الإسكندرية يسرية سلامة الفجرنيوز شهدت الدورة الثامنة لمعرض الإسكندرية الدولي للكتاب، مساء أمس، ندوة ثقافية هامة حول "تحديات الثقافة العلمية في الوطن العربي" تحدث فيها كل من الدكتور جاسم بشارة مدير إدارة الثقافة العلمية بمؤسسة الكويت للتقدم العلمى، ود.عبد الهادى مصباح، استشارى المناعة وزميل الأكاديمية الأمريكية للمناعة والكاتب بالأهرام والمصرى اليوم، وأدار الندوة د.مجدى سعيد رئيس الرابطة العربية للإعلاميين العلميين. تناول د. جاسم بشارة موضوع الثقافة العلمية من جانب إحتياجات التنمية العلمية الشاملة في إطار منظومة العلوم والتكنولوجيا و الابداع ( STI )، مشيراً إلى أن الثقافة العلمية على المستوى الوطني هي:منظومة متكاملة للتنمية العلمية من سياسات ونظم وقيم وعمليات معرفية و إنتاجية و إجتماعية ( إما بشكل منهجي أو حتى بشكل عشوائي). وأكد أن مقومات التنمية العلمية، انما تتمثل في: نظام تعليمي فاعل ( إبتدائي ،متوسط ، ثانوي )، وتعليم جامعي فاعل، ومنظومة متكاملة للبحث العلمي، ودور مؤثر للصناعة، وإعلام علمي، ومشاركة المجتمع المدني، مضيفاً أن ذلك أيضاً يتطلب استراتيجية واضحة المعالم مع خطة تنفيذ تفصيلية، وتحفيز للعاملين في المجالات العلمية المختلفة ، وبرامج علمية موجهة للجمهور. وشدد جاسم بشارة على أهمية العلاقة بين التنمية العلمية والثقافة العلمية هي علاقة تكامل، وحول مسألة توطين التكنولوجيا؛ ركز بشارة على الأهمية الاستراتيجية لتجاوز الدول العربية مرحلة نقل التكنولوجيا إلى توطينها، لافتاً إلى أن أحد أهم أركان توطين التكنولوجيا في الدول النامية و في الدول العربية بشكل خاص هو خلق ثقافة الاختراع و الابداع بين أوساط مختلف شرائح المجتمع و ذلك من خلال تقديم الرعاية المناسبة لأصحاب الاختراعات و خصوصاً الافراد منهم . و يتبع ذلك الجرأة على الدخول في مشاريع تنموية ذات جدوى قائمة على التقنية المتقدمة ، وخصوصاً المشاريع الصغيرة والمتوسطة SMEs. وذكر أنه من المهم أن تكون تلك الرعاية و التشجيع من أعلى سلطة ممكنة ، حتى لاتترك فقط إلى آليات السوق العادية . وعرض بشارة للتجربة الإسلامية في مجال الثقافة العلمية، مشيراً إلى قوله تعالى : “ إنما يخشى الله من عباده العلماء ”، وقوله عز وجل : ” سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ”. وأكد أن المنهج العلمي في الاسلام ذو أركان عميقة وخالدة و متجددة، إعتمدت على النظر في ملكوت الله سبحانه واكتشاف عجائبه، موضحاً أن البحث العلمي كان بمثابة القربى إلى الله و خدمة لعباده. وذكر أن العلماء المسلمين نبغوا في عدد من المجالات مثل الطب و الصيدله و البصريات و الميكانيكا و الزراعة و الرياضيات و الكيمياء و الفيزياء و الجغرافيا ومعدات الحروب .. وغيرها كثير . وقد نبغ فيها عدد كبير من العلماء المسلمين، أمثال : الزهراوي، و الرازي، وابن سينا، وابن البيطار، وابن النفيس، وابن الهيثم، والادريسي والجزري . وذهب إلى أن أهم ملامح التجربة الإسلامية: البحث و التجربة الميدانية ، وتجميع البيانات وتحليلها واستخدام الاستقراء الرياضي، ودراسة و نقد تجارب الامم السابقة، والترجمة، والتدوين ، واستخدام اللغة العربية ، وجمعت بين المبادرات الفردية والعمل المؤسسي برعاية الدولة، ودعم السلاطين والخلفاء للعلماء والمشاريع العلمية، وتوقير المشتغلين في هذا الفن ،والمبادرة والسبق على الحضارة الغربية. وقال د. جاسم بشارة " لن نستطيع الوصول إلى تفوق أممي ( كأمة عربية ) إلا إذا حققنا تنمية علمية شاملة ، فهي علاقة تشابكية بين التميز السياسي والاقتصادي والاجتماعي والرخاء المجتمعي وبين التنمية العلمية . كما أن تاريخنا العربي و الاسلامي شاهد على ذلك ، فقد كانت العلوم الاسلامية في الطب والهندسة والكيمياء والرياضيات.. إلخ تسود الدنيا خلال العصر الذهبي للحضارة الاسلامية . وأوضح أن الرسالة الاساسية عندما نتناول الثقافة العلمية هي :خلق ثقافة عامة مجتمعية تقوم على تعزيز المعرفة العلمية و القيم المجتمعية المترتبة عليها، وفتح آفاق جديدة قائمة على المعرفة العلمية من خلال أنشطة الابتكار و الابداع . وتعزيز المرجعية العلمية للأنشطة المجتمعية الأخرى بحيث يكون المحتوى العلمي هو أحد أهم وسائل قياس مدى فاعلية تلك الأنشطة . كذلك شدد على أهمية الوصول نموذج قائم على التميز العلمي سواء كان فرداً أو مؤسسة أو نظام عمل، لافتاً إلى أن هذه المهمة لاتستطيع جهة واحدة بعينها القيام بها، بل هي مناطة بجميع أجهزة الدولة متضامنة (العام والخاص )، بحيث يكون للمؤسسات العلمية و الاعلامية الدور الرئيسي و الموجه . ولفت بشارة ألى انه في بعض الدول العربية هناك عزوف من الطلبة في التعليم دون الجامعي عن التخصصات العلمية و تسربهم إلى التخصصات الأدبية .