عاجل/ بشرى سارة لمستعملي وسائل النقل..    كرهبتك ''ن.ت''؟ هذا آخر أجل لتسوية الوضعية؟    نجاح أول عملية زرع لقرنية اصطناعية وقتية بالمستشفى الجامعي بقابس    حصيلة لأهمّ الأحداث الوطنية للثلاثي الثالث من سنة 2025    أبرز الأحداث السياسية في تونس في أسبوع (من 20 ديسمبر إلى26 ديسمبر 2025)    سيدي بوزيد: تحرير 17 تنبيها كتابيا وحجز كميات من المواد الغذائية    قابس: تقدم مشروع اصلاح أجزاء من الطرقات المرقمة بنسبة 90 بالمائة    ''كان 2025'': برنامج مباريات اليوم السبت    التشكيلة المحتملة للمنتخب التونسي أمام نظيره النيجيري    كرة القدم : السلطات التركية تصدر مذكرات اعتقال بحق 29 شخصا بسبب فضيحة مراهنات    المسرح الوطني التونسي ضيف شرف الدورة 18 من المهرجان الوطني للمسرح المحترف بالجزائر    عروض مسرحية وغنائية وندوات ومسابقات في الدورة العاشرة لمهرجان زيت الزيتون بتبرسق    أمطار غزيرة متوقعة اليوم بعدد من الولايات    الصومال يوجه طلبا عاجلا للجامعة العربية    السكك الحديدية تنتدب 575 عونا    مواعيد امتحانات باكالوريا 2026    عاجل/ تعطّل أكثر من ألف رحلة جوية بسبب عاصفة ثلجية..    حجز 5 أطنان من البطاطا بهذه الجهة ،وتحرير 10 محاضر اقتصادية..    تنفيذا لقرار قضائي.. إخلاء القصر السياحي بمدنين    تايلاند وكمبوديا توقعان اتفاقا بشأن وقف فوري لإطلاق النار    إعادة انتخاب محرز بوصيان رئيسًا للجنة الوطنية الأولمبية التونسية    طقس السبت.. انخفاض نسبي في درجات الحرارة    رئيس وزراء بريطانيا يعلن عن عودة الناشط علاء عبد الفتاح    مانشستر يونايتد يتقدم إلى المركز الخامس بفوزه 1-صفر على نيوكاسل    فرنسا.. تفكيك شبكة متخصصة في سرقة الأسلحة والسيارات الفارهة عبر الحدود مع سويسرا    مزاجك متعكّر؟ جرّب هذه العادات اليومية السريعة    المجلس الجهوي لهيئة الصيادلة بتونس ينظم الدورة 13 للايام الصيدلانية يومي 16 و17 جانفي 2026 بتونس    الإتفاق خلال جلسة عمل مشتركة بين وزارتي السياحة والفلاحة على إحداث لجنة عمل مشتركة وقارة تتولى إقتراح أفكار ترويجية ومتابعة تنفيذها على مدار السنة    استراحة الويكاند    الليلة: أمطار أحيانا غزيرة بهذه المناطق والحرارة تتراجع إلى 3 درجات    كأس افريقيا: المنتخب المصري أول المتأهلين للدور ثمن النهائي بفوزه على جنوب افريقيا    فيليب موريس إنترناشونال تطلق جهاز IQOS ILUMA i في تونس دعماً للانتقال نحو مستقبل خالٍ من الدخان    قرقنة تكشف مخزونها التراثي: الحرف الأصيلة تحول إلى مشاريع تنموية    الأحوال الجوية: وضع ولايات تونس الكبرى ونابل وزغوان وسوسة تحت اليقظة البرتقالية    نصيحة المحامي منير بن صالحة لكلّ تونسية تفكّر في الطلاق    قائمة أضخم حفلات رأس السنة 2026    موضة ألوان 2026 مناسبة لكل الفصول..