رئيس إتحاد الفلاحة: أسعار الأضاحي 'معقولة'    تظاهرة التراث الثقافي بحاجب العيون في دورته ال 14 «تراثنا رؤية تتغير ... تشريعات تواكب»    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    شبهة فساد بال'ستاغ': الاحتفاظ بمعتمد واطار بنكي بهذه الولاية    عاجل : مسيرة للمطالبة بإيجاد حلول نهائية للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    الدورة 6 لمهرجان «تريتونيس» بدقاش ..خيمة للإبداع وورشات ومعارض وندوة علمية وكرنفال    سبيطلة : القبض على مجرمين خطيرين    صفاقس اليوم بيع تذاكر لقاء كأس تونس بين ساقية الداير والبنزرتي    تحذير: عواصف شمسية قوية قد تضرب الأرض قريبا    كرة اليد: الاصابة تحرم النادي الإفريقي من خدمات ركائز الفريق في مواجهة مكارم المهدية    فقدان 23 تونسيا شاركو في عملية ''حرقة ''    مدير عام الغابات: إستراتيجيتنا متكاملة للتّوقي من الحرائق    قانون الفنان والمهن الفنية ...مشروع على ورق... هل يغيّر وضعية الفنان؟    خبير في التربية : ''تدريس الأولياء لأبنائهم خطأ ''    بلاغ مروري بمناسبة مقابلة الترجي والأهلي    بسبب الربط العشوائي واستنزاف المائدة المائية .. قفصة تتصدّر خارطة العطش    وزارة الصناعة : ضرورة النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة لتنويع المزيج الطاقي    المنستير: إحداث أوّل شركة أهليّة محليّة لتنمية الصناعات التقليدية بالجهة في الساحلين    بنزرت: جلسة عمل حول الاستعدادات للامتحانات الوطنية بأوتيك    صفاقس: المناظرة التجريبية لفائدة تلاميذ السنوات السادسة    بنزرت .. مع اقتراب موسم الحصاد ...الفلاّحون يطالبون بفك عزلة المسالك الفلاحية!    سليانة .. انطلاق موسم جني حب الملوك    بنزرت .. إجراءات لمزيد تعزيز الحركة التجارية للميناء    الليلة الترجي الأهلي في رادس...الانتصار أو الانتصار    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    الحماية المدنية: 8 وفيّات و 411 مصاب خلال ال 24 ساعة الفارطة    كأس تونس: النجم الساحلي يفقد خدمات 4 لاعبين في مواجهة الأهلي الصفاقسي    ليبيا: إختفاء نائب بالبرلمان.. والسلطات تحقّق    عاجل/ القسّام: أجهزنا على 15 جنديا تحصّنوا في منزل برفح    ''غرفة المخابز: '' المخابز مهددة بالإفلاس و صارت عاجزة عن الإيفاء بإلتزاماتها    نهائي دوري ابطال إفريقيا: التشكيلة المتوقعة للترجي والنادي الاهلي    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    والدان يرميان أبنائهما في الشارع!!    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    إنقاذ طفل من والدته بعد ان كانت تعتزم تخديره لاستخراج أعضاءه وبيعها!!    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    مدرب الاهلي المصري: الترجي تطور كثيرا وننتظر مباراة مثيرة في ظل تقارب مستوى الفريقين    الكاف: انطلاق فعاليات الدورة 34 لمهرجان ميو السنوي    منوبة: إصدار بطاقتي إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده من أجل مخالفة التراتيب الصحية    كاس تونس لكرة القدم - نتائج الدفعة الاولى لمباريات الدور ثمن النهائي    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    تضمّنت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العربية    القدرة الشرائية للمواكن محور لقاء وزير الداخلية برئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجامعات التونسية ، لماذا غابت في تصنيفات أفضل جامعات العالم؟


إعداد: نورالدين المباركي ومحمد رضا السويسي
في كل عام، تُنشر عدّة تقارير دولية تُصنِّف جامعات العالم وتضع لها تقييما أو تحسِب لها نقاطا، وهو تصنيف له قِيمة واعتبار، و يهدِف إلى بيان أفضل جامعات العالم،
لا شك أن هناك مصلحة من وجود قوائم تصنيف الجامعات، إلا أنه لا يمكن الجزْم بحجم التأثير لهذه البيانات .
