ال "FCR" مرة كل 10سنوات..متى ينطلق تفعيل هذا الاجراء الجديد..؟    السلطات السعودية تفرض عقوبة على كل من يضبط في مكة دون تصريح حج.    الثلاثي الأول من 2024: تونس تستقطب استثمارات خارجيّة بقيمة 517 مليون دينار    مقارنة بالسنة الفارطة: تطور عائدات زيت الزيتون ب91 %    الفيلم العالمي The New Kingdom في قاعات السينما التونسية    الرابطة الأولى: الغموض والتشويق يكتنفان مواجهات مرحلة تفادي النزول    البطولة العربية لألعاب القوى للشباب: ميداليتان ذهبيتان لتونس في منافسات اليوم الأول.    على طريقة مسلسل "فلوجة": تلميذة ال15 سنة تستدرج مدير معهد بالفيسبوك ثم تتهمه بالتحرّش..    كشف لغز جثة قنال وادي مجردة    جربة: حجز أكثر من 500 كغ من الفضّة والبلاكيور المهرّب    4 جوائز لمسرحية تونسية بمهرجان مفاحم الدولي لمسرح الطفل بالمغرب    مائة ألف عمود إنارة عمومي يعمل فقط من بين 660 ألف مالقصة ؟    كتاب«تعبير الوجدان في أخبار أهل القيروان»/ج2 .. المكان والزّمن المتراخي    بطولة روما للتنس للماسترز : انس جابر تواجه الامريكية صوفيا كينين في الدور الثاني    بطولة الكرة الطائرة: نتائج منافسات الجولة الرابعة لمرحلة "السوبر بلاي أوف" .. والترتيب    البنك الدولي: تعزيز الإطار التنظيمي يسرع برنامج تونس الطموح لتطوير الطاقة المتجددة    نقطة بيع من المنتج الى المستهلك: هكذا ستكون الأسعار    «راشد الغنوشي حرباء السياسة التونسية» للكاتب ياسين بوزلفة    عاجل/ نشرة استثنائية: أمطار متفرقة بهذه المناطق..    بطاقة إيداع بالسجن ضد عون بمجمع الصحة الأساسية ببنزرت في قضية مخدرات..    قفصة: القبض على شخص بصدد بيع تجهيزات تستعمل للغشّ في الامتحانات    بوتين يحذر الغرب: قواتنا النووية في تأهب دائم    آخر أجل لقبول الأعمال يوم الأحد .. الملتقى الوطني للإبداع الأدبي بالقيروان مسابقات وجوائز    «قلق حامض» للشاعر جلال باباي .. كتابة الحنين والذكرى والضجيج    هل انتهى القول في قضية تأصيل الأدب ؟    سفير السعودية: بناء المستشفى والمدينة الصحية "الأغالبة" خلال هذه الفترة    كلمة أثارت'' الحيرة'' لدى التونسيين : ما معنى توطين و مالفرق بينها و بين اللجوء ؟    يهم التونسيين : ما معنى التضخم ولماذا ترتفع أسعار السلع والخدمات؟    تأجيل إضراب أعوان شركة ''تاف تونس'' بمطار النفيضة    وزيرة التجهيز تدعم البلديات في ملف البنايات الآيلة للسقوط    إذا علقت داخل المصعد مع انقطاع الكهرباء...كيف تتصرف؟    محمد بوحوش يكتب...تحديث اللّغة العربيّة؟    مدْحُ المُصطفى    ستنتهي الحرب !!    "ألقته في نهر التماسيح".. أم تتخلص من طفلها بطريقة صادمة    ! منديل ميسي للبيع ...ما قصته    بنزرت:معتمدية تينجة تتخذ عددا من الإجراءات العملية لتعزيز المخطط المحلي للسلامة المرورية    نبيل الهواشي يؤكد عودة المفاوضات مع وزارة التربية    وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي تنبه من خطر قائم    عشرات الشهداء والجرحى والمفقودين جراء قصف متواصل على قطاع غزة    خوسيلو يسجل هدفين ليقود ريال مدريد لنهائي رابطة الابطال    بعد التقلبات الأخيرة: ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة بداية من هذا التاريخ    عاجل/ حشانة يفجرها ويكشف عن اتفاق أوروبي خطير يتعلّق بالمهاجرين غير النظاميين..    