عاجل/ المحامون يدخلون في اضراب عام بكامل محاكم الجمهورية..    بلاغ هام لرئاسة الحكومة بخصوص ساعات العمل في الوظيفة العمومية..    الاشتباه في وفاة 4 أشخاص بسبب احتسائهم "القوارص"..#خبر_عاجل    عاجل/ وفاة ثلاثة اطفال غرقا في خزان ماء بهذه الجهة..    وزير الخارجية يُشيد بتوفر فرص حقيقية لإرساء شراكات جديدة مع العراق    العثور على شابين مقتولين بتوزر    حفوز: العثور على جثث 3 أطفال داخل خزّان مياه    باجة: اطلاق مشروع "طريق الرّمان" بتستور لتثمين هذا المنتوج و ترويجه على مدار السنة [صور + فيديو]    شركة "ستاغ" تشرع في تركيز العدّادات الذكية "سمارت قريد" في غضون شهر جوان القادم    افتتاح نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك وسط العاصمة لعرض منتوجات فلاحية بأسعار الجملة وسط إقبال كبير من المواطنين    وزارة التجارة: تواصل المنحى التنازلي لأسعار الخضر والغلال    قادة الجيش يتهمون نتنياهو بتعريض حياة الإسرائيليين والجنود للخطر وهاليفي يؤكد إن حرب غزة بلا فائدة    مؤشر جديد على تحسن العلاقات.. رئيس الوزراء اليوناني يتوجه إلى أنقرة في زيارة ودّية    البطولة العربية لالعاب القوى (اقل من 20 سنة): تونس تنهي مشاركتها ب7 ميداليات منها 3 ذهبيات    رسمي.. فوزي البنزرتي مدربا للنادي الإفريقي    رجة أرضية بقوة 3.1 درجة على سلم ريشتر بمنطقة جنوب شرق سيدي علي بن عون    أخصائي نفسي يحذّر من التفكير المفرط    سليانة: عطب في مضخة بالبئر العميقة "القرية 2 " بكسرى يتسبب في تسجيل إضطراب في توزيع الماء الصالح للشرب    وفاة 3 أشخاص وإصابة 2 اخرين في حادث مرور خطير بالقصرين    المحكمة الابتدائية بسوسة 1 تصدر بطاقات إيداع بالسجن في حق اكثر من 60 مهاجر غير شرعي من جنسيات افريقيا جنوب الصحراء    التهم الموجّهة لبرهان بسيّس ومراد الزغيدي    مدنين: نشيد الارض احميني ولا تؤذيني تظاهرة بيئية تحسيسية جمعت بين متعة الفرجة وبلاغة الرسالة    سيدي بوزيد: تظاهرات متنوعة في إطار الدورة 32 من الأيام الوطنية للمطالعة والمعلومات    مصر تهدد الاحتلال بإنهاء اتفاقيات كامب ديفيد    زهير الذوادي يقرر الاعتزال    في الصّميم ... جمهور الإفريقي من عالم آخر والعلمي رفض دخول التاريخ    أخبار الأولمبي الباجي: تركيز على النجاعة الهجومية    سبيطلة.. الاطاحة بِمُرَوّجَيْ مخدرات    ر م ع الصوناد: بعض محطات تحلية مياه دخلت حيز الاستغلال    صفاقس تتحول من 15 الى 19 ماي الى مدار دولي اقتصادي وغذائي بمناسبة الدورة 14 لصالون الفلاحة والصناعات الغذائية    امين عام التيار الشعبي يلتقي وفدا عن حركة فتح الفلسطينية    سيدي بوزيد.. اختتام الدورة الثالثة لمهرجان الابداعات التلمذية والتراث بالوسط المدرسي    المالوف التونسي في قلب باريس    الناصر الشكيلي (أو«غيرو» إتحاد قليبية) كوّنتُ أجيالا من اللاّعبين والفريق ضحية سوء التسيير    نتائج استطلاع رأي أمريكي صادمة للاحتلال    إصدار القرار المتعلّق بضبط تطبيق إعداد شهائد خصم الضريبة من المورد عبر المنصة الإلكترونية    حضور جماهيري غفير لعروض الفروسية و الرّماية و المشاركين يطالبون بحلحلة عديد الاشكاليات [فيديو]    اليوم: إرتفاع في درجات الحرارة    حوادث: 07 حالات وفاة و اصابة 391 شخصا خلال يوم فقط..    