خلال المدة الأخيرة صدر تقريرالتصنيف الأكاديمي للجامعات على الصعيد العالمي المعروف ب"تصنيف شانغهاي" لأفضل 500 جامعة في العالم لعام 2009. وقد غابت الجامعات التونسية تماما عن هذا التصنيف .
أما التصنيف الثاني فيتعلق بتصنيف موقع "ويبومتريكس" الخاص بجودة التعليم الجامعي في العالم. وتعرض لأفضل 100 جامعة عربية منها جامعة تونسية واحدة وهي "الجامعة الافتراضية التونسية"، التي تحصلت على رتبة 53.
لماذا تغيب الجامعات التونسية عن هذه التصنيفات العالمية ..؟
هذا السؤال توجهت به "الوطن" إلى عدد من الأكادميين
الدكتور سالم لبيض(أستاذ محاضر في علم الاجتماع في جامعة المنار)

التصنيف حدث سياسي وليس حدثا علميا
نحن في واقع الأمر أمام حمّى جديدة هي حمّى تصنيف الجامعات على المستوى الدولي، هذه الحمّى انتشرت في السنوات الأخيرة وباتت محلّ اهتمام الصحافة التي نقلتها إلى الرأي العام لتكون موضع جدال وحديث. وقد شكّل ذلك إحراجا لكثير من الدول حتى باتت تشجع وتدفع الأموال لهذا الفريق أو ذاك لتوضع في مكان محترم في تصنيفه وقد وصل الأمر إلى الاعتزاز بالتصنيف ضمن ال500 جامعة الأولى و6000 جامعة الأولى في تصنيف ثان، مهما كان الموقع. ومن ذلك تصنيف «جارديان»، الذي يُركز على الجامعات البريطانية، وتصنيفات أخرى ذات صبغة دولية مثل تصنيف «تايمز الدولي»، وتصنيف «ويبومتريكس»، والتصنيف الأكاديمي الدولي المعروف بتصنيف «شانغاهاي»، الذي اشتهر في السنوات الأخيرة أكثر من غيره حتى بات يشكل مقياسا لمدى تقدم أي جامعة أو تخلفها وحدثا يقع انتظاره سنويا. ولكنه في رأينا حدث سياسي وليس حدثا علميا وان تخفّى وراء العلمية والموضوعية، لنأخذ المعايير المعتمدة من قبل هذا التصنيف الذي بات الأشهر و المتمثلة في الآتي:
- الخريجون الفائزون بجائزة نوبل أو جوائز فيلد للرياضيات
- أعضاء هيئة التدريس الفائزين بجائزة نوبل أو جوائز فيلد للرياضيات
- كثرة الاستشهاد بأبحاثهم
- الأبحاث المنشورة في أفضل مجلات الطبيعة والعلوم
- الأبحاث المذكورة في كشاف العلوم الاجتماعية والكشاف المرجعي للعلوم الموسع
- أداء الجامعة بالنسبة لحجمها
- معدل النشر بالنسبة لكل عضو هيئة تدريس
- نسبة الطلبة الأجانب بالنسبة لمجموع الطلبة
- عدد الأساتذة مقارنة بعدد الطلبة
هذه تقريبا أبرز المعايير المعتمدة من قبل تصنيف شانغاهاي ولا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للمعايير المعتمدة من قبل بقية التصنيفات، ومن الطبيعي أن لا تكون الجامعات العربية بصفة خاصة والعالم ثالثية عامة، مصنفة أو أن تحتلّ أدنى الرتب لأن المعايير وكما ذكرت مصنفة سياسيا كما هو الشأن بالنسبة لجائزة نوبل بأصنافها والتي تنسحب عنها المعايير الثلاثة الأولى أما قضية النشر في المجالات العلمية الصلبة فتتطلب مخابر وتجهيزات ومجموعات عمل وتمويلات لا توجد إلا في الجامعات الأمريكية أو
