عللت النفس بأن جزءا من أسباب تركيز بعض الأخوة على الخفي من القول دون ظاهره وتقديم سوء الظن على حسنه, يعود الى التربية القديمة, تربية السرية, وانتظرت لعلي أجد من القول ما يغري بالاستبشار, لكنني لم أجد ذلك الا لماما من بعض المنصفين, فأنا العبد الضعيف والفقير الى ربه لم أطلق على نفسي صفة الداعية ولا الشيخ ولم أطلب من أحد أن يمنحني هذا اللقب, ولذلك استأت لأن النقاش انحرف الى غير المأمول منه، وانصرف للتنقيب عن خصائص الشيخ وميزاته ومقارنة ذلك بما يعرفه البعض عني. ولقد كفاني الأخوان الفاضلان محمد العماري وعبد الحميد العداسي شر الاستمرار في تبرئة نفسي من هذه الصفة, ولذلك سأركز بعد الشكر والتقدير والثناء على كل من تجشم متابعة الحوار على النقاط التالية 1- انني ممتن لكل من ساهم في تهيئة مناخ العودة لي ولأمثالي, وإني أدعو الله سبحانه وتعالى في السر والعلن أن يرزق كل هؤلاء ما يستحقونه من المغفرة والثواب,كما أبتهل له عز وجل بأن يطال فتح باب العودة كل المغتربين من أبناء بلدي, أيا كانت أسباب غربتهم, فالغربة عن الأهل والأوطان نار لا يرضاها مسلم لمسلم 2 – ان شاء الله العهدة المقبلة لسيادة الرئيس زين العابدين بن علي ترسخ مفهوم فتح باب العودة للجميع لتحقق خطوة كهذه وحدة وطنية يعيش تحت ظلالها كل المواطنين بدون استثناء, وما ذلك على الله بعزيز . 3- لقد سرني أن الانتماء العربي والاسلامي لتونس هو أبرز المظاهر التي تلفت انتباه الزائرين, فالحجاب الاسلامي في أزهى حلله يزين شوارع الخضراء, والمساجد ممتلئة بشباب لم تغره مظاهر الحداثة المزيفة ولادعوات نظريات المادية الملحدة بقدر ما استهوت فطرته آيات الذكر الحكيم, وظلاله الوارفة, فقد امتلأت المساجد بمرتاديها من كافة الاعمار, ثم ينشغلون بعد ذلك بتدبير شؤون حياتهم وتأمين لقة عيش كريمة بدأت تعز على القادرين من الناس في هذه السنوات العجاف من عمر الازمة المالية ضمن هذه الاجواء المتناغمة -4 بدأت أصوات المعارضة لأي تسامح تخفت, فقد زارني ببيتي بمكثر رجال من كل طبقات المجتمع ولم ألحظ لدى أي منهم أي توجس أو خوف من الحديث الى رجل ذولحية ولايخشى من ارتياد المساجد, ولذلك راعني ما قرأته لإحدى دعاة الحداثة والتنوير والدمقرطة التونسيين في الغرب عندما أعلن صراحة وبدون خجل عن ضيقه بمساحة التسامح التي مضى فيها الرئيس بن علي وحذر من تحالف بينه وبعض الاسلاميين العائدين, أقول راعتني المخاوف التي أعرب عنها الناشط السياسي التونسي خميس الشماري في حوار له مع صحيفة اللموند الفرنسية لأنه نسي وهو يخاطب الغرب عن مخاوفه من ضياع الدولة الحديثة في تونس, أن التونسيين لم يعرفونه الا في وسائل إعلام امتلكها الإسلاميون أو أداروها، ولعلي هنا أذكر الشماري بفضل قناة المستقلة عليه يوم ان اوصد الغرب والحداثيون ابوابهم في وجهه ولذلك فنصيحتي الى الأستاذ خميس الشماري ومن هو على شاكلته في الخوف على تونس الدولة بأن يطمئن, لأن تونس للتونسيين جميعا لافرق بين جنوبي وشمالي ولاساحلي أو صحراوي الا بالمواطنة الصالحة والولاء لتونس وهويتها الوطنية العربية والاسلامية 5- لقد كنت حذرت في الحوار من أن نزعة حاقدة يعز عليها أن يعود كل أبناء تونس الى ربوع وطنهم الخضراء بعد أن كللت غربتهم بالنجاح فهم دكاترة وكتاب واعلاميون ناجحون وأساتذة جامعيون وخبراء في مراكز الأبحاث الدولية من خيرة ما أنجبت تونس, يساهمون في نقل ما ينفع الناس لإقرار السلم والتسامح والتعايش والحوار بين الحضارات والثقافات والأديان، وهذا ما أعلمه عمن عرفته من التونسيين الذين أعرفهم، وهو مستوى لا أعتقد أنه مدعاة للخوف لا من الأستاذ الشماري ولا ممن هم على منواله في التفكير والتخمين. 6- كلمتي الأخيرة أوجهها لأولئك الذين انبروا في انصافي والذود عن عرضي الأخوة رضا التونسي وعبد الحميد العداسي وسالم العرفاوي, وآخرين بأسماء مستعارة, ولا أنسى هنا كلمات أخي وصديقي محمد العماري الذي تربطني به علاقة أخوة ومحبة ومن حين لآخر أتواصل معه عبر الهاتف فأستمتع بكلامه الذي يدر من بين ثناياه فهما عميقا ورؤية ثاقبة تدل على ثقافة واسعة اكتسبها من تجارب الحياة, لهؤلاء جميعا أقول جزاكم الله خيرا وأكثر من أمثالكم, وأرجو أن ينسج الآخرون على منوالهم في فتح آفاق النقاش والحوار على ملفات أخرى بعيدا عن قراءة النوايا والسباحة في أوهام لا أعتقد أنها تفيد قضايا ابناء الجيل الثاني والثالث من التونسيين في الغرب, فتلك أولوية مطلقة في الحوار أولى من التشكيك في إرادة التسامح التي أبداها الرئيس بن علي منذ سنوات وصدقها العمل، ولو كان في التسامح والعودة تحقيق مقصد واحد من مقاصد الشرع التي وردت في الحديث القدسي: "أنا الرحمن، خلقت الرحم , وشققت لها إسما من إسمي من يصلها أصله ومن يقطعها أقطعه فأبته"، لكفاني خيرا. والله من وراء القصد عبد الحميد الحمدي - الدنمارك