بدء تشغيل أكبر محطة في العالم لامتصاص التلوث من الهواء    رئيس كوريا الجنوبية يدعو لإنشاء وزارة لتشجيع زيادة المواليد    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة 7 ''بلاي أوف''    يديمك عزي وسيدي ... أصالة ترد على شائعات طلاقها من فائق حسن    البنك الدولي: بإمكان تونس تحقيق نمو اقتصادي هام بداية من 2030    محيط قرقنة يُقصي الترجي من سباق كأس تونس    معهد باستور: تسجيل ما بين 4 آلاف و5 آلاف إصابة بمرض الليشمانيا سنوياّ في تونس    90 % من الالتهابات الفيروسية لدى الأطفال لاتحتاج إلى مضادات حيوية    السباح التونسي احمد ايوب الحفناوي يغيب عن اولمبياد باريس    عاجل/يصعب إيقافها: سلالة جديدة من كورونا تثير القلق..    عاجل/ فضيحة تطيح بمسؤولة بأحد البرامج في قناة الحوار التونسي..    "دور المسرح في مواجهة العنف" ضمن حوارات ثقافية يوم السبت 11 ماي    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    بعض مناضلي ودعاة الحرية مصالحهم المادية قبل المصلحة الوطنية …فتحي الجموسي    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مَن الضعيف: أوباما أم أمريكا؟
نشر في الفجر نيوز يوم 18 - 03 - 2010

هل دخلت رئاسة باراك أوباما مرحلة الخطر بعد أن باتت تُهمة الضعف سِمة مشتركة يتقاسُمها خصومه وأنصاره على حدّ سواء؟ ثم، لماذا يبدو الرئيس الأمريكي الشاب على هذا النّحو المُتضعضع بعد مرور عام على وجوده في البيت الأبيض؟
هل السبب شخصي أم أنه انعكاس لأزمة موضوعية أعمق تعيشها الولايات المتحدة نفسها؟ سنأتي إلى هذين السؤاليْن بعد قليل. قبل ذلك، وقفة أولاً أمام الأجواء المُحيطة بأوباما هذه الأيام.
اتِّهامات
كان داوود أوغلو، وزير الخارجية التركي، هو ثالث شخصية عالمية تتّهم مؤخراً الرئيس الأمريكي أوباما ب "الضعف". قبله، كان الرئيس الفرنسي ساركوزي يخرج من اجتماع مع أوباما ليقول إنه لم يجِد سمة واحدة تدلّ على أنه سياسي قوي. وقبل ساركوزي وداوود أوغلو، كان بريجِنسكي يُعرب عن خيبة أمله من أداء أوباما في سنته الأولى ويحضّه على الانتقال من موقع الخطيب المفوّه إلى موقع رجل الدولة الذي يفرض وجوده.
هل هؤلاء السياسيون الثلاثة على حقّ في اتهاماتهم؟ وألا تتضمن هذه الاتهامات بعض الظلم؟
حسناً. ربما مسألة الظلم واردة بالفعل، حين نتذكّر أمرين اثنين: الأول، أن أوباما ولج إلى البيت الأبيض فيما كانت أمريكا تتأرجح على شفير ما كاد أن يكون أسوأ أزمة اقتصادية - مالية خلال نصف قرن، ولذا، كان مُضطراً أن يُكرّس جُلّ جهوده للقضايا المحلية وأن لا يعطي السياسة الخارجية سوى بعض "الوقت المُقتطع". والثاني، أن رئاسة أوباما ترافقت مع تطوّر خطير كان لا يني يتفاقم منذ عهد ريغان، وهو النفوذ القوي للغاية الذي باتت تمتلكه مختلف اللُّوبيات (قوى الضغط) على السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
في السابق، كان هذا النفوذ موجوداً بالطبع، لكنه اقتصر على قيام الكونغرس بعرقلة بعض قرارات أو توجّهات الإدارة، لكن الآن أصبحت اللوبيات هي التي تفرض السياسة الخارجية التي تريد والنماذج عديدة: من قرار اعتبار الأرمن الذين سقطوا في اضطرابات عام 1915 ضحايا "إبادة جماعية" إلى إصدار تشريع بفرض عقوبات على إيران ومواصلة العقوبات على سوريا، وصولاً إلى اعتبار حماس وحزب الله منظّمتين إرهابيتين.