اعرفي أبرز 5 تريندات    وزارة التربية تنظّم يوما مفتوحا احتفاء بالخط العربي    4 أعراض ما تتجاهلهمش! الي تتطلب استشارة طبية فورية    الكاف : عودة الروح إلى مهرجان صليحة للموسيقى التونسية    ممثلون وصناع المحتوى نجوم مسلسل الاسيدون    القيروان: حجز كمية من المواد الغذائية الفاسدة بمحل لبيع الحليب ومشتقاته    بداية من شهر جانفي 2026.. اعتماد منظومة E-FOPPRODEX    جندوبة: انطلاق اشغال المسلك السياحي الموصل الى الحصن الجنوي بطبرقة    محكمة الاستئناف : تأجيل النظر في قضية "انستالينغو" ليوم 09 جانفي القادم    عاجل/ انفجار داخل مسجد بهذه المنطقة..    عاجل: هذا ماقاله سامي الطرابلسي قبل ماتش تونس ونيجيريا بيوم    تونس: مواطنة أوروبية تختار الإسلام رسميًا!    أفضل دعاء يقال اخر يوم جمعة لسنة 2025    عاجل/ تقلبات جوية جديدة بداية من ظهر اليوم..أمطار بهذه الولايات..    مصر ضد جنوب إفريقيا اليوم: وقتاش و القنوات الناقلة    نابل: حجز وإتلاف 11طنا و133 كغ من المنتجات الغذائية    استدرجها ثم اغتصبها وانهى حياتها/ جريمة مقتل طالبة برواد: القضاء يصدر حكمه..#خبر_عاجل    البحث عن الذات والإيمان.. اللغة بوابة الحقيقة    عاجل/ قتلى وجرحى في اطلاق نار بهذه المنطقة..    أبرز ما جاء لقاء سعيد برئيسي البرلمان ومجلس الجهات..#خبر_عاجل    روسيا تبدأ أولى التجارب للقاح مضادّ للسّرطان    ترامب يعلن شن ضربات عسكرية أمريكية قوية في نيجيريا...لماذا؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحكمة ضالة المؤمن: أبوجعفرالعويني
نشر في الفجر نيوز يوم 13 - 11 - 2009

الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو الأحقّ بها,اخترت للقارئ الكريم, ملخصا من حديث الدكتور منصف المرزوقي "للفجر نيوز" مع مقال" للجزيرة نت" به فوائد للقارئ العربي والتونسي بالذّات أتمنى لكم قراءة طيبة مع الشكر لكاتب المقال والنّاشر وللأخ المحاور الحبيب لعماري على اختيار الأسئلة,واترك الإختيار في اقتباس النصّ درئا للإعادة لمن نشره كاملا .
ملخصا من حديث الدكتور منصف المرزوقي "للفجر نيوز"
في الخميس, 12. نوفمبر 2009
منصف المرزوقي
- السلطة خرجت من "الانتخابات"مهيضة الجانب فاقدة أكثر من أي وقت مضى لكل هيبة نزفت آخر قطرة من الشرعية
كل الأطراف الضالعة في هذا النظام الإجرامي مرتبطة ببعضها البعض وستقاوم لآخر رمق للحفاظ على مصالحها
- أن تكون لدينا فكرة واضحة عن طبيعة النظام القائم على أعناق التونسيين. النواة هي عصابات حق عام سيكشف المستقبل كم من جرائم اقترفت سواء كانت جرائم سرقة المال العمومي أو التعدي على الحرمات والأرزاق أو قتل الناس تحت التعذيب أو تحويل وجهة القضاء والشرطة والجمارك.
- هذه النواة الإجرامية بحاجة لغطاء سياسي توفره ما تسمونه أحزاب المحاصصة ومنها التجديد.غريب أمر هذا الحزب الذي يقبل أن يكون جزءا من واجهة الديكور ومن يلقي الحجر عليه وأغرب منه الذين عاضدوه في المهزلة الأخيرة من الديمقراطيين الذين تناسوا أن له " بتيندا" من طرف الدكتاتورية أنه تلقى 130 ألف دينار لحملته الانتخابية الأخيرة، أنه قبل ولا يزال بوجود ممثلين له انتحلا مع كل الآخرين صفة ممثلي الشعب وهم معينين من البوليس السياسي. صحيح أن بدوي جلف مثلي غير قادر على فهم العمق السياسي والمناورات الذكية والرؤيا الستراتجية الثاقبة لهؤلاء الناس.
