التمديد في نشر فيلق مشاة خفيف وسرية تدخل سريع تونسيين تحت راية الأمم المتحدة في إفريقيا الوسطى    احفظ لحوم عيد الأضحى بأمان: أهم نصائح الإدارة البيطرية    عاجل: موعد مباراة المغرب ضد تونس والقنوات الناقلة للبث الحي والمباشر    هل نحمي صغارنا من مشهد الذبح... أم نعلّمه معنى القربان؟    هيئة السّلامة الصّحية: تكليف فريق من الأطباء البياطرة لتقديم التوجيهات اللازمة للمواطنين    آلاف المصلين يؤدّون صلاة العيد في المسجد الأقصى    اريانة: بلدية رواد تزيل النقاط السوداء بمنطقة الغزالة    بداية مخيبة لانشلوتي مع البرازيل    مونديال-2026: منتخب أوزبكستان يحقق تأهلا تاريخيا    الأردن وأوزبكستان يحققان إنجازاً تاريخياً بالتأهل إلى كأس العالم 2026    موجة حرارة تقترب... ورياح الشهيلي تعود بقوة يوم العيد!    محرز الغنوشي: ''تذبح العلوش ثم البحر ينادي''    وزيرة الشؤون الثقافية ونظيرها الإيطالي يدشنان معرض "مانيا ماتر: من روما إلى زاما    الحجاج يرمون الجمرات في أول أيام عيد الأضحى    جمرة العقبة تُرمى فجر العيد... والحجاج يشرعون في النحر والطواف    ماذا بعد الانتهاء من رمي جمرة العقبة الكبرى؟    ارتفاع أسعار لحم الضأن بنسبة 19,8% في شهر ماي 2025 (باحتساب الانزلاق السنوي)    الكيان الصّهيوني يشن غارات عنيفة على الضّاحية الجنوبية لبيروت    عيدكم مبروك...    فريق قسم جراحة الجهاز الهضمي "أ" بمستشفى الرابطة ينجز تقنية متقدمة لعلاج سرطانات البطن    بُشرى سارّة : مستشفى الرّابطة يحقق سابقة بشمال إفريقيا في علاج سرطانات البطن    صابة الحبوب: تجميع 992.776 ألف قنطار إلى غاية 4 جوان 2025    المنستير : تراجع حوادث المرور خلال الخمسة أشهر الأولى من العام الحالي بنسبة 8 فاصل 11 في المائة    بلدية المعمورة توزيع أكياس بلاستيكية على المتساكنين لتجميع جلود الأضاحي    ترامب يؤكد أنه طلب من 'المجنون' ماسك ترك منصبه    العاصمة الإيطالية روما تحتضن معرض "مانيا ماتر من روما إلى زاما"    سوق البورصة تجه صعودا هذا الاسبوع    هل ''الكعابر'' تحت أذن الخروف تبطل الأضحية؟    الأوركسترا السمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى في يومها العالمي 21 جوان    ثورة طبية جديدة.. تقنية مبتكرة لإزالة جلطات الدم بفعالية مذهلة    عاجل/ نقل 3 حجّاج تونسيين الى مستشفيات مكّة    المنظمة الفلاحية تدعو إلى تعديل سعر قبول البطاطا الفصلية ب1350 مي/ كغ كحدّ أدنى    علاش ''العلوش'' ما يلزمش ياكل ليلة العيد؟    بوسالم.. يضرم النار في جسد طليقته امام مركز البريد    المتاحف والمعالم التاريخية تفتح أبوابها مجانًا للتونسيين والمقيمين هذا السبت    القيروان: وفاة شخصين وإصابة 20 آخرين في حادث انزلاق شاحنة خفيفة بحاجب العيون    عاجل/ المتّهم بقتل هشام الميراوي يمثل أمام القضاء الفرنسي (تفاصيل)    وزير خارجية بلجيكا: حصار إسرائيل لغزة "فضيحة مطلقة"    نجوم الراي في حلقة استثنائية من برنامج "أنا والمدام" على قناة تونسنا    كأس العالم للأندية: البرنامج الكامل لمواجهات