بين القمع والمذلّة هذا هو عنوان التقرير السنوي الذي أصدرته منظمة مراسلون بلا حدود عن واقع الصحافة في الشرق الأوسط، وقد حصلت الشرق عن نسخة منه حيث يقع في 126 صفحة. ومما جاء في التقرير انه: يعدّ الصحفيون أول الشاهدين على اضطرابات تشل المنطقة بأسرها،وأولى ضحاياها أيضاً. فإن الانقسامات السياسية الدينية في لبنان، وطيف الحرب الأهلية في العراق، والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، تترك آثاراً عميقة تتخطى الإطار الوطني وحده لتطال المحترفين في القطاع الإعلامي. والواقع أن القادة يستغلّون هذه الفوضى المزمنة حجة ليبقوا السيف مسلطاً على أعناق الصحفيين بافتراضهم أن كل انتقاد يوجهه هؤلاء إليهم كفيل بأن يهز عروشهم. وخلافاً لكل التوقعات، وضع العنف المستشري في المنطقة حداً لحماسة الديمقراطيات الغربية التي لم تسارع إلى التنديد بأي انتهاك لحقوق الإنسان ارتكبه شركاؤهم الاقتصاديون أو سمحوا به. وخلال زيارة رئيس الدولة الليبية معمر القذافي إلى فرنسا، وجولتي الرئيسين جورج بوش ونيكولا ساركوزي في دول عدة من المنطقة، لم يكن الدفاع عن حرية التعبير على جدول الأعمال. أما السياسة الخارجية العدائية التي تنتهجها إيران وتورّط الجيش الأمريكي في العراق فأسدلا الستار على مسألة الحريات الأساسية في هذين البلدين. قانون الصمت مع أن دولا عدة في المنطقة آثرت درب العصرنة، إلا أن الانفتاح الكامل للمجال السياسي لا يزال في عداد الأوهام. فقد تغنّى عبدالله الثاني في الأردن، ومحمد السادس في المغرب، وحسني مبارك في مصر بالإصلاحات الديمقراطية بلجوئهم، كل على طريقته، إلى وسائل كفيلة بالضغط على وسائل الإعلام. إلا أنه، في هذه الدول بالذات، يُتهم الصحفيون بجنح رأي ما إن يتطرّقوا إلى مسائل حساسة شأن الدين أو يجرؤوا على التشكيك بالسلطة القائمة. ومن البديهي أن يؤدي الانتقاد الصريح للنظام أو رئيس الدولة بمطلقه مباشرة إلى المحكمة. ففي عام 2007، مَثَلَ حوالي عشرة صحفيين مصريين أمام القضاء إثر رفع أعضاء في حزب الرئيس شكاوى ضدهم. وفي المغرب، لا يزال أحد الصحفيين معرّضاً في عام 2008 لقضاء عقوبة بالسجن لمدة خمسة أعوام لأنه انتقد خطاب رئيس الدولة قبيل الانتخابات. وفي الأردن، حكم على نائب سابق بالسجن لمدة عامين في أكتوبر لأنه ندد على موقعه الإلكتروني باستغلال السلطة في المملكة الهاشمية. وإن الوضع لأسوأ في الأنظمة التي تصفها المنظمة ب«الاستبدادية» القائمة في المنطقة. ففي سوريا، وتونس، وليبيا، والسعودية، ودوما حسب التقرير السنوي لمنظمة مراسلون بلا حدود التي حصلت الشرق على نسخة منه، لا تحظى حرية الصحافة بأي ضمانة. ويدرك الصحفيون أنهم مضطرون للزوم الصمت المطبق في هذا الصدد وأن أي انتهاك لهذه الاتفاقية الضمنية يقترن بعواقب وخيمة. فتمارس السلطات الضغوط على المحترفين في القطاع الإعلامي ولاسيما أصحاب المؤسسات الإعلامية لدرجة أن الرقابة الذاتية باتت أولى تعليمات العمل. وفي أفضل الأحوال، يتعرّض كل صحفي يتخطى الخطوط الصفراء للطرد من دون أي تدبير فيما يقبع وراء القضبان في ظل امتناع القضاة عن الحكم في أسوئها. ويبقى التزلّف الوسيلة الأمضى ليتمكن من المحافظة على مركزه وحريته. وقد استوعبت وسائل الإعلام التونسية الوضع تماماً،فإذا بالصحافة تفيض مديحاً للرئيس زين العابدين بن علي الذي احتفل في عام 2007 بالذكرى العشرين لتوليه مقاليد السلطة. وفي سوريا، زج الرئيس بشار الأسد عدة صحفيين وناشطين سياسيين دعوا إلى التغيير الديمقراطي في السجن. أما في دول الخليج، فتُقابَل حرية التعبير التي تستفيد منها بعض القنوات الفضائية شأن الجزيرة في قطر والعربية التابعة للمملكة العربية السعودية و التي تبثُّ من دبي، بتحفّظ هذه المؤسسات على الحكومات التي تستضيفها وتموّلها مع الإشارة إلى أن الملاحقات القضائية ضد الصحفيين، المرتفعة الوتيرة في عام 2007، قد هددت التعددية الإعلامية الناشئة. إيران في المرتبة الأخيرة تحتل الجمهورية الإسلامية الإيرانية المرتبة الأخيرة في المنطقة من التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي أعدته مراسلون بلا حدود. فلا يزال معتقل إيفين الذي يعدّ أكبر سجون الشرق الأوسط للمحترفين في القطاع الإعلامي ينتصب مهدداً من على علياء طهران. وإلى الأول من يناير 2008، كان خمسة صحفيين لا يزالون وراء القضبان