بجانب هذا الغطاء هناك كل التشريع الفكري والدعاية التي يقوم بها مثقفون مرتزقة هم أيضا جزء من النظام الذي يجب تفكيكه غدا ومحاسبة كل من ساهموا فيه.
كل الأطراف الضالعة في هذا النظام الإجرامي مرتبطة ببعضها البعض وستقاوم لآخر رمق للحفاظ على مصالحها ووجودها والسذاجة كل السذاجة تصور إمكانية تسليم مثل هذا النظام للسلطة وهي ضمانه الأوحد ضد عدم المحاسبة.
ما الذي يقتضيه وضع تونس اليوم ؟ . هو طبعا وضع حد للقمع ...للفساد...للتزييف...لانهيار القيم والمؤسسات . كيف؟ طبعا بإنهاء هذا النظام وقد اتضح أن بن علي يكذب علينا بصفاقة منقطعة النظير وهو يتحدث عن المسار الديمقراطي والحال أنه وضعنا منذ عشرين سنة على مسار استبدادي نحن الآن في آخر مراحله.
ويوم تكون هناك سلطة وطنية تقبل بالصلح والإصلاح والمصالحة شريطة أن لا يكون وراء الكلمات تمويه وخداع فسنكون أكبر المعتدلين ، لا لأننا معتدلون بالطبع أو متشددون بالغريزة وإنما لأن الوضع هو الذي سيفرض علينا الاعتدال وسنقبل به لأننا واقعيون.
ما لا يفهمه الكثير أنه لا التشدد رذيلة ولا الاعتدال فضيلة وإنما الفضيلة أن تكون متشددا أين يجب أن تكون متشددا ومعتدلا وقت الاعتدال ...والرذيلة أن تكون " معتدلا" في وضع كهذا وغدا متشددا في وضع يتطلب من الجميع قدرا كبيرا من المرونة والحكمة.
الأمل الوحيد لتونس في جيل جديد من السياسيين يقطع مع الجيل القديم يتوجه للشعب لا للنظام ويؤطر المقاومة المدنية ويقود معركة الاستقلال الثاني والهدف استئصال الاستبداد من جذوره وإعلان الجمهورية وإرساء النظام الديمقراطي دون أي مهادنة مع أصحاب التطور الديمقراطي والمسار الديمقراطي والخطوة وخطوة وكلها شعارات يبيعها خبثاء لأغبياء وجبناء.
- طالبت حين كان الأمر من قبيل المحظورات بالاعتراف بحق الإسلاميين في التواجد السياسي وحتى في إدارة البلاد إذا أعطاهم الشعب السلطة وبقوا في إطار المنظومة الديمقراطية .؟
- مفهوم الديمقراطية مع الثّوابت الإسلامية إن صدقت نيّة المعارضة وابتعدت عن العقلية الماسونية."أبوجعفر"
الفجرنيوز: في الاخير وبعد ان نشكركم لاتساع صدركم وقبول اجراء هذا الحوار معكم نترك لكم كلمة اخيرة تودون توجيهها عبر جريدة الفجرنيوز؟
المرزوقي- ما أردده منذ التسعينات: حقوقنا نمارسها ولا نطالب بها ، ارفعوا رؤوسكم ، لا خوف بعد اليوم ، ولا بدّ لليل أن ينجلي ...ربما كلمة أخيرة أو شعار آخر: لا تيأسوا أبدا لا من بلدكم ولا من أهلكم ولا من أنفسكم وإلا كونوا آخر من ييأس ويلقي السلاح .تذكروا حكم الأمة والشعب "وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر" أو " ما يبقى في الواد كان حجاره" "حجارته" فكونوا البدر والحجر .
