أتكون هيأة الأمم المتّحدة عربيّة أو "إسلاميّة"؟! عبدالحميد العدّاسي أتكون هيأة الأمم المتّحدة عربيّة أو "إسلاميّة"؟! لم تعد غزّة خصوصا وفلسطين عموما في مواجهة صهاينةٍ أنزلهم المستعمر بتواطئ الضعف الإسلامي في المنطقة، بل أصبحت هذه الأشهر الأخيرة في مواجهة الدولة اليهوديّة - كما سمّاها أوعيّةُ كره المسلمين رؤوس الصهيونيّة العالميّة –، وهي تسميّة حرّضت الصهاينة كثيرا على محاربة مَن لا يدينون بدينهم من المسلمين الصادقين وقد نزلوا في أعينهم وفي أعين أنصارهم من اليهود العرب الماسكين بأزِمّة الأمور في بلدانهم "إرهابيين"... بدأ اليهود (أعني أهل الدولة اليهوديّة) في فلسطين يُبرزون الصفاتِ والنعوتَ التي وصفهم بها القرآن الكريم منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، ويدعونك أيّها المسلم المؤمن إلى تذكّرها واستحضارها لتكون معاملتُك لهم صحيحة وقائمة على مفاهيم دينيّة لا تخشى من خلالها إبراز صفتك الإسلامية الحضاريّة الطيّبة (تأسّيا بهم هم – على الأقلّ – وقد أبرزوا صفتهم اليهوديّة)... ففي فلسطين المحتلّة ترى هذه الأيّام ناقضي العهد، مُخلفي الوعد، المستكبرين، مكذّبي الأنبياء وقتلتهم، أشدّ النّاس عداوة للّذين آمنوا وأكثرهم حسدا لهم، المغضوب عليهم، اليهود، وقد عقدوا العزم على "الدّفاع عن أنفسهم" ضدّ "الإرهابيين" في غزّة، وقد تسلّحوا بوهن المسلمين وخيانة المتمسلمين ممّن شرّع لهم الفعل بالحديث عن ظلم الصواريخ "العبثيّة" وإرهاب حامليها ومرسليها باتّجاه عدوّ دموي متخلّف سلبهم أرضهم وديارهم منذ ستّين سنة تقريبا... هبّوا "للدّفاع عن أنفسهم" مصرّين على عدم الإنصات لأحدٍ وعدم تلقّي الدروس الأخلاقيّة الدّاعيّة ربّما إلى عدم الإفراط في القتل من أيٍّ كان في العالم، ما جعل العربَ حكّاما ومحكومين (والنّاس على دين ملوكهم) – وهم أهل العزّة وأصحاب الأنفة – يتجاهلون بكبريائهم اليهود فلا يعيروهم أيّ اهتمام ولا يكترثون لما تحدثه طائراتهم وأطنان قنابلهم وقذائف دبّاباتهم في أطفال غزّة ونسائها وشيوخها، حتّى صار سفراء اليهود في البلاد العربيّة "أذلّة صاغرين" لا يجدون حتّى مَن يجلس معهم على موائد الشراب إلاّ همسا، بل لقد همّ العرب الأشاوس – لولا نظرة منهم وقّافة عند تعاليم دينهم – بعدم ممازحة اليهود وفتياتهم وفتيانهم في المسابح التي لا زالت تجمعهم عُطلَ نهاية الأسبوع... ولمّا كثر القتل واستشرى في صفوف "الإرهابيين" في غزّة، تململ بعض النّاس من مجموعة "الشرعيّة الدولية" ودعوا ما يُعرف دوليّا بمجلس الأمن - الذي سمّاه فلسطينيٌّ أحسب أنّه "إرهابيّ" صرف، مجلس الخوف – إلى الانعقاد، فما لبث أن انعقد المجلس ثمّ سرعان ما انفضّ لأنّ القضيّة واضحةٌ وغيرُ معقّدة كقضيّة دافور في السودان مثلا... الأعضاء في المجلس تصرّفوا عربا فتحلّوا ببرودة الدم بحيث لم يغضبوا على الكيان الصهيوني اليهودي، وتصرّفوا عقلانيين متفتّحين متنوّرين و"مسلمين" فرأوا أهل غزّة "إرهابيين" لا يحدّ من خطرهم إلاّ هذا المدّ اليهودي الصهيوني أو هذه القوانين الرّشيقة التي صاغها الحكّام عربانا وعجما برضى دولي... غير أنّ ذلك لم يمنعهم من التعبير بإنسانيّة عالية عن القلق من