وزراء الإعلام... الوثيقة... والجزيرة!! بقلم: برهان بسيس الوثيقة التي أصدرها وزراء الإعلام العرب حول تنظيم البث الفضائي في المنطقة العربية أثارت ردود فعل متباينة بين مدافع عن المبادرة التي تسعى إلى تأطير السيلان الاتّصالي ووضعه تحت التحكّم والتوجيه ورافض للوثيقة باعتبارها سيفا رقابيا واضحا أرادته الحكومات العربية لمحاصرة حرية التعبير التي ما فتئت فضاءاتها تتوسّع من خلال منابر الفضائيات الخاصّة.
شبح قناة «الجزيرة القطرية» كان حاضرا بين زوايا السطور والكلمات والتوجيهات والتعليمات في هذه الوثيقة وقد تلقى القطريون المبادرة باعتبارها مناورة واضحة لاستهداف ذراعهم الإعلامي الضارب الذي يتربّع على عرش صدارة المشهد الإتصالي العربي كأهم فضائية استحقّت الامتياز والريادة في نعوت كل من اتخذ منها موقفا سواء من أصدقائها وأنصارها أو أعدائها وخصومها فهي الرائدة في منابر الحوار والرأي والرأي الآخر في رأي أنصارها وهي الرائدة في التضخيم والإثارة وخدمة الأصولية وأمريكا وإسرائيل وإلى غير ذلك من المواقف التي تشترك في التسليم لهذه القناة بالريادة ولكن بمضامين مختلفة تصل حدود التناقض. وثيقة وزراء الإعلام العرب اعتبرها بعض المعلقين من صنف كلمات الحق التي يراد بها باطل متطيّر من حرية الكلام خاصّة حين يستهدف الحكومات وسياساتها فالفضاء الإعلامي العربي مخترق بالتأكيد بكل أنواع المخاطر والإختلالات التي تهدّد الوعي وتنحرف به لكن الإشكال في عملية التدخّل التوجيهي الضروري في مثل مواجهة الآثار السلبية لفضائيات الشعوذة والسحر والتفسّخ والطائفية والتطرّف هو مصداقية الجهة التي تتصدّى لمثل هذه المهام. فالنظام الرسمي العربي الذي يتحرّك إعلاميا من خلال البوابة الحكومية التي يمثلها وزراء الإعلام العرب هو المسؤول بفشله ورتابته ومحافظته وانغلاقه وفقره الخيالي وتخلّفه عن هجرة المتلقّي العربي نحو الفضائيات الخاصّة بمختلف أنواعها ومضامينها واتجاهاتها. التنظيم والتوجيه والتدخّل والتأطير عناصر ضرورية في العملية الإتصالية تجري وبشكل طبيعي في كل المجتمعات بما فيها مجتمعات الغرب الديموقراطي ولكن تماما كما نقاش الأسلوب والطريقة والإخراج هنا تكمن الفروق والاختلافات بين رقابة خفيّة تمارس بخلفية عقود شرف ومواثيق مهنية يحميها القانون والحسّ المدني وروح المواطنة والمشاركة ورقابة غليظة فجّة وبدائية تمارسها أجهزة بيروقراطية مكروهة من الشعوب والنّخب. كان من الأجدر أن تكون صياغة وثيقة مثل هذه مهمّة الهيئات المدنية الغير حكومية التي تجمع الفاعلين الإعلاميين في الحقل الإتصالي العربي لا مهمة وزراء أو حكومات عربية التصقت تجربتها للأسف في المخيال بصورة الإعلام المحنّط الرتيب والمغلق الذي أطلق هجرة الناس الكاسحة نحو مصادر معلومة وفضائيات مغايرة لا تهمّهم خلفياتها أو أهدافها بقدرما يسعدهم الفرار إليها من «مأساة» إعلامهم الرسمي. ببساطة ودون تعقيد في مثال «الجزيرة» بالذّات يكون من الأجدر للمحترزين والغاضبين تجاه الدور الذي تلعبه هذه المحطة أن يلتفتوا إلى تطوير أداء إعلامهم الوطني كأسلوب وحيد لسحب البساط من الجزيرة أما وحال الفضائيات الرسمية العربية باق على اشتغالها البدائي الحالي في التعتيم والتطبيل البدائي وغياب الجرأة والخوف من المبادرة والقطيعة مع النّخب وملفّات اللاحوار بين الضيوف المكتظين في استيديوهات الديكور الموحش كالبنيان المرصوص ليردّدوا مقدّمات مختلفة متعدّدة لكي يصلوا جميعا إلى خلاصات واحدة مشتركة في انسجام ببغائى مملّ خال من التشويق، مادام الحال على ما هي عليه فلا أعتقد أن مليون وثيقة كتلك التي صاغها وزراء الإعلام العرب قادرة على دفع ضرر اتصالي قائم. فهل يستقيم الوعظ والناصح محتاج لمن يعظه؟!!!