دور المجموعات    استعدادا لبطولة العالم (بولونيا 2025): المنتخب التونسي للاواسط لكرة اليد يواصل تحضيراته بمدينة الحمامات    القصرين: حملات تلقيح الأغنام والأبقار فرصة لتحيين المعطيات وتحديث الأهداف للسنوات المقبلة    وزير الفلاحة يفتتح موسم الحصاد بزغوان    بطولة رولان غاروس: ديوكوفيتش يفوز على زفيريف ويضرب موعدا مع سينر في نصف النهائي    عاجل/ إيقاف عشرات الحجاح يحاولون التسلل إلى مكة سيرا على الأقدام عبر الصحراء..!    مشهد مهيب.. الحجاج على جبل عرفة (فيديو وصور)    مدنين: إحباط تهريب هواتف بقيمة تفوق 690 مليون وفتح تحقيق أمني عاجل    في يوم عرفة: الصحة السعودية تؤكد على الحجاج استخدام المظلات للوقاية من ضربات الشمس    على عرفات: ضيوف الرحمن يؤدون ركن الحج الأعظم    بينها 4 بلدان عربية: ترامب يحظر دخول مواطني 12 بلدا لأميركا    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    عمره عامان.. وفاة رضيع بعد أسابيع من التعذيب على يد جديه    رئيس الجمهورية: لا مجال للتفريط في مؤسّساتنا ومنشآتنا العمومية، وسيتمّ تحميل المسؤولية القانونية كاملة لمن خرّبها    المنتخب البرتغالي يتأهل لنهائي رابطة الأمم الأوروبية بثنائية في مرمى نظيره الألماني    نحو رقمنة شاملة للقطاع السياحي    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الكاتب حسونة المصباحي    المُثَلَّثُ الشُّجَاعُ والمُسْتَطِيلُ اُلذَّكِيُ    طليقة احمد السقا تخرج عن صمتها لأول مرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة الجنازة وضرورة إعادة التأسيس : صلاح الجورشي
نشر في الفجر نيوز يوم 13 - 03 - 2010

تعرفت ابنتي وزوجها المقيمان بإحدى الدول الأوروبية على أسرة مسيحية متدينة، وقد توفرت لي الفرصة لكي ألتقي برب هذه الأسرة، فوجدته عظيم الخلق، واسع الثقافة، رفيع الذوق. وبسبب عدم إنجابه للأطفال، فقد تبنى بنتا من جنوب أميركا، وأصبح يرى فيها ذاته ودنياه التي يستمد منها سعادته وتوازنه. وبمناسبة عطلة آخر السنة الأخيرة، رغبت البنت أن تقضيها بعاصمة هايتي، لكن القدر عاجلها وانهار عليها سقف الفندق الذي كانت تقيم به، ولم يصدق الرجل أن ابنته بالتبني قد انتقلت إلى العالم الآخر، حيث راوده الأمل في أنها لا تزال حية تحت الأنقاض، واستأجر لإخراجها طائرة وفريقا من المختصين، وأصر على أن يرافقهم، ويلازمهم لحظة بلحظة، لكنه عندما رآها جثة ممزقة، لم يتحمل الصدمة، وفارق الحياة إثر نوبة قلبية حادة.
سألتني ابنتي بعفوية: هل يجوز لها ولزوجها حضور موكب الدفن؟ وأجبتها بالموافقة دون تردد، لكن أحد أفراد أسرتي -وهو متدين- طلب مني التريث قليلا للتأكد من صحة الإجابة، وذلك بالرجوع إلى ما يقوله الفقهاء في هذه المسألة. ورغم أني استبعدت أن يكون رأيهم مخالفا، نظرا لكثرة النصوص المشجعة على حسن معاشرة أهل الكتاب، واحترام أماكن عبادتهم، وجواز التزوج منهم وأكل طعامهم، وزيارة مرضاهم، إلا أني أخذا بخاطر هذا القريب، كتبت السؤال التالي على صفحة غوغل: "ما حكم اتباع جنازة الكتابي؟"، فهالني ما قرأت!!