كما أشار إلى وجود ضعف عام في الدول العربية في مستوى تعليم العلوم والرياضيات في المرحلة الابتدائية والمتوسطة .وقال" أعد البنك الدولي في عام 2007 دراسة في غاية الاهمية حول قياس فاعلية تعليم العلوم والرياضيات في دول العالم و منها الدول العربية ، وجاءت معظم مؤشرات تلك الدراسة تشير إلى أن مستويات الدول العربية دون المتوسط". وألمح إلى أنه برغم الامكانيات العلمية والمالية للدول العربية إلا أن عدد الاختراعات والابتكارات المسجلة رسمياً قليلة ولاتتناسب مع تلك الامكانيات، مما يضيع الفرص المتاحة لابراز الابداعات العلمية العربية . وأكد أن الدعم الذي يقدم بشكل عام في الدول العربية للمخترعين لايتناسب مع أهمية الاختراعات، حيث أن العمل الفردي أو المؤسسي في تطوير إختراعات مكلف و مضني. وأشار إلى أن ثقافة الاختراع العلمي ضعيفة، لافتاً إلى أن الصورة الذهنية التي إرتبطت لدى عموم الناس عن المخترع هي صورة مغلوطة . وانتقد دكتور جاسم بشارة عدم وجود مؤسسات فاعلة لترويج و تسويق الاختراعات و التكنولوجيا في الدول العربية ( technology commercilization، وغياب الاستثمار في التطبيقات التجارية للاختراعات عالي المخاطرة (high risk venture capital . وأكد أن المشاركة العربية في منتديات الاختراعات العالمية ضعيفة، وأرع ذلك إلى أن الحوافز التي تقدم للمخترعين ضعيفة.وقال أن مساهمة القطاع الصناعي في تطوير إختراعات و تقنيات جديدة ضعيفة، فهو في معظمه قطاع يستخدم التكنولوجيا ولايطورها، كما أن مساهمته في تطوير الاختراعات ضعيفة .وانتهى د. جاسم بشارة إلى أنه برغم ذلك كله فهناك محاولات جادة في الوطن العربي تحتاج الدعم . وأعلن الدكتور جاسم بشارة مدير إدارة الثقافة العلمية بمؤسسة الكويت للتقدم العلمى، عن إطلاق الكويت لقناة فضائية علمية مشيراً إلى أنها هدية للعالم العربي، وذلك إيماناً من القيادة الكويتية بأهمية الإعلام العلمي في دعم النهضة العربية العلمية. بينما عاب الدكتور عبد الهادي مصباح، استشارى المناعة وزميل الأكاديمية الأمريكية للمناعة، على العرب تخاذلهم العلمي ن مؤكداً أن العلم ليس شيئاً كمالياً إنما هو القوة . وضرب مثالاً بأزمة فيروس أنفلونزا الخنازير حيث استطاعت الدول القوية أن توفر الفاكسين لشعوبها ولم توافق على تصديره للدول الفقيرة حتى تتأكد من كفاية شعوبها، مؤكداً أن العلم أمن قومي وليس كمالياً. وأشار مصباح إلى أن اليهود استطاعوا أن يقدروا ويغرسوا في أطفالهم قيمة العلم، وهو ما يتضح في عدد اليهود الحاصلين على جائزة نوبل والذين بلغ عددهم 154 يهودي رغم أن اليهود يشكلون ,2 % من سكان العالم ، وحصل على نوبل 12مسلم في حين أن المسلمين يشكلون 1,4مليار مسلم ويمثلون خمس سكان العالم. وأشار د. مصباح أن النسبة تصبح بذلك كل 117 مسلم أمامهم عالم يهودي . وقال أن اسرائيل طلبت من إينشتاين أن يتولى رئاسة الدولة لايمانهم بأهمية وقيمة العلم وما يضفيه من قوة اقتصادية وسياسية. وأرجع عبد الهادي مصباح ذلك إلى اهتمام الدولة الإسرائيلية بالعلوم وأكد أنها تخصص أكثر من 2% من إجمالي الدخل القومي لها لميزانية البحث العلمي وفي البحوث والتطوير. ولفت إلى أن الكثافة السكانية ليست هي العائق والدليل أن الهند والتي تعاني من مشاكل سكانية وطائفية استطاعت اثبات نفسها بقوة في مجال الالكترونيات والبرامج الالكترونية، واستطاعت أن تحقق 6 مليار دولار كدخل لها من خلال تصدير خبراتها في مجال تكنولوجيا المعلومات. وانتقد عبد الهادي مصباح غياب الثقافة العلمية واسلوب البحث العلمي في الدول العربية، وغياب الإسلوب المنهجي في الحياة بشكل عام وفي شتى مناحي الحياة. وأعرب عن أسفه لغياب الضمير الوطني وعدم وجود الحافز القومي. وذهب إلى أن الدول العربية لا تحترم العلماء ولا تقدرهم حق تقدير كما تقدرهم أي دولة في العالم. وعلق الدكتور مجدي سعيد رئيس الرابطة العربية للإعلاميين العلميين، على المتحدثين مشيراً إلى أن التنشئة العلمية تبنى على 3 أشياء هي: وجدان حي، وعقل مبدع، والأخلاق والقيم.