في كل حالة من هذه الحالات، كان الكونغرس يخدم مصالح أجنبية أو حتى مُضرّة بالمصالح الإستراتيجية الأمريكية. وفي كل حالة، كانت الإدارة تقِف عاجزة، أساساً لأن غالبية الشعب الأمريكي تفتقد إلى ألِف بَاء المعرفة الجغرافية والسياسية، ولا تعرف أين تقع أفغانستان وباكستان وحتى العراق (حيث يُقاتل أبناؤها) على الخريطة.
أوباما يدفع الآن ثمن تراجُع سلطة الإدارة وتقدّم سلطة اللوبيات، وهذا الأمر يزداد خطورة حين نتذكّر أن هذه اللوبيات لها وجود قوي للغاية داخل البيت الأبيض وفي البنتاغون ومجلس الأمن القومي.
هذان المُعطيان، أي الأزمة الاقتصادية وقوة اللوبيات، يشجِّعان على إصدار حُكم تخفيفي على أوباما، خاصة وأنه (في المقابل)، نجح في السنة الأولى في تقديم صورة لأمريكا على أنها قوة عُظمى متواضعة ومستعدّة للتأقْلم مع متغيّرات القرن الحادي والعشرين.
لكن، حتى لو كُنا نحن مستعدّين للتّسامح مع أوباما، فإن التاريخ قد لا يُبدي هذا القدر من التسامح، وهذا لسبب خطير: ما لم يتحوّل أوباما إلى رجل دولة ويوفّر حلولاً لمشاكل فلسطين وإيران وأفغانستان، فإن أمريكا ستخسِر بالفعل زعامتها العالمية وسيكون هو المسؤول الأول عن ذلك.
رائحة الدّم
هذا الأمر كان واضحاً كل الوضوح في أبعاد ومضاعفات الاستخفاف الشديد الذي تُبديه حكومة نتانياهو للرئيس الأمريكي أوباما والذي تحوّل (أو يكاد) من أزمة ثُنائية بين الطرفيْن، إلى أزمة عالمية لواشنطن.
فالاتهامات له بالتّخاذل وبأنه "pullover" (أي شخص يسهل التغلب، بل والدوس عليه)، أصبحت لغة مشتركة بين الجمهوريين الأمريكيين وباقي الجمهوريين والملَكيين في العالم. وحتى أنصاره في قادة الحزب الديموقراطي باتوا يخشوْن من ربط أسمائهم به، خِشية أن يدفعوا الأثمان الانتخابية في أمّة اشتهرت بحبِّها للشخصيات القوية والشجاعة.
استتباعات هذا التطوّر في حال استمراره، فائقة الخطورة، إذ أنه يطلق رسائل في كل أنحاء العالم بأنه بات في وُسع أيٍّ كان أن يتحدّى الزعامة الأمريكية وينفد بريشه من عقوباتها. وهذا يصح أكثر ما يصح على الدول الكبرى، كروسيا والصين، أو السائرة على طريق الكِبَر كالبرازيل والهند وتركيا وغيرها.
روسيا، التي كانت أول من اشتمّ رائحة الدّم في الإدارة الأمريكية الجديدة، سارعت إلى الإفادة من هذه الفرصة لتشديد قبضتها على جورجيا واستعادة نفوذها في أوكرانيا وتثبيت أقدامها في آسيا الوسطى، على رغم كل رسائل القلق التي أطلقتها نحوها إدارة أوباما.
وكذا فعلت الصين، التي رفضت تنسيق سياساتها مع واشنطن إزاء إيران والشرق الأوسط، وواصلت "غزواتها "الخاصة لمنابع النفط والموارد الطبيعية الأخرى في إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
أما البرازيل، فقد حفّزها ذلك على رمْي قفّاز الاستقلال في وجه الولايات المتحدة، فأدارت ظهرها إلى كل دعوات هيلاري كلينتون لها لقطع علائقها الاقتصادية مع إيران.
