في الوقت الذي لا يزال فيه الغموض يكتنف ظروف اغتيال أحد قيادات كتائب القسام وأحد مؤسسي جناحها العسكري، نشرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية في عددها الصادر اليوم الاحد تقريرا مهما سلطت فيه الأضواء مجددا على عملية اغتيال القائد القسامي محمود المبحوح "ابو العبد" بدبي في العشرين من الشهر الماضي بعد مطاردة استمرت لأكثر من 20 عاما من قبل "موساد". ونقلت الصحيفة عن مقتطفات من مقابلة اجرتها صحيفة "the nation" الأمريكية أجرتها مع بروس ريدل، الذي اشغل مناصب في وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية – السي اي إيه - مدة 29 عاما. ولفت ريدل في هذه المقابلة الانتباه الى وحدة (كيدون) السرية وهي – بحسب مصادر اجنبية – وحدة الاغتيالات في جهاز الموساد. واكد ريدل ان افراد هذه الوحدة محترفون جدا ويتمتعون بلياقة بدنية عالية. واشار الى ان افراد وحدة (كيدون) يملكون سجلا لافتا من النجاحات السرية. وبحسب ما رواه المسؤول الاستخباري الامريكي السابق فان توزيع المهام بين افراد فريق الاغتيال التابع لوحدة (كيدون) - الذي قام بتصفية المبحوح - قد تم على النحو التالي: اثنان نفذا الاغتيال بالذات; اثنان كلفا بمهمة الحماية; إمرأة قامت بمهمة الاستدراج; سائق واحد وسائق اداري واحد قام بإعداد طريق بديل للفرار من المكان في حال حدوث خلل في تنفيذ مخطط الاغتيال الاصلي. وبحوزة هذا الاخير كانت الوثائق اللازمة. ويقول الخبير الاستخباري الامريكي انه من المرجح ان يكون شركاء خفيون آخرون قد ساهموا في تنفيذ العملية ولم يرصدهم أحد ولم يتعرف على هويتهم حتى الآن. حيث ان عملية بهذا الحجم تتطلب اكثر من 7 اشخاص في الميدان. ونقل موقع "اذاعة صوت اسرائيل" الالكتروني عن الصحيفة قولها، أن قائد شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان توصل بعد 9 أيام من وفاة المبحوح، الى الاستنتاج بان فريق الاغتيال كان يضم 7 اعضاء: 6 رجال وامرأة واحدة كانوا 4 منهم يحملون جوازات سفر ارلندية. وبحسب الرواية التي نشرتها "يديعوت"، فان جميع مستخدمي فندق (البستان روتانا)، وهو الفندق الذي شهد اغتيال المبحوح، نقلوا الى مقر شرطة دبي لاستجوابهم والتحقيق معهم حيث سعى المحققون لفحص ما اذا كانت احدى موظفات الاستقبال في الفندق عميلة مندسّة قامت بتزويد افراد فريق الاغتيال بمفتاح مصطنع للدخول الى غرفة المبحوح في الفندق. وكان قيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أوضح لصحيفة "الحياة" اللندنية أن المبحوح كان يحمل جواز سفره الفلسطيني الرسمي الصادر عن السلطة الوطنية برقمه الوطني، لافتاً إلى أن لقب عائلته (المبحوح) لم يكن مدوناً في جواز السفر، وأنه كان لديه سجل تجاري باسمه وبياناته. وأكد أن الضالعين في الحادث يحملون جوازات سفر إيرلندية غير مزورة، لافتاً إلى أن جهاز الاستخبارات الاسرائيلية الخارجية (موساد) "يجند كل الجنسيات للعمل معه". وقال أن فريقاً كاملاً من "موساد" كان يترقب وصول المبحوح إلى دبي وكان ينتظره طبقاً لمعلومات مسبقة ومؤكدة، وقال: "الإسرائيليون لا يملكون الجرأة على التحرك وإنجاز مثل هذه العملية إلا بقرار سياسي"، مرجحاً أن يكون اتخاذ هذا القرار تم منذ فترة لا تقل عن أسبوعين قبيل إنجاز المهمة. ورأى أن دمشق هي المحطة الأولى لانطلاق عملية "موساد" التي استهدفت المبحوح لأنه غادر دمشق متوجهاً إلى دبي، محطته الأخيرة. ولفت إلى أن حماس معنية تماماً بالبحث وإجراء تحريات في المحطة الأولى (دمشق) لبدء عملية استهداف المبحوح. وقال: "البداية كانت من دمشق، وسنهتم بالبحث في دمشق مثل اهتمامنا تماماً في التوصل إلى المعلومات والملابسات كافة التي جرت في دبي، المحطة الأخيرة لعملية الاغتيال"، مرجحاً أن يكون المبحوح رصد محلياً من دمشق. واعتبر أن إقامته في الفندق ذاته في دبي نحو خمسة مرات يعتبر تقصيراً أمنياً. واستبعد إعلان نتائج