سنلجأ إلى المحكمة الدولية إذا لم تعترف فرنسا بجرائمها في الجزائر حاوره بالجزائر - حسين بوجمعة يكشف رئيس منظمة مجاهدي الجزائر السعيد عبادو في هذا الحديث الذي خص به «العرب»، ولأول مرة عن مشاورات باشرها مجاهدو الجزائر مع حقوقيين ورجال قانون من أجل تقديم دعاوى قضائية أمام المحكمة الدولية والأمم المتحدة، في حال استمرار تعنت فرنسا وعدم الاعتراف بالجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في حق الشعب الجزائري خلال احتلاله لأرضه لقرن و32 سنة. كما شدد عبادو التأكيد أن الجزائر لن تعقد أية معاهدة صداقة أو تعاون مع فرنسا دون اعتذار وتعويض عن جرائمها، وذلك رغم إقراره بوجود تطور في الموقف الفرنسي بخصوص هذه القضية مند وصول نيكولا ساركوزي إلى الحكم. كما يكشف رئيس مجاهدي الجزائر أن سمو الأمير كان أحد جامعي التبرعات للثورة الجزائرية. كثرت مؤخرا الدعوات والنداءات المطلقة من قبل المسؤولين الجزائريين تجاه فرنسا للاعتراف بجرائمها، فهل أنتم متفائلون بإمكانية إقدام السلطات الفرنسية على الاعتذار، رغم أن الرئيس الفرنسي قالها صراحة في زيارته إلى الجزائر عام 2007 بأن الأحفاد ليسوا مطالبين بالاعتذار عما اقترفه آباؤهم وأجدادهم؟ ● موقفنا واضح من القضية، فنحن نخاطب للدولة الفرنسية. وكما هو معروف فالدولة ككيان قانوني لها استمرارية وهي مسؤولة عن كل المراحل في ماضيها وتاريخها، وبالتالي فالمنطق الذي يتحدث به ساركوزي مرفوض ومخالف للتقاليد الدولية، كما أن هناك سوابق في هذا الميدان ترفض منطقه، فلماذا اعترف بيرلسكوني مثلا بما اقترفه الفاشيون ضد الشعب الليبي وأبرم اتفاقية لتعويض الأضرار، ولماذا عوضت ألمانيا الحديثة اليهود عما ارتكبته ألمانيا النازية؟ قلت في إحدى تصريحاتك إن القانون الذي أصدرته فرنسا بخصوص تعويض ضحايا تجاربها النووية بالصحراء الجزائرية، هو مجرد ذر للرماد في العيون، لماذا قتلم هذا رغم أن ملاحظين اعتبروه خطوة إيجابية في طريق اعتراف فرنسا بجرائمها المقترفة بالجزائر؟ ● القانون الفرنسي لتعويض ضحايا التجارب النووية، هو سلبي جدا، لأنه أعد من طرف واحد ولم يؤخذ رأينا فيه، رغم أنه يتحدث عن ضحايا سقطوا على أرض جزائرية خلال فترة الاحتلال. فإذا أراد الفرنسيون التكفير عن ذنبهم حقا، فكان يجب عليهم الدخول في محادثات مع الجانب الجزائري وإبرام اتفاقات بين حكومتي البلدين من أجل الوصول إلى أفضل الصيغ لتعويض الضحايا. وإذا عدنا إلى نص القانون المذكور فسنجده يذكر مصطلح الصحراء مجردا دون الإشارة إلى المناطق التي أجريت فيها التجارب النووية في منطقة رقان بولاية أدرار الجزائرية أوعين أبكر بتمنراست، كما أنه تكلم عن إنشاء لجان مشتركة تتكفل بعملية التعويض، لكن لحد الآن لم يتصل بنا أي أحد، أي أنهم خلقوا مشكلا إضافيا يتعلق بمن يحق له تمثيل الضحايا الجزائريين.. كل هذه الهفوات والثغرات تجعلنا نقول إن القانون مجرد ذر للرماد في العيون، ولم يأت لتعويض الجزائريين ضحايا تجارب منطقة رقان وعين أبكر، وإنما جاء نتيجة ضغوط مارسها عدد من الفرنسيين الذين كانوا ضحايا للتجارب النووية الفرنسية، بعد أن حازوا على أحكام قضائية من العدالة تدين الحكومة الفرنسية وتلزمها بضرورة التعويض. هل الجزائر متمسكة بمطلب الاعتذار فقط أم أنكم تطالبون بالتعويض أيضا؟ ● هناك ترابط بين الأمرين، فلا بد للجزائريين أن يحصلوا على اعتراف فرنسا بجرائمها التي ارتكبتها في حق الشعب الجزائري طيلة احتلالها لأرضه مدة 132 سنة، ثم الاعتذار عن تلك الجرائم المرتكبة، ليأتي التعويض عما ارتكب ضدهم من نهب للأراضي والسيطرة على الثروات وطمس الشخصية الجزائرية من خلال استعمار استيطاني حاول أن يجعل شعب الجزائر وأرضها جزءا من فرنسا، بواسطة ما كان يعرف بقانون الإلحاق، وأنا شخصيا أذكر أن بطاقة هويتي أيام الاستعمار كان مكتوبا عليها «فرنسي مسلم». ومعنى هذا أن اعتراف فرنسا بجرائمها ثم الاعتذار والتعويض، من شأنه أن يطوي صفحة الماضي المؤلمة، إذ ليس من حقنا أن نترك هذه العلاقة بالشكل الذي هي عليه اليوم إلى الأجيال القادمة. فعداوتنا ليست مع الشعب الفرنسي وإنما أعداؤنا الحقيقيون هم أولئك الذين لم يتخلوا عن أفكارهم الاستعمارية. لذلك أؤكد أنه لا يمكن إبرام معاهدة صداقة مع فرنسا إذا لم يكن هناك اعتراف واعتذار وتعويض وأيضا إعادة للأرشيف الوطني المنهوب.. ليس لدينا أحقاد لكننا نريد أن نطوي الملف ونترك للأجيال الصاعدة الجو المناسب لإقامة علاقات متطورة في فائدة البلدين والشعبين. لقد طالبت في إحدى تصريحاتك الحكومة الفرنسية بإرجاع الأموال المسروقة من خزانة الدولة عند احتلالها الجزائر سنة 1830، فهل تعتقد أن فرنسا التي ترفض الاعتراف بجرائمها التي ارتكبتها قبل نصف قرن فقط ستعوض الجزائر عن مسروقات مر عليها قرابة قرنين من الزمن؟ ● لقد صادرت فرنساالمحتلة أموالا طائلة عند احتلالها للجزائر، لاسيما أن بلادنا كانت من أغنى الدول في البحر المتوسط في تلك الفترة. وأنا على يقين بأن الفرنسيين يعلمون بالتدقيق قيمة المسروقات بل ويحفظونها، فالدولة الفرنسية تصور وتوثق كل شيء بما في ذلك جرائمها، ولهذا فإنه كان من المفروض أن تسلم فرنسا كل ما أخذته من الجزائر بعد أن خرجت منها مهزومة بفضل ثورة التحرير التي نعيش في ظلال ذكرى اندلاعها الخامسة والخمسين (1 نوفمبر 1954)، وهناك سوابق في هذا الإطار، فإيطاليا عندما خرجت من أثيوبيا، أرجعت كل ما أخذته، والآن الإيطاليين يفعلون الشيء نفسه مع الليبيين، فلماذا يشذ الفرنسيون عن القاعدة؟ أكثر من هذا فإنهم عندما قرروا منحنا جزءا من الأرشيف وفقا لاتفاقية أبرمت بين وزارتي الثقافة للبلدين، عمدوا لأن يكون الأرشيف المسترجع دعائيا، وهو عبارة عن مجموعة من الاسطوانات لإذاعة «صوت البلاد» الفرنسية خلال فترة الاحتلال في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي. إن أهم شيء استلمته الجزائر من فرنسا، هو خرائط الألغام، لكننا نأسف أيضا لأن تسلمها لم يكن في الوقت المناسب، وإنما جاء بعد مرور 45 سنة عن استقلال الجزائر، وهي فترة استمرت معها الجرائم الفرنسية من خلال سقوط عشرات الجزائريين أسبوعيا جراء تلك الألغام. حيث وصل عدد الضحايا 120 ألفا منهم 4 آلاف قتيل. قلت أيضا أن الموقف الرسمي الفرنسي تطور منذ مجيء الرئيس ساركوزي، كيف ذلك؟ ● فعلا هناك تطور في الموقف الفرنسي منذ صعود ساركوزي إلى الحكم، لكنه غير كاف، فساركوزي نفسه اعترف لأول مرة بأن الاستعمار كارثي وظالم، وذلك خلال خطابه الذي ألقاه في جامعة قسنطينة لدى زيارته الرسمية إلى الجزائر. كما أن سفير فرنسا السابق بالجزائر باجولي اعترف في محاضرة له بجامعة قالمة شرقي البلاد، بالجرائم التي ارتكبها المستعمر الفرنسي في حق أبرياء خرجوا للتظاهر بانتهاء الحرب العالمية الثانية، لكنهم استقبلوا بالنيران وارتكبت في حقهم مجازر رهيبة يوم 5 مايو 1945. وبالتالي فالاعتراف جاء بعد 60 سنة، غير أنه مع ذلك يعتبر تطورا إيجابيا. بالإضافة إلى أن بعض المنتخبين الفرنسيين بدؤوا يعترفون بجرائم فرنسا الاستعمارية، فرئيس بلدية باريس صدر عنه تصريح مهم مؤخرا، عندما قال إن الجزائريين لم يأتوا إلى باريس وإنما نحن من ذهبنا لاحتلالهم. وهناك عدد من الجمعيات الفرنسية بدأت تضغط من أجل الاعتذار للجزائر. وبرأينا فإن التطور الحاصل في مثل هذه المواقف يبقى غير كافٍ، لكنه خطوة في الطريق الصحيح. ويجب الإشارة إلى أنه في مقابل تطور الموقف الفرنسي فإن هناك مواقف نرفضها وبشدة، مثل قانون 23 فبراير 2005 الممجد للاستعمار الذي أصدره المشرع الفرنسي. والسؤال الذي يطرح نفسه، هو: إذا كان الفرنسيون يقبلون تمجيد احتلالهم للجزائر وتمجيد الخونة من الجزائريين الذين تعاونوا معهم، فهل يقبلون تمجيد الخونة الفرنسيين الذين تعاونا مع النازيين؟.. فالعالم كله يعرف أنهم حاكموا خائنهم بيتان وأعدموه. والغريب أيضا أنه في الوقت الذي لا نسمع أي كلام عن الخونة الفرنسيين مع الألمان، فإن الفرنسيين أنشؤوا مؤسسة لتمجيد الحركي (الخونة الجزائريين)، وهذا سلوك متعنت ومتكبر يخلو من أية أخلاق. دعوت مؤخرا الأوروبيين من رجال قانون وحقوقيين إلى الضغط على فرنسا للاعتراف بجرائمها، فهل يعني هذا أنكم بدأتم تفقدون الأمل في استجابة باريس لدعواتكم ونداءاتكم؟ ● ما يهمنا هو إيصال مطالبنا بجميع الوسائل وفي جميع الاتجاهات، فهذا موقفنا الثابت. فنحن نستشير قانونيين من داخل وخارج الجزائر ومؤرخين وباحثين وأطباء، وإذا استمرت فرنسا في تعنتها فلا بد أن نرفع دعاوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة، لن نسكت عن حقوقنا. كما أننا نرفض إقامة معاهدة صداقة أو تعاون مع فرنسا ما لم تعترف فرنسا بجرائمها التي اقترفتها في حق الشعب الجزائري والاعتذار له. وهذا ليس موقف منظمة المجاهدين وإنما هو موقف كل المؤسسات الرسمية الجزائرية. أثير جدل واسع لم ينته بعد بشأن قضية ما يعرف «بالمجاهدين المزيفين»، فوزارة المجاهدين قالت إن عددهم لا يتجاوز 10 آلاف، في حين تدعي بعض الأطراف بأن عددهم أكثر بكثير وهو يتراوح بين 300 ألف و600 ألف مجاهد مزيف، فأين هي الحقيقة من بين هذه الأرقام؟ ● الجهات المخولة للبحث في صحة «المجاهد» الحقيقي من «المجاهد المزيف»، هي المنظمة الوطنية للمجاهدين ووزارة المجاهدين. لكن الملف أعقد مما نتصور، فلا يمكن لأي أحد أن يأتي ويعطي تصريحات للصحافة يدعي فيها بان هذا مجاهد حقيقي والآخر مزيف، وقد أدلى كل من هب ودب بدلوه في القضية، وصدرت عدة اتهامات لكن كلها تفتقد للأدلة الدامغة، فقد ذهب البعض إلى حد القول بأن %60 من مجاهدي الجزائر المعترف بهم مزيفون! من جهتنا كلما طرحت علينا قضية من هذا النوع نقوم