انشيلوتي.. مبابي خارج حساباتي ولن أرد على رئيس فرنسا    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مع الشروق .. زيت يضيء وجه تونس    قيادات فلسطينية وشخصيات تونسية في اجتماع عام تضامني مع الشعب الفلسطيني عشية المنتدى الاجتماعي مغرب-مشرق حول مستقبل فلسطين    حل المكتب الجامعي للسباحة واقالة المدير العام للوكالة الوطنية لمقاومة المنشطات والمندوب الجهوي للشباب والرياضة ببن عروس    الدورة 33 لشهر التراث: تنظيم ندوة علمية بعنوان "تجارب إدارة التراث الثقافي وتثمينه في البلدان العربيّة"    النادي الافريقي - اصابة حادة لتوفيق الشريفي    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    مدير مركز اليقظة الدوائية: سحب لقاح استرازينيكا كان لدواعي تجارية وليس لأسباب صحّية    نحو 6000 عملية في جراحة السمنة يتم اجراؤها سنويا في تونس..    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    أسعارها في المتناول..غدا افتتاح نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك بالعاصمة    عاجل : إيلون ماسك يعلق عن العاصفة الكبرى التي تهدد الإنترنت    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    بعيداً عن شربها.. استخدامات مدهشة وذكية للقهوة!    تونس تشدّد على حقّ فلسطين في العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتّحدة    في تونس: الإجراءات اللازمة لإيواء شخص مضطرب عقليّا بالمستشفى    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستقبل "الإسلام" والحركات الإسلامية : الشيخ راشد الغنوشي
نشر في الفجر نيوز يوم 16 - 02 - 2010

تعد قراءة المستقبل والتنبؤ باتجاهاته مسألة دقيقة ومغامرة محفوقة بالأخطار، لا سيما إذا تعلق الأمر باستشراف مستقبل تيار مجتمعي ممتد امتداد الإسلام والمسلمين، مثل تيار الحركة الإسلامية، وهو مستقبل لا ينفصل عن صراعات وموازين القوة في المنطقة والعالم، فإلى أين تتجه أوضاع الحركة الإسلامية؟
إن مستقبل الحركة الإسلامية من مستقبل الإسلام باعتبار مبرر وجودها خدمة رسالته وأمته، امتدادا لعمل النبوة، التي توقفت سلسلة مبعوثيها ببعثة النبي العربي محمد رسول الله عليه السلام، إلا أن الرسالة لم تتوقف، فحاجة البشرية الى توجيهات ربّها حاجة مركوزة في أصل الخلقة، وكل تمرد على هذه الحقيقة هو من قبيل الغرور المفضي لا محالة بمقترفيه الى شتى الكوارث. قال تعالى "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا" /سورة طه 124/، يشهد لذلك ويؤكده كل يوم توالي الأزمات والكوارث بقيادة الحضارة المعاصرة التي قامت على الثقة المطلقة في قدرة العقل على تنظيم الحياة ونيل السعادة باستقلال عن النبوة والوحي.