مبالغة الصهاينة اليهود في استعمال "وسائل الدّفاع"، إذ ما كان ضروريا مثلا استعمالُ القنابل الثقيلة جدّا كي لا يتسبّب انفجارها في إزعاج المدنيين الساكنين بحيّ "الإرهابيين"، ولا كان منطقيّا قتل الأطفال الذين كُتب لهم الخروج من أصلاب "الإرهابيين" إذ ما ذنبهم وهم لا يزالون على الفطرة، إلى غير ذلك من التصرّفات التي قد تسيء بعض الشيء إلى الجوانب ذات الطابع الإنساني البحت كقتل النّساء والعجائز وتجريف الأرض وما زيّنها وهدم كلّ البناءات وإفساد كلّ شبكات المدّ أو التصريف، فإنّ ذلك قد يرهق كذلك كاهل بعض الخيّرين من المُعطين والدّاعمين المتخصّصين في إعادة الإعمار!... منعتني غزّة لذّة الانتساب إلى العرب أو إلى المسلمين، ثمّ ما لبثتْ أن زهّدتني في هذا التجمّع الذي اجتمع – للأسف - على ضلال وعلى فساد وظلم كبيرين، فلم يعد يعبّر إلاّ عن جشع الكبار ممّن كره الله ورسوله والمسلمين. ولكنّ غزّة حبّبت إليّ "الإرهابيين"، هؤلاء المسلمين الصادقين من أهل غزّة ومن غير أهل غزّة في البلاد الإسلاميّة المهانة التي غزاها الإرهابيون الظلمة من الصهاينة والمغرورين... أحسب أنّ أهل غزّة الكرام قد اختارهم الله سبحانه وتعالى لإظهار آية "يا أيّها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم"، فالله منجز وعده وناصر عبده ولو بعد حين وسيفرح أهل غزّة بإذن الله بنصر الله وما ذلك على الله بعزيز... صحيح أنّ الثمن باهظ جدّا ولكنّه يأتي مقابل تأكيد صحّة المعلوم "ولن ترضى عنك اليهود ولا النّصارى حتّى تتّبع ملّتهم قل إنّ هدى الله هو الهدى ولئن اتّبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من وليّ ولا نصير"، كما يأتي مقابل اختيار جنب الله في وقت تظاهر فيه الأغلبيّة من سكّان العالم "المتحضّر" على الله، كما يأتي أيضا مقابل انتشال المسلمين من غفلة زاد من تنميتها وهن أذكاه الإرهابيون المعربدون في ديارنا.... عليّ وعلى كلّ مسلم أن أعلن بأنّ التعريفات التي امتنع عن ضبطها المتنوّرون قد وضحت الآن وبجلاء: ف"الإرهاب" عندهم (أغلب حكّام العالم لا فرق بين عربيّ ولا أعجمي) هو الإسلام ولكنّه عندي هو ما يقوم به المعربدون من رعاة البقر والصهاينة اليهود في ديارنا، ووالله لقد كان العالم بأسره سليما معافى قبل انتشار هذا الفكر الشاذ الذي أنتجه الشواذ، و"الإرهابيون" عندهم هم المسلمون ولا أحد غيرهم ولكنّهم عندي هو كلّ إنسان حاد عن الوسطيّة الإسلاميّة السمحة أو كلّ واحد شذّ عن النمط الإنساني السليم ممّن حبّب إليهم القتل والدّماء والأشلاء كهؤلاء الذين يهاجمون غزّة الآن، وإنّا بمقارنات بسيطة لا نرى المسلمين – مهما فسد فهمهم للإسلام – إلاّ في ذيل القافلة لما يسمّى بطابور الإرهاب اليوم في العالم، فإنّ قذيفة واحدة من صنع أمريكيّ صهيوني تحدث في لحظة ما يحدثه "الإرهابيون" فيما يزيد عن عشرات السنين... فمتى ننتبه إلى هذه الوضعيّة فنفكّ قيود كبّلتنا وأقعدتنا عن قول الحقّ حتّى لا تدوس غزّةَ أقدامُ الإرهابيين؟!... ملاحظة: أعترف بأنّي لم أكن متماسكا في صياغة هذه المقالة، لأنّ الخطب جلل ولأنّي كثير الخجل من الدّماء المسكوبة في غزّة ولأنّي - إلى ذلك - قليل الحيلة أو عديمها...