في الحقيقة، كنت قد قررت عدم الخوض مجددا في موضوع "خيرت فيلدرز". فأقل حركة يقوم بها هذا السياسي الهولندي الذي يعتبر نفسه مدافعا عن حرية التعبير، تجعل وسائل الإعلام تتدخل بشراهة الذباب الجائع وبطريقة جد متعبة. في الأسبوع الماضي عقدت المحكمة اول جلسة للنظر في قضية خيرت فيلدرز المتهم بالتحريض على الكراهية والعنصرية ضد المسلمين. وللتذكير، كان فيلدرز قد طلب من المحكمة تطبيق اختبار كشف الحقيقة على تصريحاته، وإذا ما ثبت أن كلامه صحيح، تسقط عنه دواعي المتابعة القانونية.
يتعلق الأمر بتصريحات كان فيلدرز قد أطلقها مثل المطالبة بترحيل عشرات ملايين المسلمين من أوروبا والتحذير من سيناريو كارثي يهدف الى أسلمة أوروبا، كما شبه القرآن بكتاب هيتلر المحظور "كفاحي"، وبالتالي قارن المسلمين بالنازيين. ولكي يبدو بصورة الباحث عن "الحقيقة" طلب فيلدرز استدعاء عدد من شهود الإثبات من بينهم "هانس يانسن" وهو وجه مغمور تتداوله وسائل الاعلام على أنه مختص في الشؤون العربية ويروج لنظريات ساذجة حول طبيعة المسلمين الدموية الذين يرون أن واجبهم المقدس يدعوهم الى قطع رقبة كل من لا يؤمن بالله.
وما دمنا نتحدث عن قطع الرقاب وتمزيق الحناجر فلا بد أن نشير الى أن فيلدرز طلب ايضا استدعاء محمد بويري، قاتل المخرج السنمائي "تيو فان خوخ"، كما لو كان محمد بويري نموذجا للمسلم الحقيقي، كما تضم قائمته عددا كبيرا من المعادين للإسلام الذين يسمون أنفسهم باحثين أو أكاديميين، والكل يقف في خدمة بحث فيلدرز عن حقيقته، ولحسن الحظ قرر قاضي التحقيق عدم استدعاء محمد بويري وعدد آخر كبير من الشهود الذين طلب فيلدرز استدعاءهم.
بالنسبة لمسألة البحث عن الحقيقة، أرى شخصيا ضرورة تسليط الضوء على جميع نواحي القضية عن طريق استدعاء الخصوم والمؤيدين ومقارنة تصوراتهم مع بعضها وتحليلها من اجل الوصول إلى خلاصة وافية. غير أن العضو البرلماني فيلدرز يختلف معي في ذلك، فهو على ما يبدو يعتقد أن القضاة يشبهون أتباعه الذين يصدقون كل ما يقوله وأن بوسعه إقناع هيئة المحكمة بشعاراته الديماغوجية حول قلقه الصادق بشأن الحرية التي يرى أنها هي التي تقدم للمحاكمة.
لننتظر ونر، فالمحاكمة يبدو أنها ستسغرق وقتا طويلا، لكن خيرت فيلدرز حصل على ما يريده منها وهو المزيد من تسليط الأضواء الكاشفة عليه وسيبذل كل مابوسعه ليجعل من هذه المحاكمة الأثر ألأكثر أهمية في كل الأعمال التي قدمها. سيكون مشهدا طويلا مليئا بالتكرار الممل والادعاءات الهستيرية والصحفيين المتعثرين ببعضهم البعض بحثا عن عنوان بارز أو صورة مثالية عن فيلدرز الذي سيبرع في تقمص دور الضحية. رفقا بنا. حسناء بوعزة: قاصة وكاتبة أعمدة هولندية من أصل مغربي. إذاعة هولندا العالمية