"في حديث للفجر نيوز"بتصرف.
**********
إلى الأمام نحو الهاوية

- عوّدتنا تقارير برنامج الأمم المتحدة للإنماء منذ صدور أول تقرير سنة 2002 على الأخبار السيئة، لكن من يقرأ تقرير 2009 يترحّم على ما قرأ لحدّ الآن. قد يكون من المفيد هنا التذكير بالاستنتاجين الرئيسيين لتقارير 2002 و2003 و2004 و2005.
1- كل مؤشرات الإنماء البشري العربي في الأحمر، فالدخل القومي للأمة لا يتجاوز دخل إسبانيا وعدد الأميين عندنا 65 مليون وهو من أرفع النسب في العالم، ومعدّل الحياة أنقص بعشر سنوات منه من المعدل العالمي، ونسبة البطالة التي لا تتجاوز 6% في العالم تصل عندنا إلى 14%. حدّث ولا تسل عن وضعية المرأة والتخلف العلمي وضعف التعليم والنشر وتراجع الثقافة والحريات العامة والفردية وحقوق الإنسان."
ما يظهره تقرير الأممي لعام 2009 حول التنمية العربية أن الطين يزداد بلة سنة بعد أخرى وذلك نتيجة غياب أي إصلاح جدّي وتفاقم أخطار متعدّدة المصادر لتشكل حزمة من التهديدات المرعبة على حاضر الأجيال الحاضرة ومستقبلها"
أضف لهذا المعطيات الأخيرة حول جامعاتنا التي لا توجد أي واحدة منها في قائمة ال400 الأولى وتغيب حتى في قائمة المائة جامعة الأولى في آسيا.
2- تخلف الأمة متفاقم لا فقط بالنسبة للغرب وإنما أيضا بالنسبة للعديد من دول العالم الثالث.
مثلا نسبة الأطفال المصابين بنقص الوزن عند الولادة هو ضعفه في منطقة آسيا الشرقية أو منطقة المحيط الهادي.
ما يظهره تقرير 2009 أن الطين يزداد بلة سنة بعد سنة وذلك نتيجة غياب أي إصلاح جدّي وتفاقم أخطار متعدّدة المصادر تتضافر بينها لتشكل حزمة من التهديدات المرعبة على حاضر ومستقبل الأجيال الحاضرة التي شاء حظّها العاثر أن تولد وتعيش على أرض العرب.
الجديد في هذا التقرير إدخال مفهوم الأمن في قياس الإنماء البشري الذي كان مقتصرا لحد الآن على مؤشرات الدخل والصحة والتعليم والمساواة بين الجنسين ومستوى الحريات الخاصة والعامة.
لقائل أن يقول إن العقلية الأمنية التي تسود حاليا في تعامل الدول مع شعوبها ومع بعضها بعضا، تسللت حتى لتقارير الأمم المتحدة التي أصبحت بوعي أو بلا وعي حاملة لما يمكن تسميته الأيديولوجيا الأمنية. لكن لأصحاب التقرير ردودا على التهمة الضمنية حيث يثبتون أن الأمن الشخصي والجماعي شرط ضروري للإنماء البشري الشامل ومؤشر على نجاح هذا الإنماء، وحق من حقوق الإنسان لا علاقة له بالمفهوم كما تستعمله دولة بوليسية أو دولة إمبريالية.
لنتفحص الآن ما ورد في التقرير علما أن المعطيات منه والتعليق من كاتب هذه السطور.
أطروحة التقرير الرئيسية أن الأجيال العربية الحالية تعيش حالة غير مسبوقة وغير معروفة عند أغلب المجموعات البشرية الأخرى –باستثناء المجموعة الأفريقية- من انعدام الأمن الفردي والجماعي بما هو حالة نفسية قوامها الطمأنينة وراحة البال وحالة موضوعية تتمثل في توفّر الشروط الدنيا للحياة الكريمة.