البريطانية أو اليابانية أو غيرها من الجامعات الأوروبية والغربية أما وجود جامعة "عبرية" فتلك من ضرورات أيديولوجيا التصنيف حتى يحظى بالمقبولية لدى سادة العلم في العالم. وبالنسبة لبعض المشاركات العلمية في مثل تلك المجلات من قبل باحثين عرب فكثيرا ما ينسب إلى تلك الجامعات القيادية وليس إلى جامعاتهم الأصلية وهو أمر طبيعي في ظل علاقات القوة العلمية المختلّة . فيما يتعلق بالعلوم الاجتماعية بقدر ما تحظى هذه العلوم بالتبجيل والإحاطة في الجامعات الغربية وهي أداة المعرفة الدقيقة لديها، بقدر ما هي مصدر إزعاج في جامعاتنا العربية فكيف لنا بمنافستهم ونحن مازلنا في مرحلة الدفاع عن جدوى هذه العلوم وإقناع أولي الأمر بها لكي يسمح بشيء من الحرية الأكاديمية دون رقابة المراقب وتدخل المتدخل، وإن القليل الذي ينشر لدينا لا يمكن أن يكون إلا خارج التصنيف بفعل اختلال آخر في الموازين يتعلق هذه المرّة وفي المرّات السابقة بمسألة اللغة فالمؤكد أن لغات العالم لا تلق نفس المكانة في المعايير فالشعار هو من لا ينشر باللغة الإنقليزية لا يدخل علينا . أما معدل النشر فذلك أمر مستحب ومرغوب فيه من قبل كل باحث لكن لا يمكن مقارنة فضاءات النشر الموجودة عربيا بنظيراتها الأمريكية أو حتى الأوروبية. هناك قضية هيكلية أخرى تتعلق بتمويل الجامعات فمن الإجحاف المقارنة بين جامعاتنا وجامعات هارفارد أو بيركلي الأمريكية أو كامبريدج البريطانية أو غيرها من الجامعات الأول فميزانية الواحدة منها تضاهي ميزانية دولة بأكملها وفي أقل الأحوال ميزانية وزارة من وزارات التعليم العالي بأكملها التي كثيرا ما تمول بقروض وهبات تلك الدول. أستاذ التعليم العالي في جامعاتنا يتقاضى ألف أورو أو أقل وهو الأجر الأدنى الضروري في أوروبا والتجهيزات والمراجع والمشاركات في المؤتمرات العلمية كلها بمواصفات أروبية فكيف لنا بالاستجابة لهذه المقاييس والمعايير المجحفة والمستفزّة أصلا؟
الأستاذ محمد الخبو (أستاذ تعليم عالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس)
جامعتنا التّونسيّة على ما فيها من مظاهر خلل جديرة بأن تُعتبر من نخبة الجامعات العالميّة
إنّ ما تناهى إليّ من أخبار تتعلّق بإخراج الجامعة التّونسيّة من الجامعات الخمسمائة المصنّفة الأولى عالميّا مضحك ويثير الشّفقة على صاحب هذا التّصنيف وذلك للاعتبارات التّالية:
1- إنّ الجامعة التّونسيّة على قلّة إمكانياتها المادية تعدّ من النّاحية العلميّة الأكاديميّة ضمن الجامعات الّتي تحتلّ المراتب الأولى من حيث الكيفيّة الّتي يتخرّج بها الكوادر العليا والدّليل على ذلك أنّ الدّارسين ممن حصلوا على شهادات في الجامعة التّونسيّة والمزاولين تعلّمهم خارج البلاد يحتلّون درجات علميّة متميّزة.
2- كانت الجامعة التّونسيّة معينا يصدّر الكوادر العليا لشتّى الجامعات العربيّة وفي كل الاختصاصات وهو ما تشهد به كبار الجامعات في الخليج وفي إفريقيا.
3- إنّ المواصفات الّتي تُقدّم بها الدّروس والأشغال في جامعاتنا التّونسيّة يكاد يكون منسوجا عن تلك الّتي يُعمل بها في جلّ الجامعات الأوروبّية ولا سيما في فرنسا.