بالتحقيق في الأمر بالتعاون مع الوزارة المختصة، وقد أثبتنا أن عديد الادعاءات كانت سلبية ودوافعها في غالب الأحيان إما الانتقام أو لخلافات شخصية، وجميع المجاهدين لهم ملفات على مستوى وزارة المجاهدين، وهم يحوزون على اعترافات من مجاهدين آخرين بأنهم شاركوا في الثورة التحريرية، وبالتالي ليس من السهل إطلاق أحكام جزافية هكذا دون تقديم دلائل واضحة على أنهم مجاهدون مزيفين لم تكن لهم علاقة بالثورة. فالطابع الخاص للثورة التحريرية والسرية الكبيرة التي قامت عليها تجعل من الصعب الطعن في أي كان على أنه ليس مجاهدا أو «مجاهدا مزيفا»، إذا كان قد اعترف له مجاهدون آخرون عملوا إلى جانبه في الميدان. شككت بعض الجهات في عدد شهداء الجزائر، وتبنت الادعاءات الفرنسية التي تقول إن عددهم دون المليون شهيد، والغريب أن من ضمن هؤلاء السيد آيت حمود عميروش نجل أحد قادة الثورة الكبار، فلماذا تخلفت الجزائر الرسمية في الرد بحزم على هؤلاء وأولئك؟ ● عدد مليون ونصف المليون من شهداء الثورة التحريرية، هو الرقم الذي قدمه المجلس الوطني للثورة الجزائرية والحكومة المؤقتة، غداة استرجاع السيادة والحصول على الاستقلال، وبالتالي لا يمكن التشكيك في هذا الرقم، لأنه أعلن وفقا لإحصائيات قام بها المجلس الوطني للثورة. وأضيف أن رأينا الخاص هو أن عدد شهداء الثورة أكبر بكثير، لأن الثورة الجزائرية دامت 7 سنوات ونصف ومازلنا إلى الآن نعثر على شهداء في مناطق مختلفة في البلاد، وكان آخرهم العثور على مقبرة جماعية تضم رفاة 132 شهيدا بولاية بومرداس (50 كلم غرب العاصمة الجزائر)، وقد وجدت تلك الجثث مكدسة فوق بعضها البعض وغالبيتها مقيدة اليدين بأسلاك شائكة، وذلك على مقربة من إحدى الثكنات التي كانت للاستعمار الفرنسي. فلو قامت فرنسا بتسليمنا الأرشيف والوثائق على جرائمها التي ارتكبتها لأمكننا القيام بالأبحاث الضرورية، فالمفقودون وسكان الأرياف والقرى الذين قتلوا في الجبال بعد أن استعملت ضدهم أسلحة «النابالم»، يعدون بمئات الآلاف. فضلا عن ضحايا التجارب النووية بالصحراء الجزائرية. فنحن متأكدون أنه لو ترك الأمر للباحثين والمؤرخين في حالة الحصول على أرشيف الثورة من فرنسا، وبناء على مقارنة ذلك الأرشيف مع وثائق جبهة التحرير التي قادت الثورة وشهادات المجاهدين، لتم إثبات أن شهداء الجزائر يفوق العدد المعلن، وذلك بغض النظر عن شهداء الجزائر الذي سقطوا على مدار 132 من مقاومتهم الاحتلال الفرنسي، على غرار مقاومة الأمير عبدالقادر التي دامت 17 سنة كاملة ومقاومة الشيخ بوعمامة والشيخ الحداد والمجاهدة فاطمة نسومر. ينادي البعض بضرورة إدخال جبهة التحرير الوطني التي قادت الثورة وانتصرت، إلى المتحف، لأن دورها انتهى مع الاستقلال، فما موقفك من هذا الطرح وقد كنت أحد قادتها خلال الثورة التحريرية؟ ● أولا لا يجب تسييس الموضوع لأن هناك صراعا سياسيا بين الأحزاب، والمنظمة مستقلة ولا يمكنها الدخول في ذلك الصراع لأن لها أهدافا أسمى تسعى لتحقيقها. فجبهة التحرير التي قامت بالثورة وانتصرت شيء، وحزب جبهة التحرير الوطني بعد الاستقلال شيء آخر. وأنا شخصيا كنت من قادتها خلال الثورة كما كنت ضمن لجنتها المركزية من سنة 1964 إلى بداية تسعينيات القرن الماضي، حيث انسحبت منها احتجاجا على خطها السياسي الذي انتهجته، عندما ذهب أمينها العام (عبدالحميد مهري) إلى سانت ايجيدو بإيطاليا للاجتماع مع المتطرفين الإسلامويين. في وقت أنا كنت من ضمن الشخصيات التي أسست «لجنة إنقاذ الجزائر» للتصدي للإسلامويين، بعد فوز «جبهة الإنقاذ الإسلامية» بالانتخابات التشريعية. ثم أسسنا في منتصف التسعينيات حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي تولى حماية الدولة الجزائرية من الانهيار. لكن ما يجب الإشارة إليه أن المنظمة الوطنية للمجاهدين تضم أمناء من جميع الأحزاب، من «حزب جبهة التحرير» ومن «التجمع الديمقراطي» وحتى من أحزاب المعارضة على غرار «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» (علماني). بعد مرور 47 سنة عن استرجاع الجزائر لسيادتها، لازالت الثورة الجزائرية تحتفظ بكل أسرارها، باستثناء بعض الشهادات التي وردت في مذكرات بعض القادة، فهل أنتم مع المقولة التي تقول أن التاريخ لا يكتب إلا بعد رحيل صانعيه؟ ● رأينا واضح بخصوص هذه القضية، فالمجاهدون والمجاهدات ليسوا من يكتبون تاريخ الثورة التحريرية الجزائرية، فدورهم يقتصر على الإدلاء بشهاداتهم، سواء في إطار مذكرات أو الشهادات السمعية البصرية. أما الذين يكتبون التاريخ فهم المؤرخون والعلماء بناء على الشهادات المتوفرة، فتاريخ الثورة التحريرية هو تاريخ تضحيات وتاريخ ثورة انتصرت لأنها درست كل النقائص التي كانت سببا في عدم نجاح المقاومات الشعبية التي سبقتها. كما أننا نأمل أن يكتب المجاهدون مذكراتهم وشهاداتهم من أجل التاريخ لأعظم ثورة شعبية في القرن العشرين. استفادت الثورة الجزائرية كغيرها من حركات التحرر في العالم آنذاك من مساعدات عربية وأجنبية مختلفة، ما رأيكم في الموضوع؟ ● لا يمكننا نكران أية مساعدة من الأشقاء العرب لشعبنا خلال الثورة التحريرية. وقد كان لهم جميعا نصيب من الفضل في استرجاع الجزائريين لحريتهم، ومساعدة الأخ لشقيقه من الواجبات التي لا منّة فيها لأحد، فكما ساعدنا الإخوة المصريون -مثلا- في إسماع صوت الثورة التحريرية إلى العالم من خلال إذاعة «صوت العرب»، وكذا من خلال احتضان القاهرة لعدد من قادة الثورة، فإننا لم نتأخر عندما كانت مصر في حاجة إلى الجزائر وأرسلنا أفضل ضباطنا وأحدث عتادنا العسكري لمساعدتها في دفع الظلم الصهيوني، وقد ارتوت صحراء مصر بدم شهداء الجزائر. أما من الناحية المادية فالحق يقال إن هناك أشقاء آخرين أيضا كانوا سباقين في مساعدتنا على غرار العراقيين والسوريين والأردنيين دون أن ننسى الإخوة في المغرب العربي والإخوة في الخليج العربي، وبالمناسبة فإني أذكر أنه عندما كنت وزيرا للمجاهدين وزار سمو أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الجزائر في نهاية التسعينيات، فإننا قدمنا له هدية سرته كثيرا، وذلك من خلال تخصيص جناح ب «متحف المجاهد» للتعريف بمساعدات الشعب القطري للثورة التحريرية، وكانت مفاجأتنا تتمثل في صورة لسمو الأمير وعمره 10 سنوات خلال جمعه للتبرعات لصالح الثورة التحريرية الجزائرية.. وأذكر أن سمو الأمير سر كثيرا بهذه الصورة لأنه رآها للمرة الأولى في حياته. العرب القطرية