هذه الحالة هي نتيجة تجمّع سبع غمامات تزيد من وحشة وظلام أفقنا الذي تعودنا عليه:
1- تفاقم الخطر البيئي: تعدّ الأمة حاليا 375 مليون نسمة –مما يعني أننا ثالث أكبر أمم العالم عددا بعد الصينيين والهنود الذين وجدوا طريقهم- وسنصل عام 2020 إلى 410 ملايين وربما في تقديرات أخرى إلى 459 مليون نسمة.
المأساة أن عربيا من كل خمسة يعيش اليوم بأقل من دولارين في اليوم، فكيف ستكون الحالة مستقبلا في ظل انفجار سكاني يتزامن مع تغيير المناخ واشتداد أزمة المياه الصالحة للشرب وتسارع التصحّر وتلوث البيئة؟
2- تفاقم خطر الدولة: إنه لمن أغرب المفارقات أن الدولة التي تلعب في كل مكان دور حامية الأمن الشخصي والجماعي هي اليوم -حسب هذا التقرير- ثاني مصدر لانعدام الأمن في أرض العرب وذلك لاستيلاء عصابات وعائلات فاسدة على الشرطة والجيش والقضاء واستعمال هذه المؤسسات للحفاظ على أمنها بالاستخدام المفرط للعنف ضد المجتمع المكبل، ناهيك عن استعمال الوسائل الإجرامية من اختطاف وتعذيب وتعد على الحرمات وسرقة الثروات."
الدولة العربية التي فشلت في مشروع التنمية وفي الحفاظ على الاستقلال وفي الذود عن الحقوق المشروعة للأمة، نجحت على العكس من ذلك في أن تصبح مصدر تهديد لرعاياها الذين تسميهم مواطنين"
إن الدولة العربية التي فشلت في مشروع التنمية وفي الحفاظ على الاستقلال وفي الذود عن الحقوق المشروعة للأمة، نجحت على العكس في أن تصبح مصدر تهديد لرعاياها الذين تسميهم، في إطار سياسة التضليل التي اعتمدتها دوما معهم، مواطنين.. لأنه لم يعد لها خيار آخر للبقاء.
3- تفاقم خطر النمو الاقتصادي الضعيف: إن نسبة النمو في العالم 2% لكنها لا تتعدّى 0.5% في الوطن العربي، ومن مضاعفات الأمر ارتفاع نسبة الفقر ونسبة البطالة خاصة بين حاملي الشهادات، ناهيك عن تعمق الفجوة بين الفقراء والأغنياء.. إن مدنا كبرى مثل القاهرة والدار البيضاء والخرطوم بصدد الخروج عن كل سيطرة عمرانية قادرة على توفير المتطلبات الدنيا ووضعها ينذر بما ستكون عليه حالة قد تقودنا إلى فوضى اجتماعية لا فكرة لأحد عنها. الإنذار الأخير من مدينة الجزائر بالغ الدلالة.
4- تفاقم خطر سوء التغذية والجوع: إن نسبة المصابين بسوء التغذية تبلغ اليوم 12%، لكن الأخطر هو أن المنطقة العربية هي الوحيدة مع المنطقة الأفريقية التي يتزايد فيها عدد الجوعى والمعانين من سوء التغذية، وما مظاهرات الجوع التي عرفتها مصر وموريتانيا عام 2008 إلا بداية مسلسل.
5- تفاقم خطر الوضع الصحي: إضافة لأمراض التخلف القديمة، يضيف العالم العربي قائمة جديدة من الأمراض العصرية ومضاعفاتها مثل السرطان والسكري وأمراض الشرايين والبدانة ووباء السيدا (الإيدز)، كل هذا في ظل تساقط النظام الصحي العمومي وعجزه المتفاقم عن الاضطلاع بمهامه الدنيا، مما يعني أنه باستثناء قلة قادرة على الدفع، فإن حق الصحة سيكون شعارا أجوف مثل بقية الحقوق الإنسانية.