إنّ كل هذه الاعتبارات وغيرها يجعلنا نحن الجامعيّين نقرّ بأنّ جامعتنا التّونسيّة على ما فيها من مظاهر خلل خليقة وجديرة بأن تُعتبر من نخبة الجامعات العالميّة الّتي يتخرّج منها كوادر يشهد بقيمتها كلّ ذي عقل رصين.
نقول هذا دون أن ننسى ما يطرحه النّظام الجامعي الجديد "إمد" من مشاكل في التّكوين وفي التّشغيل وفي آفاق الطّلبة المتخرّجين وهذا ما يطرح سؤالا كبيرا هو: إلى أيّ مدى تكون جامعتنا جامعة محترمة في ظلّ نظام عالميّ يملي عليها شروطه الّتي أصبحت محلّ تساؤل بل ورفض من قبل الكثير من الجامعيّين.
الدكتور محمد عبد العظيم (جامعة تونس)
التعليم الجامعي عندنا ليس في المستوى الذي نريده له ولا نراه مؤهلا للقيام بوظائفه الخطيرة في الإعداد لمجتمع المستقبل
نشر أخيرا التصنيف العالمي للجامعات وجاء خاليا تقريبا من الجامعات العربية وغيرها أيضا في مراتبه المئات الأولى . وقد أثار ذلك كثيرا من الجدل والسجال في مختلف وسائل الإعلام تعددت فيه الآراء واختلفت وتقاطعت أحيانا . وتناول كل الأمر من الزاوية التي أراد غير أننا ، لئن كان لنا قول في ما يحف بمثل هذه التصنيفات ومنطلقاتها وأهدافها والمقاييس المعتمدة فيها بعيدا عن فكرة المؤامرة التي أصبح يرمي بها كل منتقد، نعتبر أن في نشرها فرصة للوقوف عند وضع التعليم الجامعي للنظر والتقويم والتنبيه إلى مواطن الضعف والخلل دعوة لمحاولة تجاوزها ورسم المخططات والإستراتيجيات اللازمة لمعالجة الإخلالات والنهوض بتعليمنا الجامعي إيمانا منا بأنه من أهم أسس التنمية الوطنية والقومية في مختلف المجالات وبحسب ما يكون عليه تتحدد ملامح الحاضر وترسى قواعد المستقبل.
وإنه لا يسعنا إلا الإقرار بأن التعليم الجامعي عندنا وفي مختلف الأقطار العربية – رغم بعض الإختلاف الذي نعدّه شكليا – ليس في المستوى الذي نريده له ولا نراه مؤهلا للقيام بوظائفه الخطيرة في الإعداد لمجتمع المستقبل الذي نريده قويّا قادرا رائدا متقدّما في كل المجالات . إنه في تقديرنا يعاني من ضعف هيكلي حادّ يهدّد كيانه وينذر بانحداره أكثر . ونعتقد أن لذلك الضعف أسباب عديدة ومختلفة غير أنه يمكن ردّها جميعا إلى سبب أساسي وأصلي يتعلق بالرؤية السياسية الإستراتيجية المتعلقة بمفهوم التعليم الجامعي ودوره .
فالتعليم العالي العربي ، لئن خصّ في أقطار عديدة بوزارات خاصة كثيرا ما أشفع اسمها بعبارة " والتعلم العالي " ما زال يعامل نفس معاملة بقية مراحل التعليم التي دونه. فهو مؤسسات عديدة تؤمها جيوش من الطلاب تتلقى الدروس وتأمل الشغل بعد التخرج ويقاس النجاح عادة بكثرة عدد المرتادين وبنسب الناجحين ثم عدد المتخرجين من بينهم ... والكمّ في كل ذلك أهم من الكيف. وفي كل ذلك تغييب للبحث العلمي أو استهانة به وهو في الحقيقة صلب التعليم الجامعي وأساسه وهدفه ومبتغاه ، به تقاس قيمته وتحدد منزلته في مصاف المؤسسات المثيلة.