يدفعون ثمن حرية تعبيرهم بتهمة «النيل من الأمن القومي». وحدهم المعاونون الإعلاميون التابعون للشخصيات المرموقة في النظام والمستفيدون من حمايتهم، مخوّلون نشر مقالات تنتقد السياسة الحكومية للرئيس محمود أحمدي نجاد. ولكن المؤسسات الإعلامية المستقلة والمحلية لم تستفد من الوداعة نفسها. فقد حكم على صحفي كردي بالإعدام بتهمة «الدعاية الانفصالية». غياب التعديلات لا نزال في انتظار التعديلات الضرورية لقوانين الإعلام النافذة في دول المغرب والشرق الأوسط. اذ قلّما أبدى المشرّعون اندفاعاً لإلغاء العقوبات من جنح الصحافة. الواقع أن معظم برلمانات المنطقة تتمتع بسلطة محدودة ولا مجال ليبصر أي تعديل النور طالما أن رؤساء الدول ينوون إبقاء السيطرة على وسائل الإعلام. إلا أن المؤشر المشجّع الوحيد الذي شهده هذا العام تمثّل بتأييد رئيس الوزراء الإماراتي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في سبتمبر اعتماد قانون إعلام جديد على هامش الدعوى المرفوعة ضد مسؤول عن موقع إلكتروني إخباري. أما في المغرب، فاصطدمت المفاوضات بين وزارتي الاتصال والعدل من جهة ونقابات الصحفيين وأصحاب المؤسسات الإعلامية من جهة أخرى بحائط مسدود. إلا أن قوانين الإعلام ليست النصوص الوحيدة المستخدمة لإدانة الصحفيين. فقد تعرّض عدد كبير منهم للملاحقة والإدانة في خلال العام بموجب القانون الجزائي. وهذه هي الحال في إيران والمغرب وسوريا وتونس. أما في مصر، فيبدو التعديل الدستوري الذي تم التصويت عليه في عام 2007 بمبادرة من الرئيس حسني مبارك مفصّلاً لشل حركة المعارضين السياسيين كما الصحفيين المستقلين والمنتقدين. صحفيو حرب رغماً عنهم ويتابع التقرير السنوي لمنظمة مراسلون بلا حدود حول الشرق الاوسط لعام 2007: يواجه صحفيو العالم العربي عدداً كبيراً من المخاطر في خلال ممارستهم واجبهم المهني. فهم أولى ضحايا الحرب السائدة في العراق التي شهدت مقتل 57 محترفاً في القطاع الإعلامي في العام 2007، جميعهم عراقيو الجنسية باستثناء واحد. وبالرغم من مرور حوالى خمسة أعوام على بداية الحرب، لم تتراجع أعمال العنف قيد أنملة، ما تسبب بفرار المراسلين الأجانب من البلاد. وإذا آثر بعضهم البقاء، فقد التزموا مكاتب شديدة الحماية متفادين التوجه إلى الميدان، ما سمح بتدنّي عدد الضحايا من الموفدين الخاصين. أما تغطية الأحداث فيتولى المعاونون العراقيون تأمينها بشكل أساسي مع الإشارة إلى أن تسعة موظفين في وسائل إعلام أمريكية قد لاقوا حتفهم في تدافع بعد أن أصبحوا الأهداف المفضّلة للجماعات المسلّحة الأصولية والأفراد المسيّرين بدافع المكاسب والأرباح. والجدير بالذكر أن عمليات الاختطاف استمرت أيضاً وبلغت 25 في العام 2007 ومع أن الحصيلة الفادحة لا تزال في ارتفاع مستمر، فإن السلطات لم تفكّر في اتخاذ أي مبادرة للحؤول دون أعمال العنف الموجهة ضد الصحفيين: فقد لاقى 207 محترفين في القطاع الإعلامي مصرعهم في البلاد منذ بداية الحرب في مارس 2003 وفي الأراضي الفلسطينية، عانى الصحفيون أيضاً النزاع الدائر بين أنصار حركة فتح الخاضعة لإمرة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ومجاهدي حركة حماس التابعة لرئيس الوزراء المقال اسماعيل هنية. والواقع أن سيطرة حماس في يونيو 2007 على قطاع غزة عرّضت العاملين في المؤسسات الإعلامية التابعة لحركة فتح وكل الذين انتقدوا حركة حماس وقادتها، للخطر. فاضطر عدد كبير منهم للجوء إلى الضفة الغربية حيث وقع الصحفيون المقرّبون من حماس ضحايا الاعتقالات التعسفية على يد القوى الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية. وبات قطاع غزة منطقة يستحيل على المراسلين الأجانب العمل فيها. وما كان اختطاف المراسل البريطاني لهيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية بي بي سي ألان جونستون واحتجازه لمدة 114 يوماً على يد جماعة غزاوية إلا ليقنعا المؤسسات الأجنبية بعدم إيفاد مراسلين دائمين إلى الأراضي. وكما في العراق، باتت التغطية الميدانية من اختصاص الصحفيين المحليين. وإلى أعمال العنف المحتدمة بين الفصائل الفلسطينية هذه، لابدّ من إضافة نيران الجيش الإسرائيلي التي تسببت بإصابة 15 صحفياً تقريباً فيما كانوا يغطون العمليات العسكرية. التقرير كما ذكرنا يقع في 126 صفحة ويفصل أوضاع الصحفيين واحوالهم في كل بلد على حدة تقريباً.