مرَّت الحركات الإسلامية في عام 2009 بتحولات مهمة أثّرت في مسيرة العمل الحركي الإسلامي بشكل، واضح سواء على صعيد الأزمات التنظيمية التي عصفت بتنظيمات كبرى، مثل جماعة الإخوان المسلمين في عدة أقطار أو على صعيد انحسار دور جماعات العنف الديني، مثل تنظيم القاعدة وتواصل حركة المراجعات أو حتى على صعيد تطور آليات خطاب الدعوة السلفية. ويمكن القول إن عام 2009 الذي عُرف بعام الأزمة المالية العالمية، لم يكن فقط مؤثرا على الحالة الاقتصادية والمالية، وإنما حمل آثارا أخرى على حركات الإسلام السياسي، فلا ينكر أحد أن أزمة الإخوان في 2009 لم تتعرض لها الجماعة منذ أكثر من 50 عاما، كما لا ينكر أحد أن العام الذي لم يتبق في عمره سوى ساعات قليلة شهد أفولا وتراجعًا لتنظيم العمل المسلح الأشهر في العالم وهو تنظيم القاعدة في مقابل تواصل لصعود المد السلفي والذي لم ينقطع منذ حوالي 10 أعوام. أزمات تنظيمية داخل الإخوان تعرضت جماعة الإخوان المسلمين كبرى الحركات الإسلامية في العالم في عامها ال81 إلى أزمات تنظيمية عنيفة في عدة أقطار كان أبرزها على الإطلاق الأزمة التي أصابت الجماعة الأم في مصر خلال الأشهر الأخيرة من العام والتي بدأت بسبب الجدل حول تصعيد الدكتور عصام العريان مسئول القسم السياسي بالجماعة إلى عضوية مكتب إرشاد الجماعة عقب وفاة محمد هلال أكبر أعضاء مكتب الإرشاد سنا. ثم تصاعدت عقب إجراء الانتخابات الكلية لمكتب الإرشاد والإطاحة بالدكتور محمد حبيب النائب الأول للمرشد والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح أبرز القيادات المحسوبة على التيار الإصلاحي داخل الجماعة وما زالت أصداء الأزمة مستمرة حتى آخر أيام العام بسبب الخلاف حول صحة الإجراءات التي اتخذتها الجماعة لانتخاب المرشد العام الثامن. أما في الأردن فقد تصاعد حدة الخلاف بين تياري الصقور والحمائم داخل الجماعة بسبب الموقف من حركة حماس فالتيار الأول -بحسب عدد من المحللين- يصر على تلخيص حركة الإخوان في كونها الذراع السياسية والإعلامية لحركة حماس في الأردن، ويرهن مواقفه من القضايا الأردنية الداخلية كالإصلاح السياسي والتنموي بموقف السلطة الأردنية من «حماس». أما تيار الحمائم أو «الوطني» فيعطي الأولوية القضايا الأردنية الداخلية عن الموقف من حركة حماس وكانت الأزمة قد تفجرت بين التيارين في أواخر أغسطس الماضي بعد تسرُّب تقرير سياسي أعدّته اللجنة السياسية الإخوانية برئاسة الدكتور راحيل الغرايبة، وتضمن اتهامات صريحة للنظام الأردني بالاندراج في «مؤامرة أمريكية إسرائيلية» لتمرير مشروع الوطن البديل. وتسبب نشر التقرير في تبادل الاتهامات والتراشق الإعلامي بين التيارين، في تصريحات علنية، عبر وسائل الإعلام. ولم يختلف الأمر كثيرًا في الجزائر، حيث احتدم الصراع بين حركة مجتمع السلم "حمس" بزعامة أبو جرة سلطاني ونائبه السابق عبد المجيد مناصرة الذي يتزعم حركة الدعوة والتغيير المنشقة على "حمس" ووصل الأمر إلى إعلان المرشد العام للجماعة محمد مهدي عاكف إعفاء الطرفين من تمثيل الإخوان في الجزائر، حيث بعث برسالة إلى الطرفين قال فيها: "إنكم الآن لا تمثلون الإخوان المسلمين". تراجع العمل المسلح
حرق صور زعيم القاعدة في مظاهرات وشهد عام 2009 تراجعا واضحا لتنظيم «القاعدة» أبرز التنظيمات الجهادية المسلحة في مناطق كثيرة من العالم، وعبّر عن ذلك انطفاء وهج ذكرى تفجيرات 11 سبتمبر والتي مرت هذا العام في هدوء واضح لم يصاحبه أي صخب على المستوى الإعلامي أو على أرض الواقع، وهو الأمر الذي دفع عددا من الخبراء لتأكيد أن الذكرى الثامنة للحدث كانت الأضعف والأقل على مدار ثماني سنوات. وفى الوقت نفسه بدا واضحا أن التنظيم قد أصابه الوَهَن والضعف ومرَّ بتصدعات في البناء التنظيمي بعد مقتل عدد كبير من قيادات التنظيم بينهم قيادات بالصف الأول، كما شهدت القاعدة تراجعا واضحا على مستوى التنظيمات المنضوية تحت عباءتها أو المتحالفة معها، بسبب استمرار حركة المراجعات، كما هو الحال مع «الجماعة الإسلامية المقاتلة» في ليبيا والتي ألقت