إن إصلاح التعليم الجامعي والنهوض به ينبغي أن ينطلق من هذه الرؤية أولا وفي ضوء ذلك توضع كل المخططات وتوزع القدرات المادية والبشرية وسواها. ولا شك أن التحديات أمام ذلك الهدف كبيرة بل تزداد حدّة بدخول عناصر جديدة نراها الآن تتصدر الإهتمام منها مسألة التشغيلية وضمان حق التعليم للجميع ومجانيته وملاءمة المنظومات والبرامج مع المشاريع العلمية المعولمة المستوردة بعد انتزاعها من سياقاتها وما يحايثها عند أهلها..
تلك كلها تحديات كبيرة ومسائل شائكة حقا ليس من السهل اليسير حسم أمرها ولكن يكفي أن يكون ما كشفه التصنيف العالمي المذكور آنفا دافعا للوقوف عندها وتناولها بالدراسة والتحليل وضبط الخطط البديلة الناجعة التي تضمن لكل حقه ولا يغيب عنها مطلقا أنّ التعليم الجامعي يقاس النجاح فيه بالبحث العلمي وتسجيل السبق في مجال الإبداع والاختراع والاكتشاف والتطوير والاستكشاف والتحليل والتخطيط في مختلف المجالات العلمية والمعرفية والاجتماعية.
وقد تكون الخطوة الأولى في هذا المسار إرساء ورش متعددة للاستشارة والبحث والدراسة تساهم فيها كل الهيئات المعنية الفاعلة على المستوى القطري أولا وعلى المستوى القومي ثانيا..أما دون ذلك فسيبقى هذا التعليم عندنا مرحلة عليا من مراحل الدراسة قد لا تصدق عليها تسمية التعليم الجامعي أصلا.
الأستاذ فتحي الرّقيق ( أستاذ محاضر، قسم علم الاجتماع بكلية الآداب بصفاقس)
إعادة النّظر في مكانة الشّعب الإنسانية وإعطائها المكانة الّتي تستحقّها ضمن مختلف شعب المعرفة
1- مع أنّنا مع دمقرطة التّعليم فإنّ السياسة التّعليميّة مالت إلى سلبيّتين هما إهمال التّعليم المهني منذ الابتدائي والثّانوي وتسهيل المرور والنّجاح من الابتدائي والثّانوي إلى التّعليم العالي بحيث أصبحت دمقرطة التّعليم جمهرةً massification لا تهتمّ بالجودة وخاصّة في مستوى حذق كلّ اللغات بما فيها العربيّة وذلك لدى نسبة كبيرة من الطّلبة.
2- ترتّب عن ذلك توجيه الطّلبة إلى شُعب لا يرغبون فيها وهي في حدّ ذاتها بلغت درجة الإشباع من سنوات على غرار العربيّة والفرنسيّة والمواد الإنسانية.
فعدد الطّلبة في هذه الشّعب يفوق 100 ألف منهم من لا يحبّذ هذه الاختصاصات ومنهم من لا تتوفّر فيه الشّروط الموضوعيّة للدراسة وتحقيق عنصر الجودة في تلك الاختصاصات وهؤلاء يتخرّج منهم رغم ذلك عدد كبير من الباحثين والمدرّسين بالجامعة.
3- ترتّب عن جمهرة التّعليم العالي أيضا تغليب الكم عن الكيف فالمغرب تعدّ 35 مليون نسمة وتونس 10 ملايين ولنا نفس عدد الطّلبة تقريبا ( في حدود 400 ألف طالب) لكن بالمقابل يفوق عدد الطّلبة المغاربة المرسّمين في جامعات أجنبيّة ذات مستوى مرموق 3 مرّات عدد الطّلبة التّونسيّين.
4- كما يترتّب عن هذه الجمهرة أيضا تقلّص جهد البحث لدى الباحثين والمدرّسين لانشغالهم بثقل عمليّة التّدريس وما يحتّمه من جهد وساعات عمل إضافيّة كما أنّ تدنّي الدّخل المادي لرجال التعليم يدفعهم لتوجيه جزء من جهدهم من البحث العلمي إلى البحث عن موارد رزق إضافيّة ( أجرة الأستاذ الجامعي بالمغرب تفوق بكثير أجرة أستاذ جامعي في تونس) وهذا ما يدفعنا إلى المطالبة بتحسين الوضع المادّي للجامعيّين بما يتلاءم مع الجهد الذي يُكابدونه والمسؤوليّات الّتي يتحمّلونها.
