على جمال الدين ناصف الفجرنيوز مصر – بورسعيد و لدت وعشت طوال حياتى فى مدينتى الساحلية الساحرة بورسعيد ، تفاعلت معها و أنعكست طبيعتها على نفسى ، و تعلمت من طبيعتها الخلابة ما يجعلنى أعترف لها بالفضل ما حييت ، عشت أتعلم من طبيعتها الساحرة كل شئ ، أدعوك أن تنظر الى الطبيعة لتتعلم منها ما عجزنا على أن نتعلمه من غيرها ، فكلنا نرى و نحس و نخبر عن الشمس بحرارتها ، و القمر بنوره ، و اليل بظلمته ، و البحر بجماله و قسوتة ، و الجبال فى شموخها ، و الشتاء فى برده و أمطاره ... الخ . و يشتد إعجابى بذلك البحر فى جماله وبهائه ، و جلاله و لا نهائيته ، يعجبنى فيه ديموقراطيته ، فهو لا يأذن ولا يسمح لأحد أن ينغمس فى مائه إلا إذا تجرد من كل المظاهر الكاذبة التى خلقتها المدنية : من ملابس تميز بين الغنى و الفقير ، و من الرياء و النفاق ومظاهر اصطنعتها لتجعل من الناس طبقات يتحكم بعضها فى بعض . أرى فى البحر تتساوى الرءوس ، لا غنى ولا فقير ، ولا ذى جاه ولا عديم الجاه ، ولا عالم ولا جاهل ، ولا حاكم ولا محكوم ، لا يتميزون بشئ إلا بلباس البحر . و إن كان حقيقة الأمر ليس هو لباس البحر ، و إنما هو لباس البر ، فالبحر ليس له لباس إلا ماؤه . و الدليل على أنه لباس البر ذلك لأن الناس حاولوا به أن يتميز بعضهم من بعض ، و أتخذوا منه شعارا للغنى و الاناقة و الوجاهة ، و البحر لا يعرف شيئا من ذلك ، إنما يعرف ذلك البر ، و من أجل هذا لا يكاد ينغمس الناس فى البحر حتى يسدل بمائه الازرق الجميل ستارا على كل أثواب الرياء ، فلا ترى إلا رؤوسا عارية لا يميز بينها شئ من الصنعة ، فهو يرسل أمواجه تداعب الناس على السواء ، فتغازل الابيض كما تغازل الاسود ، و تصفع الجميل كما تصفع القبيح ، و تعبث بلحية العالم كما تلعب برأس الجاهل ، و إن ثار هياج موجه ، فإنه لا يفرق بين أحد فى بطنه ، و هو أيضا لا ينسى ديموقراطيته ، يأتى الباخرة الضخمه وقد أخذت زخرفها و ظن أهلها أنهم قادرون عليها فيبتلعها فى لحظة ، كما يبتلع أحيانا صبيا وديعا و شيخا ضعيفا ، ليثبت بأنه لا يعبأ بقوة ولا ضعف ، فما أجمل البحر و ما أجله و ما ألطفه و ما أقساه . و يتبدى بذلك أن الطبيعة فى جملتها ديموقراطية لا أرستقراطية ، فالشمس ترسل أشعتها الذهبيه و القمر أشعته الفضية على الناس جميعا ، المؤمن و الكافر ، الابيض و الاسود ، الغنى و الفقير ، القصر الكبير و الكوخ الحقير . كما يأتى الهواء بريح فتلفع وجوه الناس على السواء ، لا تميز بين عظيما ولا حقيرا ، ولا شريفا ولا وضيعا ، ثم يأتى برياحه الطيبه تنعش الناس لا يعرف محاباه لأحد و لا يعرف طبقات ولا أى نوع من أنواع التفاوت التى يعرفها الناس ، و يرسل فى صيفه شواظا من ناره فيدخل على الغنى فى قصره ، و على الفقير فى كوخه ، فهو لا يهاب عظيما و لا يحتقر وضيعا ، و يرسل فى الشتاء برده القارس ، فلا يفرق بين الناس فى قسوة برده ، ثم تسقط أمطاره شتاءا فلا تكرم غنيا عن فقير ، ولا عظيما عن حقير ، ثم تشاء الطبيعه أن تعدل فى جوها ، فتحضن الناس على السواء وتكون لهم جميعا أما حنونه باره بهم ، فإنها تحدث الوزير مثلما تحدث الغفير ، و تتعامل مع الحاكم مثلما تتعامل مع المحكوم . و يأتى القدر فينثر نعمه و نقمه ، وشره و خيره على الناس جميعا ، فصحة فى الأغنياء و الفقراء ، و مرض فى الاغنياء والفقراء . و قد ترى غنى فاتر القوة يتضرر من الألم ، يود لو أخرج كل ماله و جاهه لتعود اليه صحته ، و بجانبه فقير متين البنيه تملؤه القوة و الشدة و الصلابة ، ثم تجد جمالا فى الاغنياء و الفقراء ، و ترى قبحنا فى الاغنياء و الفقراء . أنها الطبيعة التى تعلمنا مالا نستطيع أن نتعلمه من غيرها ، فما اسعدنا عندما نخفف غلونا فى الارستقراطيه بجميع أنواعها - و نقلد الطبيعة فى ديمقراطيتها و إعتدالها