تُدعى "أم سلوترفارت" نسبة إلى حي شعبي في أمستردام تقطنه أغلبية مغربية. قصيرة القامة، لكنها تتمتع بجرأة لا حدود لها. إنها فاطمة صباح، البالغة من العمر 46 سنة، وأول امرأة في هولندا من أصل مغربي، تنافس الرجال في حماية الأحياء السكنية من مشاغبيها، تواجه هؤلاء وآبائهم في حي أمستردام المعروف بمشاكله، حي سلوترفارت. تقول عن نفسها: "غالبا ما يقال عني إنني جريئة، وهذا مؤكد. على المرء أن يتجرأ وأن يدافع عن مواقفه". في مقهى الحشيش عندما أصبح ابنها المراهق مهددا بالضياع، تضخم همها. كانت تنتظر عودته بفارغ الصبر كل ليلة، وحين لا يأتي، ترتدي معطفها وتبحث عنه في الشوارع والأزقة، وفي المقاهي والحانات. وذات مرة بعد منتصف الليل، دخلت كوفي شوب (محل لبيع الحشيش والماريجوانا). " التفت الجميع نحوي، إذ عن ماذا تبحث امرأة في مثل سني، بلباس إسلامي،في مكان كهذا. سمعت أصواتا تهمس: انظر، أليست هذه والدتك؟ اتجهت إلى مصدر الهمس، وألقيت تحية بشوشة على ابني ومن معه. أخبرتهم أنني أيضا أحس بالضياع وجئت إلى هذا المكان للبحث عن سلوى.، فانفرجت أساريرهم عن ابتسامة. لكني وبسرعة التفت إلى ابني قائلة: أنا هنا لأجلك. عانقته وأخذته معي إلى البيت. كبر ابني الآن، وأصبح رجلا مسئولا. لقد نجحت في إنقاذه من الضياع، بل واعتذرت له عن كوني لم أكن منذ البداية أما قادرة على حمايته. كنت دون العشرين حين ولد، وما كنت لأعي جيدا كيف يجب أن أكون أما".
سمير عزوز لا تزال فاطمة صباح دائما وأبدا تنبه الشباب إلى سلوكهم. تتوجه إليهم للاستفسار إذا لاحظت أنهم يتسكعون في الشارع أثناء مواقيت المدرسة. لا تخشى أحدا وتعتبر كل شباب الحي أبناءها، بما فيهم من يطلق عليهم اسم المنحرفين نحو الجريمة. وتعرف كل أبناء الحي منذ صغرهم. سمير عزوز مثلا، ذاك الذي حوكم في بداية هذا العام بأربع سنين سجنا نافذة بتهمة إعداده لتنفيذ تفجيرات، كان يلعب مع ابنتها، ولا تنسى أبدا محياه الجميل. و تعرف أيضا محمد بويري قاتل المخرج السينمائي تيو فان خوخ منذ نعومة أظافره، وأما بلال ب، الشاب الذي لم يتجاوز عمره 22 سنة، والذي سقط قتيلا بقسم الشرطة في شهر أكتوبر الماضي، بعد أن طعن شرطية وزميلها بسكين ، فلا تنساه أبدا. سببت مأساة بلال ومأساة الطفل المغربي الأصل يوسف المختاري من نفس الحي- الذي قتله زميل له في الفصل من أصل تركي قبل عيد الفطر بقليل- حزنا عميقا بالحي. " لم نحتفل بالعيد، أي عيد واثنان من فلذات أكبادنا انتهيا نهاية مأساوية. ماتا قبل أن يذوقا طعم الحياة". تحاول فاطمة أن تساعد الأمهات وتوجههن. حين ذهبت لمؤاساة والدة بلال ب، انزعجت من المحيطات بأم بلال، فقد كانت كل واحدة منهن تحاول أن تشرح لأم بلال كيف قتل ابنها، من تقول مربوطا ومن تقول مكبلا. صرخت في وجههن: " أعزاء هذا ام شماتة؟ ". تنتقد فاطمة كثيرا العقلية السائدة التي تتناقل الشائعات بشكل أهوج، يغيب فيها العقل.
نساء لأجل النساء وبالرغم من دور رئيس بلدية سلوترفارت أحمد مركوش، إلا أن فاطمة صباح ترى أن المسؤولية ليست مقتصرة على السلطات فقط وإنما هي مسؤولية الآباء بشكل خاص. تواجه كثير من الأمهات الأجنبيات عقبة إضافية، لأنهن معزولات عن المجتمع ولا يفهمن شيئا في التربية، تقول فاطمة: "ما أراه مهما للغاية، هو أن الأمهات يتعلمن من أخطاءهن، وهن مستعدات الآن لمعرفة وتقبل أخلاقيات وقيم هذا البلد. ولأننا نساء، فان دورنا كبير جدا في المجتمع. هذا ما لم نتعلمه أبدا كنساء مغربيات". تشجع فاطمة صباح الأمهات عبر مؤسستها"نساء لأجل النساء"، أن يصبحن مستقلات. تقدم للنساء عبر المؤسسة، دروسا في تعلم اللغة الهولندية، وتعلمهن ركوب الدراجة، كما تحثهن على اكتشاف مواهبهن. وتأمل فاطمة أن تكون الخطوة المقبلة مشاركة النساء في التحرك معها داخل الحي. إلا أنه هناك بالتأكيد من لا يشكر لها مجهودها، فبعض رجال الحي يعتبون عليها ويرون أنها تفسد عليهم نساءهم. الهولنديون معنيون أيضاً تتمنى فاطمة أن يشعر الهولنديون أيضا بالمسؤولية لما يحدث في حي سلوترفارت، قائلة: "كيف يمكننا أن نتجنب تكرار ما يحدث؟ لا يجب على هولندا أن تنسى أن أطفالنا هم من يحددون مستقبل هذه البلاد. صحيح أنهم أطفال من أصل مغربي ولكنهم لا يعرفون لهم بلدا آخر غير هولندا. إنهم نتاج هولندي". عندما أتى بها زوجها إلى هولندا قبل ثلاثين عاما وهي في سن السادسة عشرة، لم تكن تتحدث حرفا من الهولندية، بل وكانت امرأة أمية، لكنها اشتغلت في ظرف أسابيع بعد قدومها، وتعلمت اللغة وتعلمت القراءة والكتابة، وكانت تلك بداية استقلاليتها. وحين تعود بذاكرتها إلى الوراء، تقول للنساء حولها: "مثلكن تماما، قدمت أيضا إلى هنا للالتحاق بزوجي، لكن الفرق بيني وبينكن هو أنني انتزعت حريتي، وإلا كنت الآن أيضا أما لعشرة أطفال وبجسم يزن قنطارا".