الرباط – يعكف المجلس العلمي الأعلى في المغرب على وضع اللمسات الأخيرة لإطلاق مشروع "نفرة العلماء" أو "نظرية القرب الديني" الذي يهدف إلى تقريب علماء الدين الإسلامي من المواطن العادي و"صيانة المجتمع من أنواع الانحراف". وقال مصدر بوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية في تصريحات خاصة ل"إسلام أون لاين. نت": "إن المجلس العلمي أسند إلى لجنة داخلية مهمة تفعيل المشروع الهادف إلى إشباع حاجات الناس في المعرفة بالدين والتحلي بقيمه المثلى وصيانة المجتمع من أنواع الانحراف الصحي والخلقي والنفسي، وصيانة الأمن الروحي للمملكة". ويسعى المشروع إلى "مباشرة الشأن الديني عن قرب على المستوى الحضري والقروي، ورعاية المساجد والأحوال المادية للأئمة، وتأهيل الأئمة بشأن الالتزام بالعقيدة والمذهب والسلوك، واستحضار واجبات الإمامة، وتعليم القرآن الكريم والإرشاد والعبادات ومحاربة الأمية"، بحسب المصدر نفسه. وسيستفيد من عملية تأهيل الأئمة في إطار برنامج "نفرة العلماء" أكثر من 33 ألف إمام يمثلون 57% من مجموع القيمين الدينيين. "الأمن الروحي" وسبق لوزير الأوقاف أحمد التوفيق أن أكد أثناء الدورة السادسة للمجلس العلمي الأعلى في أكتوبر الماضي، أن رعاية "الأمن الروحي" للمغاربة بالمساجد من حيث البعد العلمي موكول للمجالس العلمية، التي يبلغ عددها ثلاثين مجلسا. وحسب آخر نشرة لمديرية المساجد التابعة للوزارة صدرت الأسبوع الماضي، فقد خصصت الوزارة حوالي 73 ألف قيما للإشراف على 41 ألف 755 مسجدا وقاعة للصلاة. وتوضح النشرة أن 289 قيما وقيمة تمت إضافتهم خلال سنة 2007، وتم تعويض 84 قيما إما بسبب العجز عن أداء مهمتهم أو الوفاة أو عدم احترام توجيهات الوزارة. من جهتها، اعتبرت جريدة "التجديد" أن المبادرة الجديدة: "ستواجه صعوبات، أبرزها قلّة "العلماء المؤطرين" (المشرفين على تأهيل الأئمة)، خاصة في الأقاليم الريفية، الأمر الذي دفع المندوبيات الجهوية للشئون الإسلامية والمجالس العلمية إلى الاستعانة بالشباب الحاصل على الإجازة في شعب الدراسات الإسلامية". وهناك صعوبة أخرى تتعلق بالقيّمين الدينيين، خاصة في العالم القروي، حيث صعوبة التنقل إلى المراكز الحضرية لحضور هذه الدورات، إضافة إلى مشكل ثالث يتعلق بالتمويل سواء لتغطية تنقل القيّمين الذين يتجاوز عددهم 41 ألف، أو فيما يخص تعويضات العلماء المؤطرين". واعترض المجلس العلمي الأعلى على لائحتين من أصل ثلاثين لائحة تقدمت بها المجالس العلمية المحلية لكون بعض المرشحين في اللائحتين المذكورتين لا يمتلكون الكفاءة العلمية لتأهيل المرشدين المعنيين، والذي يتوفر أغلبهم على شهادات جامعية عليا. واعتبرت جريدة الأحداث المغربية (ذات توجهات يسارية علمانية) مراجعة المجلس العلمي الأعلى لبعض الأسماء المقترحة لتكوين الأئمة: "دليلا على وجود صراع بين المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية"، ونسبت الصراع إلى رؤساء مجالس علمية مقربين من حزب العدالة والتنمية ذي التوجهات الإسلامية. "التأطير الأمني" وعن حرص الدولة على صيانة "الأمن الروحي" للمغاربة، يؤكد مصطفى بوهندي المتخصص في علم الأديان أن اختيار الدولة للمشروع الجديد يبقى "مشروعا ومعقولا بالنظر إلى حساسية المسألة الدينية خوفا من حصول أي نوع من التطرف أو التشدد في الأفكار". غير أن بوهندي طالب -في تصريحات لإسلام أون لاين- بأن تكون "التجربة ناجحة وأن تبتعد عن التأطير الأمني والتركيز على البعد التثقيفي والانفتاح على التوجهات الأخرى، فلا يجب أن تتم محاصرة فكر معين والوصاية على الناس بأن يقبلوا بسماع فكر دون آخر". وعلل بوهندي تأكيده على الانفتاح بالقول إن "محاصرة الأفكار مع الانفتاح الهائل في التواصل والإعلام لم يعد ممكنا، فقد أصبح الشباب والتلاميذ أكثر قدرة على اختراق الحواجز، وبالتالي فالوصاية الأمنية يصبح كل ممنوع مرغوب ويكون المضطهد هو صاحب الحق". ويلاحظ متتبعون للشأن الديني بالمغرب أن الجهات المسئولة بادرت عقب تفجيرات الدارالبيضاء عام 2003 بفتح عدة ورش عمل كبرى لتقنين الحقل الديني إعلاميا ودينيا، غير أنها ما زالت تحتاج إلى إمكانيات مادية وبشرية للتنفيذ. والمشروع الجديد يندرج ضمن عدة خطوات اتخذتها وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية المغربية في نسختها الجديدة بعد تولي أحمد التوفيق الوزارة خلفا لعبد الكبير العلوي المدغري، ومن هذه الخطوات إطلاق برنامج تكوين الأئمة والمرشدات، وإصدار دليل الإمام والخطيب، وبرنامج الوعظ عبر التلفاز، وإعداد برامج ودورات تكوينية لفائدة القيمين الدينيين.