يستغرب المرء، بل ويذهل إذ يرى بعضاً من الجماعات الإسلامية ما زالت تعوّل على الأنظمة الحاكمة فترى فيهم خيراً يُرتجى ومصلحة تُقتضى , ظنوا واهمين أن تقربهم للأنظمة المفلسة سيجلب لهم نفعاً ويدفع عنهم ضراً، ونسوْا أنها مساومة ومحاربة لله ورسوله وللمؤمنين، نسوْا قول الله تعالى {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً}. ونحن نسأل هؤلاء المتقربين إلى كراسيّ السلطان وتيجان الأنظمة، وحُق لنا أن نسأل ما الذي جرى حتى تستولي فكرة التقرب إلي الأنظمة و مشاريعها الإصلاحية علي عقول الإسلاميين , أو لسنا نحن الإسلاميين كل ما نتمناه هو الحياة تحت راية الإسلام , أليست الحياة في ظل القران أفضل من الحياة في ظل هؤلاء الحكام و مشاريعهم الفاسدة , هل الحركة الإسلامية في ليبيا أو في غيرها غير قادرة علي طرح مشروع إصلاحي يستنبط من الكتاب و السنة يستطيع معالجة أزمات هذا الأمة المنكوبة , هل الدكتور الصلابي نفسه غير قادر علي صياغة مشروع إسلامي قابل لمعالجة المشكلات الناتجة في الأصل عن غياب الإسلام , إما أن الإسلام تاريخ مشرق و سيرة عطرة و لكنه بلا حاضر و لا مستقبل , هل هزيمتنا نحن المسلمين جعلتنا نمشي وراء كل ناعق و من هو سيف الإسلام لكي يؤيده الإسلاميين في الداخل و الخارج . أهو أمير المؤمنين القادم , أم أنه الخليفة المهدي المنتظر من قبل العالم الإسلامي , أم أنه أبناً لواحد من أشد حكام العرب ظلماً و عدوناً علي دين الله , للأسف أنت تعرف تاريخه أكثر مني , أليس هو مؤلف الكتاب الأخضر , الذي يستمد منه الليبيون أفكارهم و أنظمتهم بديلاُ عن القرآن و السنة المطهرة . لقد جاء بيان الدكتور علي الصلابي صادماً بكل المعاني من تأييده هو و بعض المجموعات من الإسلاميين لمشروع الإصلاح الذي يتبناه الدكتور سيف الإسلام القذافي الوريث المنتظر لحكم ليبيا بلا شك بل بعد منصبه الجديد سوف يكون الحاكم الفعلي في البلاد خاصة الشئون الداخلية حسب ماقال والده العقيد سيء الذكر . و من ماجاء في البيان الذي نشرت فرانس برس أجزاء منه "إن قادة الإخوان المسلمين في داخل ليبيا وقيادات الجماعات الليبية المقاتلة وعلماء ومشايخ ليبيين يدعمون المشروع الإصلاحي الذي يقوده سيف الإسلام من أجل بناء دولة القانون والمؤسسات". " وشدد الصلابي، الذي يقيم في قطر، على إن "الإصلاح لا يمكن أن يقوم به فرد واحد، وسيف الإسلام لا يملك عصا سحرية، ولا بد من تضافر كل الجهود الوطنية من حوله، بلا إقصاء". هذا بعض ما جاء في بيان الدكتور علي الصلابي واحد من ألمع الناشطين في الدعوة الإسلامية في العالم العربي , و هو الذي قاد عملية المراجعات التي قامت بها الجماعة الإسلامية المقاتلة , و كانت سبباً في الإفراج عن عدد من أعضاء و قيادات الجماعة . نعم إن السير في طريق و قف العنف لهو عمل محمود , خاصة و إن العمل المسلح لم يجني منه الإسلام أي فائدة تذكر , إلا الاتهام بالإرهاب و ملاحقة الدعاة و إغلاق المساجد و اعتقال الشباب المسلم , و لكن ليس ذلك معناه أن نؤيد الأنظمة الباطلة و الجاثمة علي صدر المسلمين منذ أربعين عاما , و هاهي تورث الحكم لأبنائها و ستصبح ليبيا الجماهيرية الملكية , بدلاً من الشعبية , إن الصور التي نشرت منذ فترة لبعض الأسر من ليبيا و هي تعيش في مساكن من صفيح و لا تجد ما تقات به كانت أكثر من مفاجأة لدولة تنتج أكثر من 2.2 مليون برميل بترول يومياً و لكن أموال الشعب الليبي تصرف علي الحفلات الماجنة لأولاد القذافي و أخواته في أوربا , إضافة إلي المشروعات الفاشلة مثل مشروع المياه " البحر العظيم " , و دفع نظام القذافي من أموال الشعب الليبي مبالغ طائلة لدعم حركات معارضة في بلادها , و مبالغ أخري كتعويض عن عمليات مخابراتية ضد خصومه , أن النظام القائم في ليبيا و الذي قام بإلغاء كل نوع من الحياة الإنسانية بالنسبة لدولة تعيش في القرن الواحد و العشرين من إلغاء للأحزاب السياسية , و إغلاق أي صحف معارضة في بلادها و التصدي لصحف معارضة في دول أخري قامت بالتصدي للسياسيات الفاشلة التي يقوم بها تجاه الشعب الليبي بل و العربي أيضاً . و إقامة محاكم التفتيش لخصومه و تصفيتهم جسدياً, و اعتبار إن البلد علي طولها و عرضها هي ملك خاص له و لأسرته, لهو نظام يجب اقتلاعه من جذوره, فماذا يبقي بعد أربعين سنه من حكم القذافي لكي يأتي أبنه لكي يقوم بطرح مشروع إصلاحي جديد. لقد كان الأولي بالدكتور الصلابي و من معه أن يعلنوا البراءة من هذا النظام كله لا أن يقفوا منه موقف المؤيد و الناصح و يدعوا الشعب الليبي المقهور تحت الاحتلال القذافي لمساعدة سيف الإسلام في مشروعه الإصلاحي و هو المعروف بعلاقاته المتشابكة مع الانجليز و قد ظهر ذلك جلياً في صفقة الإفراج عن المقرحي . لن نلوم هؤلاء إن فعلوا مافعلوا فدينهم هو الحكم و الأموال و إذلال الشعوب إرضاء للدول الكبري التي تساعدهم في الحفاظ علي عروشهم خوفاً من وصول الإسلام إلي الحكم , و الآن علي الدكتور الصلابي و من معه أن يعلنوا أما الانضمام تحت راية الشيطان ( سيف الإسلام ) أو تحت راية الإسلام . محمود طرشوبي