السلاح وفضّلت الدخول في مراجعات ومصالحة مع النظام، أو بسبب الفشل العسكري، كما هو حال «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» في الجزائر أو تنظيم القاعدة في جزيرة العرب والذي نقل قيادته المركزية من السعودية إلى اليمن، ثم تعرض لضربات عنيفة على يد السلطات اليمنية خلال الأيام الأخيرة من 2009. وحتى في المناطق التي تمثل البؤر الرئيسية للصراع انحسر دور التنظيمات الإقليمية للقاعدة ففي العراق تراجعت قوة تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين أو دولة العراق الإسلامية في مواجهة مجالس الصحوات، وتواترت أنباء متضاربة عن سقوط أهم قادة التنظيم وعلى رأسهم أبو عمر البغدادي أمير التنظيم، وكذلك الحال مع حركة «طالبان في باكستان والتي كانت تمثّل التنظيم الأكثر عوناً ل«القاعدة»، خاصة بعد تحول مناطق القبائل الحدودية من الملاذ الآمن إلى عمليات دائمة للجيش أسفرت عن مقتل عدد كبير من قادة طالبان. وإن كانت القاعدة قد نجحت في 2009 من الدخول إلى المشهد الفلسطيني عبر عدد من التنظيمات السلفية الصغيرة في قطاع غزة والتي أعلنت عن انتمائها فكريا للقاعدة إلا أنه على الرغم من ذلك لم تصدر بيانات عن القيادة المركزية للتنظيم تشير إلى انضمام أي جماعة فلسطينية للقاعدة. تواصل حركة المراجعات ومن جانب آخر تواصلت في 2009 حركة المراجعات الفكرية التي دشنتها الجماعة الإسلامية المصرية قبل 12 عاما، وتمكنت الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة من إنهاء مراجعاتها التي حملت عنوان "دراسات تصحيحية في مفاهيم الجهاد والحسبة والحكم على الناس"، وكان "الإسلاميون.نت" انفرد بنشرها. واتسمت المراجعات الليبية بعدة سمات منها أنها ركزت بالأساس على التأصيل الشرعي للقضايا الإسلامية المختلفة، وأن قادة المقاتلة لم يهتموا خلال مراجعاتهم بتوزيع الاتهامات لمخالفيهم في الرأي من الجماعات والتنظيمات الأخرى. وتعرضت المراجعات لقضايا الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأكدت حرمة الخروج على الحاكم أو استخدام السلاح من أجل التغيير والإصلاح السياسي لما يترتب عليه من سفك دماء المسلمين وغيرها من المفاسد".. وأن "الحكم على المسلم بالكفر من أعظم الذنوب فلا يجوز الإقدام عليه". وأشارت المراجعات إلى أن الهدف منها أن يضع قادة الجماعة أيديهم على أهم المواطن التي يظنون "أن لها تأثيرا كبيرا على مسيرة الصحوة الإسلامية في بلادهم وفي غيرها من بلاد المسلمين، وأنَّ الخلل والقصور في فهمها أو تطبيقها ينتج كثيرا من السلبيات والمفاسد".
الإفراج عن أعضاء من الجماعة المقاتلة وفى السياق ذاته ألقت المراجعات الليبية بظلالها على حركات السلفية الجهادية في المغرب، حيث احتدم الخلاف داخل التيار الجهادي المغربي بشأن المراجعات الليبية وإمكانية الاستفادة منها بحسب رأي أبي حفص المغربي أحد معتقلي السلفية الجهادية في المغرب والذي تصدت له مجموعة أطلقت على نفسها اسم أسرى التوحيد والجهاد وأصدرت بيانا وصفت فيه المراجعات الليبية بالانحرافات العقدية الخطيرة واعتبرتها إضافة لفقه الهزيمة المرزول. تصاعد المد السلفي وكما هو الحال خلال العقد الأخير فقد شهد عام 2009 تصاعدا واضحا للمد السلفي في كثير من الدول العربية، ولعل أبرز ما نسم به الصعود السلفي هذا العام هو اتساع مساحة تعاطي الرموز السلفية مع الشأن العام للحد الذي دعا الشيخ سعيد عبد العظيم أحد رموز السلفية الحركية في مصر إلى إصدار مبادرة سلفية للإصلاح في سابقة تعد الأولى من نوعها. وكان عبد العظيم قد أكد في تقديمه للمبادرة التي نشرها "الإسلاميون.نت" أن الإصلاح الذي يطالب به التيار السلفي يقوم على أساس من كتاب الله وسنة نبيه واتباع السلف الصالح في إصلاح أحوال البلاد والعباد". وأبدى عبد العظيم رفضه للديمقراطية والانتخابات وتهكَّمَ من أصحاب الدعوات الإصلاحية والليبراليين الذين يقفون ضد "توريث الحكم"، ويطالبون بتداول السلطة؛ لأنهم برأيه لا يدركون مخاطر دعواتهم التي قد تؤدي إلى صعود "كافر" أو "امرأة" إلى قمة السلطة.