1- أمانة الدّعوة:
وإن من مقتضى ختم النبوة انتقال مهمة التبليغ عن الله وهداية البشرية بإذن ربها الى صراطه المستقيم، من النبي الخاتم الى أمته وريثة له في الإمتداد بالرسالة الى يوم الدين. ولقد كان خطاب النبي الى أمته الحاضرة بين يديه والغائبة، على صعيد عرفة، في آخر حجة له مودعا، واضحا في توريثها الأمانة: القيام على رسالته عملا وتبليغا "فليبلّغ الشاهد منكم الغائب". ولقد استلمت الأمة هذه الوديعة ونهضت بأدائها أفرادا وجماعة، كلّ بحسبه. فكان أول منجزاتها والرسول عليه السلام يسجّى قبل أن يوارى مثواه الأخير، أن حققت لدولته الإمتداد، فبايعت أقرب أصحابه إليه خليفة له، نائبا عن الأمة في إنفاذ الرسالة، فكان الحرص على ألاّ يوجد فراغ في هذا الموقع، ذا أولوية على أداء واجب دفن الميت، وظلت على إمتداد القرون رغم ما حصل من ضروب انحراف تحرص على إقامة الأداة التنفيذية لرسالة الإسلام ألا وهي الحكم. ولأن وجوب إنفاذ رسالة الإسلام منوطة بالأمة باعتبارها المستخلفة عن الله ورسوله في إقامة الدين، فهي صاحبة الشرعية، فهي المسؤولة عن إقامة الحكم ومراقبته وتقويمه إذا اعوج، عودا به الى الصراط المستقيم، أي العدل وفق شريعة الله. ولأن هذا المقصد نسبي في تحققه، فالأمة مسؤولة على الإستدراك على الحاكم واستكمال ما قصر فيه عبر جهود علمائها وإقامة ما يكفي من المؤسسات الأهلية لملء الفراغات التي يتركها الحكم، لا سيما إذا كان الحكم شرعيا أي معترفا بالشريعة مصدرا أعلى للحكم والتشريع حتى وإن قصر عن بلوغ الأمثل، وارتكب مظالم ومنكرات، يمكن أن تجبر من طريق ما يقوم به العلماء من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة المؤسسات الأهلية كالوقف والمدرسة. وظل الأمر كذلك على إمتداد القرون حتى سقوط آخر صورة للحكم الإسلامي 1924.
2- إجهاض ثم ولادة
لقد كان لسقوط الخلافة صدمة كبرى وزلزالا عاتيا في الضمير الجمعي للأمة ، فلأول مرة في تاريخ الإسلام تسقط المظلة الجامعة من فوق الرؤوس ويتشظى الجسم الإسلامي ويتيتّم المسلمون، فلا ناطق بإسمهم، وتسقط الشرعية العابرة للقومية وللمذهب. في أعقاب هذه الصدمة ومن أجل تجاوزها واستعادة الشرعية والمظلة الجامعة ولدت الحركات الإسلامية، أي العمل الشعبي المنظّم الهادف لإستعادة الشرعية التي انهارت، وذلك من منطلق رؤية إسلامية جامعة للإسلام عقيدة وشريعة ، اقتصادا وأخلاقا دينا ودولة، وإعتبار النضال من أجل إعادة بناء دولته وحضارته جهادا إسلاميا واجبا. وبسبب الشعور الحاد بالصدمة والفراغ، لم يلبثت هذا المنظور للإسلام ولإحيائه أن انداح في أرجاء العالم، ولا يزال يمتد ويستقطب إليه أوسع تيارات الإسلام المعاصر دافعا الى أضيق الطريق كل محاولات علمنة الإسلام التي جربت ونجحت مع العقائد الأخرى، فتم تهميشها أو احتواؤها وإعادة تركيبها ونسجها على منوال الحداثة الغربية بما هي إعلاء لشؤون الدنيا على شؤون الدين، وتحكيم للعقول في النبوات وللإنساني في الإلهي. الإسلام وحده من خلال الحركة الإصلاحية أمكن له أن يستوعب الحداثة،"مقتبسا" منها كل ما هو نافع متساوق مع تعاليمه محقق لمقاصده، على شروطه ولخدمته، مهمّشا كل التصورات العلمانية الشمولية المتشددة، والجماعات القائمة عليها.
وفي الآن ذاته حررت الحركة الإصلاحية الإسلامية الإسلام مما التصق به وكبّله وجمّد فعاليته من تراث انحطاطي أغنوصي، فانطلقت آلياته الاجتهادية والجهادية تحريرا للعقول من ربقة الجمود والتقليد وتحريرا لفاعلية المسلم من عقائد الجبر، فدبّت الحياة في الجسم الإسلامي الخامد، إحياء فكريا وأدبيا وفقهيا، ففشت الفكرة الإصلاحية، وعمّت الحركات الجهادية دار الإسلام، بما انكسرت معه واندحرت موجات الإحتلال، وما تبقى منها هو تحت مطارق المجاهدين، وغير بعيد "سيهزم الجمع ويولّون الدبر" / القمر 55/ في أثر أسلافهم.