6- تفاقم هشاشة المجموعات الضعيفة: نتيجة الحالة الاقتصادية العامة فإن وضعية أكثر الشرائح الاجتماعية هشاشة، مثل النساء والأطفال والمعاقين واللاجئين، ستزداد سوءا خاصة وأن العالم العربي هو اليوم أكثر المناطق نشاطا فيما يخص الاتجار بالبشر.
7- تفاقم خطر الحروب الأهلية والاحتلال الخارجي: ما يجري في العراق وفلسطين والحروب الأهلية التي حصلت في الجزائر ولبنان أو الجارية في السودان والصومال واليمن ليست مظاهر معزولة أو حوادث متفرقة لا يربط بينها رابط. إنها دلالات واضحة على إخفاق نظامنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والأمني في حماية الأمة من الاهتزازات الداخلية ومن العدوان الخارجي. الخطير في الأمر ليس التكلفة الإنسانية الباهظة لهذا القصور الفاضح، أي مئات الآلاف من القتلى والجرحى وملايين اللاجئين، وإنما ما تنذر به هذه الحروب. فكل العوامل التي تسببت فيها قائمة بل ومتفاقمة، مما يعني أن مسلسل الاحتلال الخارجي والصراع المسلح الداخلي بكل تبعاته الرهيبة في بدايته لا في نهايته.
والآن ما الذي يعنيه كل هذا؟
لنبدأ بالتذكير أن الوطن، الذي تريد دعاية غبية وساقطة حصره في الوفاء لشخص الدكتاتور ونظامه، هو ثلاثة مكونات: أولا الإرث الذي جاءنا من الآباء والأمهات والأجداد والجدات في شكل أرض ولغة وثقافة وتجارب ووسائل عيش."
الوطن، الذي تريد دعاية غبية وساقطة حصره في الوفاء لشخص الدكتاتور ونظامه، هو ثلاثة مكونات: أولا الإرث الذي جاءنا من الآباء والأجداد, ثانيا كل ما نملك حاليا, وثالثا كل ما سننقله لأطفالنا "
هو ثانيا كل ما نملك حاليا من كل هذه العوامل الضرورية لحياة كريمة. أخيرا لا آخر هو كل ما سننقله لأطفالنا وأحفادنا حتى تتواصل مجموعتنا البشرية في ظروف أحسن من التي عشنا فيها أو من تلك التي تلقيناها من أسلافنا.
معنى هذا أن الوطنية هي الوفاء لتضحيات هؤلاء الأسلاف والعمل الدؤوب لتحسين ظروف الأحياء وخاصة الإعداد المحكم لحياة أفضل لمن سيخلفوننا. كم كان صادقا ذلك الذي قال إن الوطن هو الأرض التي استعرناها من أحفادنا والتي يجب أن نرجعها لهم على أحسن حال.
معنى هذا أيضا أن أنظمتنا الاستبدادية التي تسارع لاتهام الثائرين على الوضع بالخيانة هي الخائنة بل وخائنة بالثلاث: خائنة لتضحيات الآباء والأجداد، خاصة الذين أعطوا دمهم لكي ننعم بالاستقلال.. خائنة للأجيال الحالية وهي تفشل في تسيير شؤونهم، وهي تسرق خيراتهم القليلة، وهي تروعهم بأجهزة مخابراتها، وهي تذلهم بالقمع والتوريث كما لو كانوا قطعانا من الماشية.. خائنة للأجيال المقبلة وهي لا تعدّ لهم إلا الشقاء والخراب.