5- إنّ شعار ربط الجامعة بالمحيط والتّشغيليّة يتضارب مع واقع المركزة المفرطة في اتخاذ القرارات وفي إبرام شراكات تتمتّع بمرونة التّصرّف.
كما لا يفوتني التّنبيه إلى الوضع الّذي آل إليه حال العلوم الإنسانية الّتي تحوّلت إلى سلّة مهملات لعمليّة التّوجيه فجمعت بين كثرة العدد وضعف المستوى ورفض الطّلبة المتميّزين التّوجّه إليها بسبب ضعف تشغيليّتها وهذا ما يدعونا إلى المطالبة بإعادة النّظر في مكانة الشّعب الإنسانية وإعطائها المكانة الّتي تستحقّها ضمن مختلف شعب المعرفة.
الأستاذ عبد العزيزالحصايري( أستاذ تعليم عالي، اختصاص رياضيّات ومسؤول عن وحدة بحث بكلية العلوم بصفاقس)
التّصنيف هو المآل الطّبيعي للمسار الّذي أخذه التّعليم العالي والبحث العلمي
هذا التّصنيف لم يفاجئني بل كنت أنتظره وهو المآل الطّبيعي للمسار الّذي أخذه التّعليم العالي والبحث العلمي منذ فترة، وكنّا نبّهنا إلى ذلك في كلّ الفرص الّتي أُتيحت لنا.
• الأسباب:
الأسباب عديدة ومتداخلة منها ما هو سياسي مرتبط بتعامل سلطة الإشراف مع ملف التّعليم العالي من حيث الاختيارات الكبرى وطرق التّصرّف والعلاقات مع الأطراف المرتبطة بالقطاع. ومنها ما هو جزء من وضع المجتمع التّونسي ككل من حيث سيادة ظاهرة اللاّمبالاة وتراجع موقع العلم والمعرفة في الحياة اليوميّة للمجتمع خلافا للشعارات المرفوعة، وكلّ هذا غير مفصول عن الجانب الأخلاقي والقيمي الّذي تردّى بشكل خطير فهاجس تطوير مناهج مضامين التّدريس والبحث تراجع عند الكثير من المدرّسين لأسباب يطول شرحها. كما أنّ سيطرة هاجس البطالة ومحدوديّة سوق الشّغل تحوّل إلى عنصر إحباط عند الطّلبة.
فإذا عدنا إلى ما هو مرتبط بسلطة الإشراف نلاحظ غياب جسور وهياكل حقيقيّة لحوار هادف إلى النّهوض بالقطاع وتجاوز نقاط ضعفه، فالكثير من القوانين كانت مُسقطة وتشتمل على نقاط ضعف عديدة بل في بعض الأحيان غير عقلانيّة على غرار القانون المتعلّق بمدارس الدّكتوراه.
كما أنّي أحمّل سلطة الإشراف مسؤوليّة عدم التّصدّي بحزم لمختلف ظواهر التّسيّب الموجودة بل إنّه في بعض الأحيان نلاحظ أنّ بعض الجهات المسؤولة لا تتوانى عن التّستّر على الكثير من هذه المظاهر بما يُخيّل لها أنّه يخدم مصلحتها الضّيّقة، مثال ذلك تعمّد عدم القيام بتقييم دقيق وموضوعي لواقع البحث العلمي في تونس ونتائجه والاكتفاء بالتّأكيد على الجانب الكمّي والإحصائي دون الكيفي والنّوعي مع سيطرة الخطاب التّمجيدي والدّعائي السّائد في وسائل الإعلام.
كما أنّنا نلاحظ أن إحداث بعض الجامعات والكلّيات والمدارس العليا قد أتى في بعض الأحيان متسرّعا دون توفير الأدنى من شروط التّأطير والتّجهيز إلى جانب عدم توفير الإطار الضّروري للإحاطة بالطّلبة في ظروفهم المعيشيّة وحياتهم اليوميّة.