3-" الإسلام هو الحلّ"
واضح اليوم تراجع الفكر العلماني المتطرف وفشله والجماعات القائمة عليه في الحلول محل الإسلام أو تطويعه، أو تحقيق انجاز مما وعدت به على مستوى الحكم، فلا تحققت في ظلها وحدة للعرب، ولا تحرير لفلسطين ولا ديمقراطية ولا تنمية اقتصادية، وهو ما أعطى مشروعية قوية للتبشير مجددا بالمشروع الإسلامي منقذا، تحت شعار "الإسلام هو الحلّ". وما حصل في تركيا خلال زهاء قرن من ضياع جريا وراء سراب تقدم على خطا أوربا، واتخاذ الإسلام وأمته ظهريا بل عدوا، شاهد على فشل ذريع للمشروع العلماني مقابل ما حققه في سنوات معدودات أبناء المشروع الإسلامي ، عودا الى قيم الإسلام وارتباطا بأمته. وتمثّل حركة حماس في المستوى العربي وكذا حزب الله نموذجا لما يمكن للحل الإسلامي أن ينجزه في مستوى مواجهة العدو في ظل موازين قوة مختلة لصالحه خضعت لها الدول والجماعات العلمانية، وآخرها منظمة التحرير .
ولا يعني شعار "الإسلام هو الحلّ" أن المشروع الإسلامي يمتلك حلولا جاهزة كاملة لكل المعضلات المطروحة على أمتنا وعلى البشرية، ولو كان الإسلام كذلك ما كان صالحا لكل زمان ومكان، ولطوى الزمن حلوله منذ العصر الأول، ولإنتفت الحاجة للإجتهاد المتجدد في كل عصر ومصر وحال، ولا يقول بذلك من له علم بالإسلام وتراثه، نعم، الإسلام هو الحل الوحيد لمشكلاتنا ومشكلات البشرية، إذا توفرت الشروط، ومنها الايمان والعلم والعمل بعقائده وشرائعه وشعائره وأخلاقياته ومقاصده واستيعاب تراثه، وكذا العلم بالواقع المراد البحث له في الإسلام عن حلول، هي بالضرورة متوفرة لديه، إن لم تكن بالنص الصريح، وهي الأقل عددا، فمتضمنة في المقاصد.
وإن أحد سأل مثلا : هل في الإسلام حل للأزمة الإقتصدية التي تجتاح العالم بقيادة الفلسفة الرأسمالية العلمانية الملحدة التي حولت الحياة بكل جوانبها مجالا لسيطرة حفنة من المرابين عبر شركات عابرة للقارات وظفت في خدمتها الدول والجيوش والإعلام والثقافة والسياسة، ودمرت البيئة بما هدد بالفناء الحياة والأحياء؟ لقلنا نعم "ألا يعلم من خلق"/الملك 14/. ففي فلسفة الإسلام وشرائعه ومقاصده القائمة على العدل واقتسام الرزق بين كل الأحياء حلول. ولو طبقت هذه الفلسفة في النظر الى الأرض وخيراتها كما نطقت بها هذه الآية "والأرض وضعها للأنام "/سورة الرحمن 10/، وأنها "سواء للسائلين" /فصلت 10/ وقام نظام مجتمعي ودولي على أساس ترشيد الإستهلاك "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا"/الأعراف 31/ بديلا عن مجتمعات الإستهلاك الكافر، ما احتجنا لمؤتمرات المناخ التي منع الرأسماليون من أن تحدّ من نهمهم واحتكار أقل من 5% من سكان الأرض لأكثر من 90% من خيراتها، فضلا، عن آيات وأحاديث كثيرة كلها تؤكد على العدل بين البشر، وأن الله سبحانه خلق هذا الكون بكل خيراته ومدخراته للبشر بل للأحياء جميعا، وتنهى عن الظلم والإحتكار والإفساد وتتخذ من قارون وفرعون النموذج الأفدح للإفساد السياسي والإقتصادي.
