كم هي نسبية هذه الدنيا، كم هي صغيرة ومتناهية في الصغر، كم هي قليلة مهما كثرت، وحقيرة مهما عظمت، وما أحلى هذه النسبية في الحياة حيث لا حال يدوم ولا وضع يثبت ويستقر... دورات تليها دورات تلمس الفرد والمجموعات والجماعات، والدول والحضارات... وتلك الأيام نداولها بين الناس... الكل متغير بين ارتفاع وهبوط، وعظمة وحقارة، وصغر وكبر، ولا يبقى إلا المطلق الكامل الذي لا أول له ولا آخر..، لا يبقى إلا الله ! هذه النسبية في الحياة تبقى طاقة شحاذة تدفع إلى عدم اليأس والقنوط والإحباط ومغادرة الصورة، وتثبت أن الأيام دول، يوم لك إن أحسنت وعيه وفقهه فيطول مداه، ويوم عليك إن سقطت أو تقاعست عن أداء دورك في الحياة. وتبقى الحياة كتاب تجارب واعتبار تدخل بابها بدون استئذان وتغادرها بدون استئذان، وبين هذا وذاك تكتب قصة الإنسان !!! هذه التوطئة أملتها ولا شك حالات وجدان ومشاعر لا تزال تهز أطرافنا بين الحين والآخر ونحن نعيش غربة المكان والزمان، ولكنها كانت صنيعة خبر حزين طرق مسامعي هذه الأيام ولم يتحول عني دون تدوين هذه الكلمات... كانت أسرة صغيرة دفعها شظف العيش إلى الهجرة والاستقرار خارج تراب الوطن...كان يسير مع زوجته في أحد البقاع وإذ به يلتفت يمنة ثم يقول بلهجة تونسية "ها هو جاء" ثم سقط جثة هامدة، سكتة قلبية في ريعان الشباب، تاركا الأسرة الصغيرة بين أحضان القدر...زوجته صابرة الصبر الجميل...ما يزيدها حزنا ولوعة واستفسارا هو قول المرحوم قبل أن يموت بلحظة "ها هو جاء" قالت لقد رأى زوجي ملك الموت ولا شك فليس هناك ما يدعوه لهذا القول ويلتفت يمنة... قلت لا تحزني، لعله رآه ولعلها بشرى خير فقد كان زوجك، ولا نزكي على الله أحدا، طيبا مؤديا فرائض ربه، وأنت أعلم به مني وتلك مشيئة الله و"الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا"... لقد أثرت في هذه الحادثة ولعل غيرها كثير، ولن اختبأ وراء المتاريس، فهي رسالة في نسبية هذه الحياة وصغر حجمنا وهشاشة حراكنا ومهما علا ضجيجها وكثر صخبها فإنها تبقى كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم" مالي وللدنيا ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها" إن نسبية هذا الوجود وسرعة المرور يستدعي التواضع في كل شيء، فما نحن إلا ذرة قي فلاة، أمام سعة هذا الكون وعظمة صانعه...ساعة من نهار ملئها العمل الصالح والفعل المصلح بعيدا عن إضاعة الوقت والسقوط في هامش الفعل، من أجل ذكر طيب وأثر جميل في هذه الدنيا، ونجاة وفرح في الآخرة.