محكمة الجنايات الدولية، ومدّعيها العام لويس مورينو أوكامبو وقضاتها في غرفة الاستئناف، يشكلون فضيحة دولية لا تجاريها فضيحة لهيئة دولية رغم الفضائح التي تحفّ بالهيئات الدولية التي تسيطر عليها الإدارة الأميركية، أو يعيّنها الأمين العام للأمم المتحدة ووزير خارجية كوريا الجنوبية سابقاً، وقد عُرِفَ عن وزراء خارجية كوريا الجنوبية بأنهم موظفون تختارهم الإدارات الأميركية من وراء الكواليس، وذلك منذ السيطرة العسكرية الأميركية على جنوبي كوريا في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، وهو ما أكدّه طوال ممارسته بلا استثناء في أمانة هيئة الأممالمتحدة. وقد اتسمت الفضائح التي أحاطت بالهيئات الدولية المسيطر عليها أميركياً في الغالب بازدواجية المعايير، فقد اعتبرت ازدواجية المعايير فضيحة بالنسبة إلى من يمارسها في تلك الهيئات، ولكن المحكمة الجنائية الدولية منذ تشكيلها وتعيين أوكامبو مدّعياً عاماً لها التزمت بمعيار واحد وليس بتطبيق مزدوج لذلك المعيار، وهو الوقوف ضد كل قضية عادلة تمسّ بلداً عربياً وإسلامياً، ومع كل قضية تريدها أميركا والصهيونية موجهّة ضد بلد عربي أو إسلامي. ثلاثة أمثلة صارخة تؤكد على هذه الحقيقة: الأول تَمَثَّلَ بقضايا طُلب من المدعي العام رفعها إلى المحكمة تتعلق بجرائم ارتكبها الاحتلال الأميركي في العراق. وهي قضايا قُدِّمت بوثائق لا يرقى إليها الشك، إذ اتسّم بعضها بالصوت والصورة في أثناء وقوعها، واتسّم بعضها باعتراف أميركي صريح بوقوعها مثل صور التعذيب والتشهير بجسد الأسير في سجن أبو غريب، ولكن السيد أوكامبو، وبحجج واهية، رفض تسلّم تلك القضايا. والمثال الثاني رفضَه لتسلّم القضايا المتعلقة بارتكاب جيش الكيان الصهيوني جرائم حرب وإبادة ضد مدنيي قطاع غزة في حرب 2008/2009، وذلك رغم تأكيد تقرير غولدستون عليها، وصدور قرار من لجنة حقوق الإنسان الدولية في جنيف بتبني التقرير، ولكن السيد أوكامبو وقضاة محكمة الجنايات الدولية، رفضوا قبول تلك القضايا وبحجج أوهى من الحجج المتعلقة بالقضايا العراقية، وبوعود كاذبة في إمكان النظر فيها لتغطية الفضيحة المدّوية التي لحقت بمحكمة الجنايات الدولية ومدّعيها العام وقضاة غرفة الاستئناف فيها. والمثال الثالث: هو تبني قضية اتهام الرئيس السوداني عمر البشير بارتكاب جرائم حرب في دارفور، علماً أن كل ما لدى المدّعي العام الذي تعامل مع القضية كأنها قضيته الشخصية، مجرّد شهادات أدلت بها معارضة دارفورية. وهو ما يمكن أن يُحشد أكثر منه عبر شهادات تتقدّم بها المعارضة في أي بلد من البلدان، فالدليل هنا أوهى من الدليل الذي استند إليه أوكامبو في رفض قبوله قضايا ارتكاب جرائم حرب في العراق وقطاع غزة من قبل كل من القوات الأميركية والقوات الإسرائيلية على التتالي. نحن هنا لسنا أمام حالة ازدواجية معايير في تطبيق القانون أو مبادئ معيّنة، وإنما نحن إزاء سياسة ثابتة تتبنى الموقف الأميركي والصهيوني دفاعاً، أو غضاً للنظر، عن جرائم حرب أو تبنيّاًً لاتهامات موجهّة لقيادة عربية أو إسلامية أو إفريقية. والدليل على ذلك السرعة التي أصدرت فيها إدارة أوباما تبنيها لقرار غرفة الاستئناف في المحكمة الدولية بإضافة تهمة ارتكاب جرائم حرب بحق الرئيس السوداني عمر البشير، وطالبته بتسليم نفسه إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. جاء هذا التصعيد من قِبَل المحكمة كما من قِبَل الإدارة الأميركية بحق عمر البشير من أجل إجهاض المصالحة السودانية-السودانية الجارية الآن في الدوحة حول قضية دارفور، ويمكن أن يضاف بأنه جاء ليخرّب على الإجماع الوطني السوداني لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في السودان، فيما البشير أحد المرشحين للرئاسة، ومن ثم يُراد من خلال الاتهام الجديد إضعافه في نظر الناخبين، أو الضغط عليه لعدم خوض المنافسة الإنتخابية. ويلقي توقيت صدور القرار الجديد المزيد من الضوء على تسييس المحكمة الجنائية الدولية، ومن ثم عدم علاقتها بالهدف والمقاصد التي أقيمت من أجلهما. فهي مخلب قط لسياسات أميركية-صهيونية موجهّة ضد وحدة السودان وضد المصالحة في دارفور. ولكن المشكلة هنا ليست بقرار المحكمة التي تتحوّطها الفضيحة، وفقدان أية صدقية، وإنما في موقف إدارة أوباما الذي يكشف كونه وراء قرار المدّعي العام من جهة، ويكشف من جهة أخرى زيف خطابيّ أوباما في تركيا ومصر حول تغيير السياسات الأميركية إزاء الإسلام والعالم الإسلامي. أما على المستوى السوداني فيكشف الدور الأميركي المشبوه الذي يلبس لبوس الوسيط لحلّ الصراعات الداخلية السودانية-السودانية فيما هو منحاز ضدّ وحدة السودان وضدّ عودة السلم لدارفور، وضدّ انتخابات نزيهة لا تدّخل خارجياً فيها. العرب القطرية 2010-02-13