و لو أن هذا المتهم للإسلام بالقصور عن حل مشكلات البشرية الإقتصادية مثلا كلّف نفسه عناء مطالعة كتيب صغير للعلامة القرضاوي"مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام"دون حاجة للمطولات مثل موسوعة الإقتصاد الإسلامي (4 مجلدات) وغيرها، لإنزاحت عنه غمة هذا الشك.
والجدير بالتذكير أن الإسلام لم ينزل اليوم حتى نرتاب في قدرته على حل مشكلاتنا، فقد جربته الأمة، لآكثر من ألف سنة ما احتاجت خلالها من أجل انتاج حاجياتها وزيادة لاستيراد نظريات، فقد كان فقهاؤها الفطاحل هم من استنبطوا من الإسلام أنظمتها الإجتماعية والإقتصادية، حتى أن الدولتين العظميين انجلترا وفرنسا كانت الأولى مدينة لمصر والثانية مدينة للجزائر. لقد أنتج تطبيق الإسلام وليس غيره في الأمم التي دانت به وطبقته حضارة زاهرة، أدارت شؤون البشرية لأكثر من ألف سنة، ولا يزال حتى وهو في غربته يلهم البشرية حلولا لمشكلات استحدثت بتغييبه، مثل تجربة البنوك الإسلامية، ومنها بنوك الفقراء، والضمان التعاوني بديلا عن الضمان الرأسمالي، والمرابحة أي نظام المشاركة بين العمل ورأس المال بديلا عن نظام المراباة القائم على استغلال الغني حاجة الفقير بدل مشاركته، وتخصيص جزء ثابت من رأس المال ذاته فضلا عن الربح زكاة تعيد التوازن الإجتماعي .الخ. صحيح أن النموذج الإسلامي ليس مثاليا إذ يقوم على تنزيله بشر خطاء، والجنة ليست في الدنيا ، حيث العدل نسبي، ولكن التاريخ يثبت أن مجتمعات اسلامية في مراحل تاريخية كثيرة عرفت القضاء على الفقر حتى ما عاد للزكاة من متلقّ، هذا إذا تكاملت حلول الإسلام اندفاعا الى العمل بنيات إيمانية عبادية، وقياما لنظام الأسرة المتضامنة وللحكومة العادلة غير النهابة، وللمجتمع المدني الناهض المتحرر، ولقضاء مستقل ، وشيوع لثقافة اسلامية تعلي من شأن العمل والإبداع ومخافة الله، وقيام شكل من الوحدة يوفر سوقا واسعة تقوم على الشراكة بين العمل ورأسمال وليس على الإستغلال الربوي، وتحافظ على البيئة بدل تدميرها إرضاء لصنم الربح الذي تتعبد عنده الرأسمالية الجشعة، الى جانب توفّر نظام دفاعي كفء. وكل ذلك وأكثر في الإسلام. في شرائعه وقيمه ومقاصده حلول لكل مشكلات البشرية إذا توفرت العقول المؤمنة والإرادات المصممة، وإذا فشلت تجربة هنا أو هناك بسبب غلو أو قصور أو جهالة عند هذا الشخص أو هذا الحزب أو تلك الدولة فهي ليست حجة على الإسلام، فليس في الإسلام كنيسة تحتكر النطق باسمه، وإنما الأمة كلها هي المعصومة.
