عندما رفع الزعيم صالح بن يوسف لواء العروبة والاسلام، انحاز طلبة الزيتونة الى ذلك الخطاب الذي جاء ليقطع مع أطروحات بورقيبة الذي كان له موقف مبدئي من «الزواتنة». ومما يذكر ان بن يوسف كان اختار جامع الزيتونة بالذات لالقاء خطابه الشهير يوم 7 اكتوبر 1955 والذي تهجم فيه بشدة على سياسة المراحل البورقيبية. واذا كان مؤتمر صفاقس (15 19 نوفمبر 1955) مؤتمر الحسم حزبيا وسياسيا لفائدة الزعيم الحبيب بورقيبة، فقد كان مؤتمر الحسم ايضا، ثقافيا وفكريا، لفائدة اطروحات بورقيبة. التعليم الزيتوني من الوثائق التي صادق عليها مؤتمر صفاقس، تقرير عن التعليم جاء فيه ان «العدد القليل من الشبان الذين يزاولون التعليم، انما يباشرونه حسب برامج مختلفة، متضاربة الاتجاه ترمي الى تشتيت الافكار وتكوين كتل في الامة مختلفة المشارب، متباينة الثقافة.. ففي الزيتونة والكتاتيب نجد تعليما تقليديا عتيقا لا صلة له بالعصر.. فالتلميذ الزيتوني يزاول تعلمه السنين الطوال، ولا يقع اعداده للقيام بعمل انشائي في المجتمع الا في ميادين ضيقة». ودعا المؤتمر الى «توحيد التعليم في برامجه ومشاربه وغايته حتى لا ينشأ تضارب فكري بين مختلف عناصر الشعب وتأميم المدارس القرآنية العصرية والكتاتيب وارغام كل المؤسسات التعليمية على اتباع البرامج المسطرة». وكان ما كان بعد ذلك من التعليم الزيتوني. رمضان والدعوة الى الافطار واحتدت اللهجة ازاء الزيتونة في مطلع الستينات عندما صب الزعيم الحبيب بورقيبة جام غضبه على كبار شيوخ الزيتونة لامتناعهم عن مساندته في دعوته الى الافطار «اننا نريد ان نقلب ضعفنا الى قوة يقرأ الناس لها حسابا، وهذا ما يجب ان يدركه المشائخ ورجال الافتاء ومن ينتسبون الى جامع الزيتونة، اولئك الذين يدعون انهم ينطقون بلسان الدين، وانا ايضا بصفتي رئيسا مسلما لدولة اسلامية لي ان اتكلم باسم الدين». (من خطاب بتاريخ 8 فيفري 1960). وفي بيان ألقاه امام اطارات جهة الساحل في قصر بلدية سوسة يوم 26 فيفري 1960 استهل بورقيبة بيانه بالاقرار ضمنيا بانه انما يسبح ضد التيار «اني اعرف ان هناك اناسا يحيطونني بالعطف والتقدير والاكبار لكنهم يتألمون عندما يرونني اخوض هذه المعركة الجديدة. تعرضت في بياني يوم 5 فيفري بمناسبة قرب شهر رمضان الى العادات التونسية المألوفة في مثل هذا الشهر ودعوت الى ترك تلك العادات وذكرت اني لا ادعو الى ترك الصيام وانما قلت ان رمضان لا يجب ان يقعد المواطنين عن العمل المنتج الصالح وانه عندها يفضي الصوم الى جعل الابدان عاجزة عن القيام بالاعمال المألوفة وعن المساهمة في الجهاد الاقتصادي فانه لا حرج من الافطار». العمامة والجبة والبرنوس ومن ثمة ينطلق في تهجمات عنيفة على «الذين يرتدون الجبة والبرنوس ويلبسون العمامة بدعوى انهم من رجال الدين وانهم متضلعون في احكامه، ناطقون بلسانه، مجتهدون في شعابه، وهؤلاء نقول لهم اننا نعرف احكام الدين ونشرحها للناس وهي جلية لا تستدعي مقدارا كبيرا من العلم. فالدين الاسلامي دين سماحة ووضوح يتيسر لكل فرد ان يفهم مغزاه ومرماه دون حاجة الى مراجعة الكثير من المصنفات والحواشي. وقد اكد لي كثير من الشيوخ ان لي الحق بوصفي رئيسا للدولة ان ابحث عن المصلحة حيثما وجدتها، فاذا وجدتها في العمل المستمر والحماس المتقد والاخلاص في ذلك العمل فان الدين لا يمكن ان يكون حائلا دون ذلك». رموز الزيتونة واستهدف رموز الزيتونة، ومنهم الشيخ الطاهر بن عاشور الى وابل من التهجمات الى حد اتهام بعضهم ب«التساهل عندما افتوا باباحة الفطر للجنود الذين كانوا يحاربون لفائدة فرنسا الاستعمارية اثناء الحرب العالمية الثانية». واستظهر بورقة قال انها نسخة من وثيقة الفتوى، وورقة اخرى قال انها نسخة من وثيقة فتوى في «اباحة الفطر للعملة الذين يعملون لفائدة فرنسا اثناء الحرب العالمية الاولى». ويظهر واضحا من السياق الذي استظهر فيه بورقيبة بتلك الوثائق انه كان في حالة قصوى من الحنق لاداركه، بلاشك، انه لم يتوصل الى فرض ما كان يريد فرضه وانتزاع ما كان يريده انتزاعه من الفتاوي، وهو الذي كان في ذهنه ان يقتدي به اخرون في مجتمعات اسلامية اخرى «وقد علمت ان المسؤولين في باكستان والصين وغيرهما يتطلعون الى ما انجزته تونس في هذا الميدان، وقد أبلغني سفرائي في الخارج ان الاغلبية الساحقة من المفكرين لدى تلك الشعوب تتفق معنا في الرأي ولكنهم يحجمون عن قطع الخطوات الايجابية قائلين: ان ما يستطيعه بورقيبة في تونس لا يستطيعونه في بلدانهم». الصباح التونسية