والحبل لايزال على الجرار..
هذه الوقائع الدولية، وليس مشاعر الغضب من إذلال نائب الرئيس بايدن، هي التي دفعت هذا الأخير ومن بعده كلينتون إلى إصدار أول بيانات انتقاد إلى الدولة العبرية. بيد أن مثل هذه البيانات لا تُرجّح أن تَفي بالغرض، وهو استعادة هيبة أوباما ومعه الهيبة الأمريكية نفسها. فبيان بادين، الذي كان الأعنف، اكتفى ب "إدانة العمل (بناء منازل استيطانية جديدة)، الذي يُشعل التوتّرات"، وبيان كلينتون، لم يتخطّ بأي حال مستوى إبداء الأسف والشكوى، على رغم وصفه بالقوي. لكن، حتى لو كانت هذه البيانات قوية بالفعل، فهي قد لا تستأهل الحِبر الذي أُريق عليها، إذا لم ُتستتبع بإجراءات على الأرض من جانب أوباما.
قد يُقال هنا أن الرئيس الأمريكي سيكون عاجزاً على القيام بهذه الإجراءات، لأن الكونغرس الأمريكي "الصهيوني"، يقف له بالمِرصاد، كما أشرنا أعلاه، وهذا صحيح في بعض الجوانب، ولكن ليس كلها. فالكونغرس سيرفض أي قرار من الإدارة بوقف المساعدات المالية والعسكرية الضخمة لإسرائيل، لكن في وسع أوباما أن يفعل ما فعل الرئيس جورج بوش الأب في عام 1991: التهديد بأنه لن يكون في وسع تل أبيب بعد الآن اعتبار المساعدات الأمريكية لها أمراً مضموناً وبديهياً. فهذا وحده يُمكن أن يؤدّي (بل سيؤدّي حتماً) إلى نسف كل الدّعم الداخلي الذي تتمتع به حالياً حكومة نتانياهو، وإلى إعادة تشكيل السياسات الإسرائيلية على أسُس جديدة.
الكرة الآن في ملعب أوباما، لكن الشباك هذه المرة لم تعد إسرائيلية وحسب، بل عالمية أيضا. وما لم يثبت الرئيس أوباما أنه رئيس حقاً، فإن عشرات الأهداف الدولية ستهزّ الشباك الأمريكية نفسها.
خلل أمريكي
نعود الآن إلى السؤاليْن الأوليْن: هل أزمة رئاسة اوباما شخصية أم أنها تعبير عن أزمة أمريكية عامة؟
ثمة مؤشّرات بالفعل على بدء بروز شروخ عميقة في صرح البنيان الأمريكي ناجم أساساً عن الانحدار النِّسبي للقوة العظمى الأمريكية في العالم بسبب تآكل قوّتها الاقتصادية، وهذا ما وضعها تحت رحمة القانون الذي اكتشفه بول كينيدي (في كتابه "صعود وسقوط الدول الكبرى")، والذي أطلق عليه إسم "لعنة التمدّد الإستراتيجي الزائد".
كيف؟ خطاب الرئيس أوباما في موفى يناير الماضي عن "حال الأمة" الأمريكية، ألقى أضواءً باهِرة على مسألة التآكل الاقتصادي هذه. صحيح أن بلاغة أفصح الرؤساء الأمريكيين لم تغِب، وصحيح أيضاً أن أوباما رفض نصيحة مستشاريه بأن يركّز على الاقتصاد والوظائف ويتخلّى عن شعاره الشهير "نعم، نستطيع" (التغيير)، إلا أن خطابه من ألِفِه إلى يائِه، كان اعترافاً فاقعاً بأنه كرئيس في أزمة كبيرة وأن حزبه الديمقراطي في أزمة أكبر وأن أمريكا ككل في أزمة أكبر وأكبر.
