باريس:تعهد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي العمل على تحقيق مساواة تامة بين مسلمي فرنسا وسواهم من فرنسيين، لكنه حذرهم من كل ما يمكن ان يبدو بمثابة تحد لإرث الحضارة المسيحية والقيم الجمهورية اللذين يشكلان جزءاً لا يتجزأ من الهوية الوطنية.ورد ذلك في مقال للرئيس الفرنسي، نشرته صحيفة «لوموند»، وسط التفاعلات المستمرة في فرنسا حول حظر المساجد في سويسرا والنقاش الذي أطلقه وزير الهجرة اريك بيسون حول الهوية الوطنية. ورأى ساركوزي في ان الإجابة عن سؤال معقد مثل حظر بناء المآذن أو عدمه «لا يمكن إلا ان يؤدي إلى سوء تفاهم مؤلم وإلى شعور بالغبن وإلى جرح للمشاعر»، لكنه أكد عدم تفهمه للانتقدات السياسية والإعلامية التي أطلقت في فرنسا عقب صدور نتائج الاستفتاء السويسري. واعتبر ان حدة هذه الانتقادات التي استهدفت السويسريين وديموقراطيتهم المباشرة مردها «الى الريبة العميقة لدى البعض حيال كل ما يأتي من الشعب»، وأنه بدلاً من التنديد بنتيجة الاستفتاء الذي شهدته سويسرا حول بناء المآذن «من الأفضل لنا ان نتساءل عما تكشفه هذه النتيجة»، وعن دواعي الرفض القوي الذي ترتب عليها. وأضاف ساركوزي ان شعوب أوروبا متسامحة ومضيافة «لكنها ترفض ان يشوه إطارها المعيشي وطريقة تفكيرها وعلاقاتها الاجتماعية»، وتولد لديها شعور «بأنها تفقد هويتها، مما قد يسبب آلاماً عميقة» لها. واكد ساركوزي انه أراد النقاش العام حول الهوية الوطنية بهدف طمأنة مخاوف «أولئك الذين يعتبرون عن خطأ أو عن صواب» ان هويتهم الوطنية مهددة، وللتأكيد بأن «الاختلاط هو الرغبة في العيش المشترك» من دون إنكار «هوية الآخر» وإبداء «التفهم والاحترام» حيالها. وتابع ان العلمانية «رفض لكل الأديان، وإنما احترام لكل المعتقدات»، وتمكينها من ممارسة شعائرها في أماكن لائقة، مؤكداً عزمه على مكافحة كافة اشكال التمييز. وقال: «أتوجه الى مواطنيّ المسلمين، متعهداً ببذل كل ما أمكن ليشعروا أنهم مواطنون مثل سواهم وأن لهم الحقوق نفسها في ممارسة دينهم بحرية وكرامة». لكنه لفت الى إرث الحضارة المسيحية وقيم الجمهورية «تشكل جزءاً لا يتجزأ من الهوية الوطنية»، داعياً مسلمي فرنسا الى الإحجام عن كل ما من شأنه «أن يبدو بمثابة تحدي لهذا الإرث». وختم ساركوزي قائلاً ان على المسيحيين مثلهم مثل اليهود والمسلمين وأتباع اي دين أو معتقد آخر، تجنب الاستفزاز والالتزام بتعاليم دينه في ظل احترام الآخر. وسعى ساركوزي من خلال هذا المقال، الى احتواء الانتقادات الحادة التي يواجهها وزير الهجرة اريك بيسون، المقرب منه والتي بلغت ذروتها عبر عريضة وقعها مفكرون وأكاديميون رفضوا المشاركة في النقاش حول الهوية الوطنية وطالبوا بإلغاء الوزارة التي يتولاها، لأن كل ما تقدم به يؤدي الى تمييز بحق الأجانب. كما هدف المقال الى تلطيف الصدمة التي أثارها استطلاع الرأي الأخير الذي أظهر ان 46 في المئة من الفرنسيين يؤيدون حظر المآذن وأن نسبة الذين يعارضون بناء المساجد تضاعفت من 22 في المئة عام 2001 الى 41 في المئة الآن. لكن النص على رغم التوازن الذي اعتمد في إطاره على صعيد تحديد الحقوق والواجبات المختلفة، لم يحل دون ان يشهد البرلمان الفرنسي جلسة مناقشة صاخبة حول موضوع الهوية الوطنية. وتزامنت الجلسة البرلمانية، مع اختناقات عدة شهدتها العاصمة الفرنسية بسبب الإضرابات والتحركات التي دعا إليها سائقو سيارات الأجرة والعاملين في سكك الحديد وعمال الشاحنات المختصة بنقل العملة، إضافة الى الاضراب المستمر في المتاحف والتهديد بالاضراب الذي أصدره سائقو شاحنات نقل البضائع. ويجمع بين هذه التحركات المختلفة الهاجس ذاته، هو وقف التردي المعيشي ومعالجة البطالة. الحياة الاربعاء, 09 ديسيمبر 2009