تونس "الإرهاب" عبدالحميد العدّاسي تونس الجميلة تونس "الإرهاب" أصدرت الجمعيّة الدولية لمساندة المساجين السياسيين – مشكورة – قائمة أوليّة لمن أسمتهم (ضحايا قانون 10 ديسمبر 2003 ل "مكافحة الإرهاب")، وقد رأيت مناقشة بعض المعطيات التي وردت في هذه الورقة، وذلك بنيّة إطالة التوقّف عند الموضوع، في محاولة لمعرفة الأسباب والدواعي والخلفيات التي من أجلها صيغ قانون الإرهاب... هذا القانون النشيط الذي أوجد الإرهابيين بأعداد وفيرة تشهد على نجاعة "التغيير وصانعه والحاشية" في الابتكار وإحداث المتغيّرات في تونس الجميلة... أرقام: * بلغ عدد "الإرهابيين" الذين تمكّنت منهم أعين قانون الإرهاب (وليس مكافحته، فالقانون أُعِدّ للإرهاب) 1208 حتّى الآن، وهو رقم لا يستهان به، حيث يُظهر بأنّه لدى تونس الآن (0.62) إرهابيّ لكلّ ألف مواطن أو أنّ هناك - بصيغة أخرى – إرهابيّا واحدا لكلّ 1613 تونسي مسلم باعتبار 97.5 % من العديد الجملي للتونسيين حيث خصمت هنا التونسيين أصحاب الديانات الأخرى أو المرتدّين من المسلمين هروبا من الإرهاب في هذه الأيّام العصيبة الأخيرة. وقد كان يمكن الحصول على أعداد من "الإرهابيين" أكثر إغراء لو اجتنب صاحب التغيير التقليد والتبعيّة وجاءنا بهذا القانون، الذي قال فصله الأوّل بأنّه جاء ل"يضمن حقّ المجتمع في العيش في أمن وسلام، بعيدا عن كل ما يهدد استقراره، ونبذ كل أشكال الإنحراف والعنف والتطرف والعنصرية والإرهاب التي تهدد أمن واستقرار المجتمعات..."، مذ قال قولته الشهيرة: "لا ظلم بعد اليوم ... ولا مجال لرئاسة مدى الحياة".(1 / 4 سنوات * 20 سنة تغييرا = 5 إرهابي لكلّ 1613 مواطن)... * ينشط الإرهاب لدى "الإرهابيين" الذين بلغوا سنّ 19 سنة وينتهي لديهم بإدراك "سنّ الحكمة" 61 سنة. وأمّا كثيره (الإرهاب) فيلاحظ عند سن الخامسة والعشرين (25 سنة)، ما يدعو التونسيين بجدّية - ربّما - إلى التفكير في القطع مع التغيير والمغيّرين، فهو – والتعبير للعروي رحمه الله – في مرحلة سنّ فتوّة الإرهاب... * 88 % تقريبا من "الإرهابيين" تتراواح أعمارهم بين 19 و37 سنة، وهي إشارة تبرز مدى "حكمة" قانون الإرهاب في ضرب الصنف الأكثر نشاطا في المجتمع. فهذه السنّ هي التي يسمّى فيها الإنسان فتى أو شابّا (وفي تونس نحتفل بعيد الشباب)، وهي سنّ التكوين والتخصّص وسنّ حديث الطموح وطموح النفس إلى الرفعة والترقّي وهي سنّ البذل الكثير والإنتاج الغزير. ما يدلّ على أنّ الإرهاب قد ضربنا بقوانينه في حدقات عيوننا ليشلّ حركتنا وينقص إنتاجنا ويخفّض من مستوياتنا التكوينية والعلميّة وربّما أيضا ليقلّل من نسلنا الصالح الذي سوف يساعد تونس على النهوض من كبوتها... أهمّ القطاعات المغذّية للإرهاب: يمثّل قطاع العمّال وقطاعي الطلبة والتلاميذ ثمّ التجّار نسبة 82 % تقريبا من العدد الجملي لضحايا الإرهاب أعني "الإرهابيين"، وهو ما يزيد من القناعة بأنّ القانون إنّما جُعل لمحاربة فئة معيّنة في المجتمع، فئة يُبغضها التغيير لكثرة العراقيل التي ظلّت تضعها بتصرّفاتها في طريق المغيّرين، فالعمّال بإضراباتهم ومطالباتهم النقابيّة المتكرّرة يعوّقون الرّاحة ويفسدون صورة البلاد وصورة الصانع للتغيير، والطلاّب والتلاميذ بمقترحاتهم وآرائهم المثالية الشابّة يقطعون على الحاكم هدوءه ويلجئونه كرها إلى التفكير في مستقبلهم ومستقبل أمثالهم ممّن سيلونهم، وأمّا التجّار فقد مدّوا كثيرا أعناقهم ونظروا بأعينهم خارج مجالات نظرهم فاستنكروا تجارة غير شرعية وتوسّعا على حسابهم غير مشروع فأساؤوا بتوجيه أصابعهم إلى ذوي الأرحام من رواد القصر الرّئاسي. ولذلك فلم يُخطئهم القانون جميعهم ثمّ ما لبثوا أن تخطّفهم الإرهاب كما تخطّفهم الطير... مصادر الإرهاب التونسي: لم تتخلّف أيّ جهة من جهات الجمهوريّة، فجميع الولايات قد ساهمت بما تيسّر لديها من "إرهابيين" في موجة الإرهاب التي ضربت تونس الجميلة، تونس "الإرهاب". بل لقد ساهم الأطفال وساهم الجنسان (الذكر والأنثى) في حمل الصفة التي تكرّم بها صاحب التغيير على القوم الذين تحمّلوه كلّ هذه السنين يُعمل فيهم عدم خبرته في فنون القيادة وعدم قدرته على التأقلم مع المجتمع المدني (قلت سابقا بأنّي لا أحبّذ هذه النسمية) وعدم حكمته في التعامل مع الإرث التونسي العربي الإسلامي الرّفيع... وإذن: فقد حان الوقت لردّ فعل حكيم يقنع خرّيج الثكنات ومكاتب السراديب بأنّ التونسي قويّ في الحقّ عدل لا يَظلم ولكنّه كذلك لا يريد أن يُظلم، وهو - إن حاولوا إرهابه بقانون متخلّف – يظلّ قادرا بإذن الله على إرهاب أعداء الله وأعداء الوطن ولكنه إرهاب بالمعنى القرآني الصحيح الذي حاربه وزير التعليم منذ ثمانينيات القرن المنصرم وليس بالمعنى البوشي الذي أمّن الساقطين وعاقب الشرفاء الصالحين... عمّالنا ليسوا إرهابيين وإنّما الإرهابي هو مَن ظلّ يحرس اعتصاماتهم في قفصة وغيرها بالكلاب وبعباده الكلاب متحيّنا فرصة الإجهاز عليهم... طلاّبنا ليسوا إرهابيين ولا أساتذتهم كانوا إرهابيين وإنّما الإرهابيّ مَن يملأ عليهم السوح والمدرّجات ويطارهم في الشوارع ويسجنهم في البيوت ويعرّيهم ويمنعهم من التعلّم ومن إجراء الامتحانات... تجّارنا الصادقون ليسوا إرهابين وإنّما الإرهابيّ هو مَن عوّم السوق بالبضائع الفاسدة أو الدّاعمة للصهيونيّة، هو مَن أفسد على الديوانيّ نفسه بالرشوة لإدخال الكمّيات المغرقة من الكحول والمخدّرات والوباءات... التونسيون الصالحون ليسوا إرهابيين وإنّما الإرهابي الحقيقي هو مَن أمر بصياغة هذا القانون الفضيحة ومن قام بصياغته وناقشه وصادق عليه وعمل ببنوده المجرمة... الإرهابي الحقيقي هو مَن أظهر تونس الجميلة إرهابية بشعة يقتل أقوياؤها ضعفاءها بحجّة أنّهم "إرهابيون"!... المصدر: بريد الفجرنيوز