تبين أن هناك اختلافا بين المذاهب السنية حول هذه المسألة. فعلى سبيل المثال منعت المالكية والحنبلية الذهاب وراء جنازة الكافر بمن في ذلك الكتابي، في حين أجازت الشافعية ذلك بالنسبة للكتابي إذا كان قريبا، أي جزءا من الأسرة مثل الزوجة أو الأم. وقد نقل صاحب موقع "إسلام ويب" عن الفقيه السعودي المعروف الشيخ محمد صالح العثيمين قوله بأن "تشييع الجنازة من إكرام الميت، والكافر ليس أهلاً للإكرام، بل يهان". ولا أدري حقيقةً كيف يمكن أن يهان الميت مهما كان دينه أو جنسه، في حين أننا تعلمنا بأن إكرام الميت الإسراع بدفنه حتى لا تتعفن جثته؟ بل إن الشيخ -رحمه الله- قد شكك حتى في جواز تعزية أهل الكتاب في موتاهم فقال: "والراجح أنه إن كان يُفهم من تعزيتهم إعزازهم وإكرامهم كانت حراماً، وإلا فينظر في المصلحة". ومن مظاهر المصلحة عند بعض الفقهاء "رجاء إسلامهم، وكفّ شرهم الذي لا يمكن إلا بتعزيتهم، فهو جائز وإلا كان حراما".
تحضرني في هذا السياق حادثة لافتة في سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، حين توفي المنافق ابنُ أبيّ، وجاء ابنه قائلا: "يا رسول الله، أعطني قميصك أُكفنه فيه، وصلِّ عليه، واستغفر له، فأعطاه قميصه، وقال له: "إذا فرغت منه فآذنّا"، فلما فرغ منه آذنه به، فجاء الرسول ليصلي عليه، فاعترض سبيله عمر بن خطاب مذكّرا إياه: أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين، فقال لك: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم)، ولما اشتد اعتراض عمر على النبي (صلى الله عليه وسلم) في أمر الصلاة قال له النبي: "أخّر عني يا عمر؛ إني خُيّرت، قيل لي: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم)، فلو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر الله له لزدت"، عندها ابتعد عمر، وصلّى عليه، ومشى خلفه، وقام على قبره. هذا التنازع الذي حدث بين محمد بن عبدالله النبي مع أحد أصحابه عمر، يكشف العمق الإنساني الذي كان يتمتع به هذا الرسول عليه الصلاة والسلام. لقد نظر عمر للمسألة من زاوية الأمن القومي، بحكم أن المنافقين كانوا يشكلون طابورا خامسا في قلب المجتمع الإسلامي الوليد والمحاصر، يقومون بالدعاية المضادة ونشر الإشاعات في صفوف الناس، إلى جانب تخابرهم المستمر مع الأعداء، في حين تعامل الرسول مع المسألة من زاوية الداعية الذي يريد الخير للجميع، بمن في ذلك خصومه. لقد كان مؤمنا بأنه جاء ليخاطب الإنسان مطلقا بقطع النظر عن لونه ودينه وجنسه، لهذا عندما مرت جنازة أمامه، قام تقديرا للميت، فقيل له إن الميت يهودي، فأجابهم: "أليست نفسا؟"، أي أليس الميت إنسانا، وذلك حتى ينقل أتباعه من ضيق النظرة إلى كونية الرؤية. لكن بعض الفقهاء أصروا فيما بعد على القول بأن هذه الحادثة المروية في البخاري أصبحت منسوخة!!
هناك بالتأكيد مشكلة في تراثنا الديني، حيث أصبحنا في أشد الحاجة لإعادة بنائه، حتى ينسجم من جهة مع مقاصد الإسلام العليا، ولا يتناقض من جهة أخرى مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي نقر بها، أو يتعارض مع ما نطلقه من مبادرات هذه الأيام، مثل الحماس الذي أصبح يُبديه الكثيرون -حكومات وجماعات- لحوار الحضارات أو الثقافات. والأهم من ذلك هو كيف نثبت أن الإسلام دين عالمي، إذا كانت هذه رؤيتنا لأغلبية سكان الأرض؟
* كاتب تونسي
العرب القطرية
2010-03-13


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.