انظر بهذه العين لمعطيات التقرير وكيف تصف أسس الكارثة التي تتهدّد الأجيال التي ستواصل أمة عمرها خمسة عشر قرنا: أراض قاحلة من الأصل ومع هذا يأكلها التصحّر يوما بعد يوم.. عطش في المدن المكتظة والأرياف المهجورة.. جوع زاحف.. تلوث خانق في مدن أخطبوطية عادت للهمجية.. فقر كافر يرفع من نسبة الشقاء والجريمة.. دولة محاصرة ومعزولة ومهددة تدافع عن امتيازات الماسكين بأجهزتها بمزيد من العنف الأعمى الضاري ضد مجتمع أدار لها ظهره منذ زمن طويل ويعتبرها جزءا من المشكل لا جزءا من الحلّ.. انتفاضات وحروب أهلية لا تنتهي.. ملايين الأطفال العراة الجوعى المتسولين الذين تصطادهم وحدات التدخل السريع كالأرانب في كبرى المدن.. ملايين النساء المجبرات على البغاء لإطعام أطفالهن.. قوافل من بواخر الموت تشق طريقها نحو برّ النجاة المتمثل في أي شاطئ أوروبي ولو بثمن العيش في محتشدات تضم نفس النسبة من العرب والأفارقة.. تدخل من الدول الغربية لإحلال "الأمن" في مناطق نفوذها.. نخب مجنونة وغبية تعيش ثراءها الفاحش وسط القمامات وأثرياء فاسدون يرقصون الفالس ويأكلون الكافيار ويشربون الشامبانيا وباخرة التيتانيك، التي نسوا أنهم أيضا من ركابها، تغرق في اليمّ.
تقولون ما هذا التشاؤم المفرط؟ ألم يثبت التاريخ كذب أغلب التوقعات السلبية؟ صحيح، لكن ألم يكذّب نفس التاريخ توقعاتنا بالوحدة والتقدم "الحتمي" واللحاق بركب الأمم المتقدمة والإصلاح.. إلخ.
من كان قادرا في أكمل نوبة تشاؤم في الثمانينيات على تخيّل الفاجعة العراقية والكارثة الجزائرية والمأساة السودانية والانهيار المصري والانحطاط التونسي وعودة الصومال إلى شريعة الغاب؟ نعم، كان بوسع الأحداث أن تأخذ طريقا آخر، لكنها أخذت الطريق الذي أدّى إلى ما نعرف لأن بذور المصير البشع كانت مضمنة فيها كما السرطان في الخلايا المعطوبة."
المصير الأبشع الذي قد نعدّه لأحفادنا مضمّن في المعطيات المخيفة للتقرير الأممي للتنمية كما السرطان مضمن في الخلايا المعطوبة, ولحسن الحظ حتى السرطان في عصرنا قابل للتطويق وللشفاء شريطة ألا يأتي التشخيص متأخرا والعلاج منقوصا"
معنى هذا أن المصير الأبشع الذي قد نعدّه لأحفادنا مضمّن هو الآخر في المعطيات المخيفة للتقرير الأخير أيضا كما السرطان مضمن في الخلايا المعطوبة. لحسن الحظ حتى السرطان في عصرنا قابل للتطويق وللشفاء شريطة ألا يأتي التشخيص متأخرا والعلاج منقوصا.
المشكلة أننا لا ننتبه لسريالية تصنيفنا للمشاكل وتعاطينا معها.
فعوض أن يبادر كل نظام للإصلاح (الحقيقي، الجذري، الموجع) حتى لا ينهار السقف فوق رأسه ورؤوسنا جميعا.. وعوض أن تبادر النخب لإطلاق صفارات الإنذار والانكباب ليل نهار على تحليل الأخطار السبعة والبحث لها عن حلول.. وعوض أن يبادر كل شعب للإعداد للمقاومة المدنية حتى لا تميد الأرض تحت أقدامنا جميعا، تراهم ينظمون "انتخابات" أو يناقشون الحداثة أو يتخاصمون حول النقاب.
ألا يذكّركم هذا بشيء؟ بالبيزنطيين تحديدا ويقال إنهم كانوا يتخاصمون حول جنس الملائكة وهل هم إناث أم ذكور والقسطنطينية على وشك السقوط في أيدي العثمانيين والتاريخ قاب قوسين من محوها من سجلاته.
أمة معصوبة العينين تتوجه بخطى ثابتة نحو الهاوية، فهل من هبّة قبل سقوط قد لن يعقبه وقوف؟!
المصدر: الجزيرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.