4- هوامش ... ليس إلاّ
المستقبل هو ترجمة متطورة للواقع ، ورغم رداءة هذا الواقع الذي صنع على الرغم من الإسلام وعلى حسابه، حتى أن السجون والمهاجر مزدحمة بدعاته ، فإن المؤكد أن المستقبل بإذن الله للإسلام ودعاته، فعلى صعيد عالم الأفكار وهو مهم في قراءة المستقبل لم يبق في مواجهة الفكرة الإسلامية شيء مما كان يصارعه وعمل على الحلول محله من شيوعية وليبرالية علمانية متطرفة، وقومية منابذة للدين كلها نفقت وقد اختبرت على صعيد الواقع فتضاءلت أحزابها ولم يبق لشرعية دولها من سند غير العنف والظهير الأجنبي والإستظهار حتى بالعدو الإسرائيلي ولو كان الثمن بناء جدار فولاذي لإحكام الخنق على غزة حاملة المشروع الإسلامي والأمة وراءها. وإن ما انتهت إليه مصر وكذلك منظمة التحرير بقيادة المشروع العلماني من حال مهين وخضوع ذليل للهيمنة الصهيونية الأمريكية لدرجة الإشتراك في فرض الحصار الخانق على غزة وبناء جدار فولاذي حولها، وذلك مقابل صمود غزة بقيادة المشروع الإسلامي كصمود حزب الله، يختصر و يجسد حال المشروعين الإسلامي والعلماني ويلقي الضوء على مستقبل كل منهما. صحيح أن المشروع الإسلامي بلا رأس غير الفكرة وهو ما يورّط بعض أجنحته الفائرة غضبا على ما يقترفه النظام الدولي وأتباعه في الأمة من كيد وإجرام، في أعمال حمقاء، لا تفيد غير العدو، ولكن ذلك لا ينفي أنها هوامش في التيار الإسلامي يضخمها الإعلام ويمدها بالحياة القمع المحلي والدولي.
5- معركة الهوية
الثابت أن ما يسمّى بالإرهاب يجد منابته الأساسية في البيئات المحرومة من الحرية المحكومة بأنظمة فاسدة مدعومة من الغرب بينما البيئة التركية والماليزية مثلا لم تصلح منابت له. الثابت أن الحركة الإسلامية كسبت معركة الهوية، كسبت معركة الرأي العام، ولذلك يتوقع الجميع أنه كلما توفرت مساحة من حرية التباري بين أنصار الفكرة الإسلامية ومنافستها العلمانية أن الحظوظ الأكبر للفوز إنما هي للفكرة الإسلامية. ومهما ظل الميزان الدولي يحول دون ترجمة ما هو تحت، فيما هو فوق، فلن يبقى ذلك الى الأبد، فالغرب ليس قدرا، هزمنا جناحه الشيوعي وعلى نفس الأرض يختبر اليوم بديله الرأسمالي، المتوحل مع الإسلام وأمته لا يدري كيف يخلص مما اعتاد واستمرأ من تسلط على أمة الإسلام عبر أنظمة مستأنسة مدجنة، ولا التخلص من الأخطبوط الصهيوني الماسك بخناقه والمانع له من إعادة التفكير في مصالحه باستقلال عنه، حتى ولو انتهى الأمر بقبوله مرغما التعامل مع عالم اسلامي محكوم لا من بالمصنوعين على أعينه، بل من سوده، السكان الأصليين، وهو لا محالة كائن بإذن الله، إذ الغرب ليس إلها. بل ورّطته أطماعه وتدبيرات الصهاينة له في مآزق مهلكة. وهو في النهاية عقلاني مصلحي، لا سيما وأن الإسلام بصدد تحوله معطى أساسيا في السياسات الدولية والإقليمية ومكونا من مكونات البنية الغربية ذاتها، بما سيجعل صاحب القرار ملزما بأخذ هذا المعطى بعين الإعتبار كلما كان بصدد اتخاذ قرار يخص الإسلام وأمته كما هو يفعل اليوم كلما كان بصدد اتخاذ قرار ذي علاقة باسرائيل أو باليهود، الأمر الذي أخذ هؤلاء يضيقون به ذرعا وكذا المتعصبون فيكيدون له كيدا.الله جل جلاله مبطله.
ذلك هو المستقبل كما يتبدى لنا."المستقبل للإسلام"، قالها شهيد الإسلام سيد قطب وهو في زنزانة ضيقة مقرورة محاطة بعالم يموج علمانيات. والمشنقة في انتظاره، .ومثله نقولها نحن إيمانا بموعودات الرّحمن "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون" /سورة الصف 8/ . إلا أننا نشهد تلك الموعودات عيانا، ودعوة الإسلام تتلاطم أمواجها تغطّي السّهل والوعر ويمتد إشعاعها في العالمين "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون" / التوبة 33/
مجلة المجتمع الكويتية بتاريخ 30 جانفي 2010
المصدر بيرد الفجرنيوز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.