التحقيق، وقال: "سننشر كلاماً عاماً من دون الخوض في التفاصيل أو التفسيرات". ورجح أن يكون قتلة المبحوح دخلوا غرفته في الفندق قبيل وصوله، وقال: "هذا التصور أقرب إلى الحقيقة، لكنه لم يحسم بعد"، مضيفاً أنه كان وحيداً في الغرفة، ومحاولة اقتحام الغرفة وهو في داخلها أمر مستبعد تماماً "لذلك نرى أن القتلة كانوا يختبئون في دورة المياه داخل غرفته، وفاجأوه خلال دخوله الغرفة، أو أنهم كانوا يختبئون داخل الغرفة، وعندما خرج من دورة المياه بعد عودته فاجأوه بهجومهم". ولفت إلى أنهم جلبوا معهم دواء لمعالجة الأزمات القلبية، وألقوه بجانبه بعد أن قضوا عليه للإيحاء بأنه أصيب بنوبة قلبية مفاجئة، مشيراً إلى أن هذا هو التشخيص الأولي للأطباء بعد العثور عليه ميتاً في الغرفة. وربط القيادي بين اغتيال المبحوح والتجديد لرئيس "موساد" مئير داجان، ليظل على رأس عمله، وقال: "تم التجديد لرئيس موساد قبل مدة وجيزة من إنهاء العملية"، مرجحاً أن "سبب ذلك وجود عمليات ناضجة على وشك التنفيذ وهي اغتيال المبحوح". واعتبر أن ذلك "مؤشر خطير يعني أن هناك معلومات من جهة ما تضخ بانتظام لموساد". ودعا إلى عدم تسطيح أو تبسيط القضية لأنها معقدة وخطيرة فعلاً لأن ذلك يعني أنه لا يوجد أحد في مأمن. حقائق مثيرة في غضون ذلك، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن أوساط أمنية وصفتها بالمطلعة، أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو اتخذ قرارا مع نخبة قليلة من وزرائه بإعادة نشاط الموساد إلى سابق عهده وبث موجة من الخوف في أوساط الأنظمة العربية التي هي مازالت مقتنعة بأن الموساد إذا قرر فإنه يستطيع أن يزعزع الأمن في كثير من البلاد العربية. وأعطي نتنياهو الضوء الأخضر للموساد للقيام بعمليات منتقاة والتنسيق مع الأجهزة الأمنية الصديقة لتحقيق اختراقات في صفوف حماس وحزب الله. اضافت، ان عملية اغتيال المبحوح ليست إلا الحلقة الأولى في سلسلة ستتبع في الأسابيع القليلة القادمة، وربما تستمر وتهدف إسرائيل من وراء ذلك إلى أمرين رئيسيين: أولهما: زعزعة ثقة الأجهزة الأمنية العربية بنفسها وإشاعة الفوضى في بعض العواصم العربية. ثانيهما: جر حركتي حماس وحزب الله للبدء بعمليات ضد المصالح والمواطنين الإسرائيليين في أوروبا كي تتمكن إسرائيل أن تتهم الحركتين بالإرهاب ولتبتز الدول الأوروبية من جديد. وبالتالي تبعد الأنظار عن المجازر الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني وتنسي العالم تقرير جولدستون، ومطالبات الكثير من الدول والأحزاب والجمعيات الأوروبية إسرائيل بأن تتصرف كدولة متحضرة وتبتعد عن العنف. وقال موقع "تيك ديبكا" الإسرائيلي، إن هذا الخيار سيكون مطروحا على طاولة البحث في الغرف المغلقة لقيادات حماس وحزب الله وحتى سوريا، وسيكون من الصعوبة بمكان أن تقرر هذه الجهات القيام بعمليات في الخارج بالرغم من أن جماهير الحركتين ما تزال تنتظر الانتقام لعماد مغنية ومحمود المبحوح، وربما تلجأ حركة حماس وحزب الله إلى رد مدوي في الداخل الإسرائيلي وخلال أسابيع قليلة جدا بحسب مصادر قريبة من الحركة. اضاف، حصل جهاز الموساد على جوازات سفر ايطالية وبلجيكية وهولندية وألمانية وبريطانية بالتعاون مع بعض المسؤولين في الأجهزة الأمنية المحلية هناك واستخدمها للتغطية على عملائه الذين قاموا بالدخول إلى دبي وتنفيذ عملية الاغتيال الأخيرة هناك. كما قامت إحدى السفارات الأوروبية في الإمارات بدور محطة الموساد للمجموعة الإرهابية التي دخلت البلاد والتي كان عدد أعضائها يزيد عن عشرين رجلا وامرأة، وقد قام الجميع بالمغادرة فوراً بعد العملية، غير أن مصادر أخرى تقول أنه قد علق اثنان في الإمارات ولم يغادرا وما يزالان يحظيان بحماية إحدى السفارات الغربية هناك بينما يسود حرج كبير في أوساط الأجهزة الأمنية الإماراتية نتيجة لقيام إسرائيل بهذه العملية وبهذه الطريقة المهينة للدولة العربية.