إنّ من بعض ما آل إليه حال التّعليم العالي والبحث العلمي تراجع المرجعيّات الكبرى من باحثين بارزين يمثّلون سلطة علميّة حقيقيّة قادرة على إيقاف تيّار التّراجع الحاصل في المستوى العام للتعليم الجامعي والبحث العلمي والذي هو مرتبط مع ما ذكرناه سابقا فيما يخصّ القوانين المنظّمة للقطاع مثل قانون التّأهيل الجامعي الّذي طالما طالب الجامعيّون بمراجعته منذ سنوات عديدة في اتجاه يضمن الحفاظ على المستوى الأكاديمي الضّروري.
• الاقتراحات:
1- أن نجعل من إصلاح التّعليم العالي مشروعا وطنيّا وموضوعا لحوار وطنيّ جاد تشارك فيه كلّ الفعاليّات المهنيّة والسّياسية والمدنيّة والمتدخّلين في القطاع من أساتذة وطلبة وغيرهم.
2- التّعامل بجدّية وحزم مع الزّمن الدّراسي وظروف التّكوين بانجاز كلّ الحصص المقرّرة والحرص على جودة التّكوين بمختلف عناصره ومعالجة ظاهرة الغياب الجماعي للطلبة مع إيجاد عناصر محفّزة للطّلبة وتوفير الشّروط الدّنيا المعقولة لقيام مؤسّسات دراسيّة وبحثيّة في التّعليم العالي.
أمّا في مستوى البحث العلمي، فأمام ما أسميته سابقا بقدرة المرجعيّات العلميّة على الفعل لا بدّ من أن تتّخذ سلطة الإشراف إجراءات عاجلة تتمثّل في فرض شروط علميّة دنيا موحّدة على المستوى الوطني من ذلك مثلا:
أ- فيما يتعلّق بأطروحات الدّكتوراه: على سبيل المثال في المواد العلميّة، لتقديم دكتوراه يجب أن يتوفّر شرط وجود عمل منشور أو تمّ قبول نشره في مجلّة علميّة مختصّة لها عامل وقع facteur d'impact .
ب- في التّأهيل الجامعي: الوضع الحالي أعتبره خطيرا جدّا لما يتّسم به من تسيّب يستوجب توفير شروط تضمن مستوى حقيقيا لمن يُفترض أنّهم سيكونون مؤطّرين ينهضون بالمستوى المعرفي والأكاديمي.
ج- عدم الاعتماد الآلي للتّأهيل الجامعي المُتحصَّل عليه في الخارج الّذي – في كثير من الأحيان – يُسند على أنّ المترشّح من عالم أدنى وما سيحصل عليه من تأهيل سيتمّ استغلاله وتوظيفه في بلاده في حين أنّهم يشترطون أن لا يترشّح النّاجح في التّأهيل إلى خطّة صنف( أ ) إلاّ بعد خوض مناظرة وطنيّة وهو أمر غير معمول به في تونس وهناك أمثلة لملفّات رُفضت في تونس لضعف مستواها وتحصّل أصحابها على التّأهيل من بعض الجامعات في الخارج.
د- لجان الانتداب: تحتاج بدورها إلى إعادة نظر في طريقة عملها ففي كثير من الأحيان لا يمكن فهم كيف يُعيّن أعضاءً في لجان الانتداب أساتذة محاضرون أو أساتذة تعليم عال لم يُنتجوا مقالا واحدا منذ سنوات فعلى سبيل المثال لماذا لا تعتمد الوزارة في مادّة الرياضيّات المعلومات المتوفّرة على الانترنيت في مركز التّوثيق الجامعي للاطّلاع على الإنتاج العلمي لكلّ باحث ويقع إقصاء كلّ من لم يظهر له عمل منشور في عدد محدّد من السنوات يتمّ ضبطها والاتّفاق عليها فنتجنّب إخضاع عمليّة الانتداب إلى عناصر أحيانا غير علميّة فتغطية الشّغورات الموجودة لا يبرّر انتداب حتّى من لا يخوّل لهم مستواهم العلمي في بعض المواد دخول الجامعة للتّدريس.
تونس/ الوطن
المصدر بريد الفجرنيوز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.