أهداف أوباما الرئيسية لا تزال على حالها: برنامج الرعاية الصحية وتنظيم وول ستريت وتوفير وظائف جديدة وإطلاق الطاقة الخضراء. والإضافات الوحيدة التي قُدّمت لإرضاء الجمهوريين الحانقين، تمثّلت في تأييد بعض بنود برنامجهم المتعلّق بدعم الطاقة النووية المدنية وإسقاط حَظر التنقيب عن النفط والغاز في بعض المَحميات وتجميد الإنفاق الحكومي لثلاث سنوات، ما عدا في موازنات وزارة الدفاع و"السي. آي.إي" ورعاية المُسنين.
بيد أن كل هذه الإجراءات لن تكون قادرة على تحقيق ما دعت إليه مجلة "التايم": تجديد برنامج أوباما التغييري. فلا الشعب الأمريكي سيبتلع الوعود الجديدة، وهو يرى أوباما يضع نفسه في خِدمة حِيتان وول ستريت، على رغم انتقاداته لجشعهم، ولا الحزب الجمهوري سيكون في وارد إلقاء السلاح، بعد أن اشتمّ رائحة دَم أوباما وديمقراطييه في ماساشوستش.
ماذا يعني كل ذلك؟
الكثير، الكثير. إنه يعني أولاً، أن الأزمة الاقتصادية - الاجتماعية الأميركية، أكبر بكثير من إدارة أوباما، وهذا قد يُفسّر لماذا هذه الأخيرة تبدو كقشّة في مهبّ بحر متلاطم، بدل أن تكون سفينة إنقاذ تقود أمريكا إلى برّ الأمان.
كما أنه يعني أن طائرة السياسة الخارجية الأمريكية ستكون طيلة السنوات الثلاث المتبقية من عهد أوباما، أسيرة مطبّات هوائية داخلية كُبرى، خاصة بعد أن تبيّن أن التقارير عن بدء تعافي الاقتصاد الأمريكي، كان مبالغاً فيها.
الخطاب عن حال الأمّة كان تأكيداً بيِّناً لهذه الفرضية، إذ لم تحتل السياسة الخارجية فيه سوى خمسة أو عشرة بالمائة منه، فغاب الصراع العربي - الإسرائيلي، الذي كان على رأس أولويات أوباما منذ اليوم الأول لدخوله البيت الأبيض كلياً عن الخطاب وحظيت أفغانستان وباكستان والعراق بفقرات سريعة، هذا في حين ذكّر تركيز أوباما على حربه المتصاعِدة ضد الإرهاب الكثيرين بسياسات الرئيس السابق بوش.
لكن، وحتى قبل خطاب أوباما، كانت ثمّة معطيات عدّة تشي بأن ثمّة إعصاراً اقتصادياً جديداً يحشد غيومه الدّاكنة الكثيفة في سماء الولايات المتحدة ويهدد بأن يكون أخطر من التسونامي المالي الذي ضربها عامي 2008 و2009.
العنوان الأبرز لهذا الإعصار: الإفلاس.
فولاية بعد ولاية، بمن فيها نيويورك وكاليفورنيا، التي تعتبر خامس أكبر اقتصاد في العالم، تستتنجد الآن بالحكومة الفدرالية، طالبة إلقاء طوق النجاة إليها، وولاية بعد ولاية تجِد عائداتها من الضرائب تتبخّر بسرعة تبخُّر أمطار الصيف وتعجز عن الوفاء بالحدّ الادنى من الخدمات الاجتماعية والصحية لمواطنيها.
"مركز الموازنة وأولويات السياسة"، وهو مؤسسة أبحاث بارزة، يُقدِّر بأن عجوزات الموازنات في 44 ولاية سيصِل خلال السنتين الماليتين 2010 و2011 إلى رقم فلَكي يبلغ 350 بليون دولار. ومن دون مساعدة فدرالية عاجلة، ستكون هذه الولايات مضطَرة إلى صرف مئات آلاف آخرين من العمال والموظفين والمعلّمين في المدارس الرسمية.
ويوضح بوب هربرت، الكاتب في "نيويورك تايمز" أن الأزمة المالية في الولايات هي الأقسى منذ الكساد الكبير عام 1929، وكذا الأمر بالنسبة إلى انهيار عائدات الولايات من الضرائب، وأن الكارثة لن تقع قريباً، بل هي تحدُث هنا والآن.
لعبة الأرقام تُعزِّز هذا الرأي، إذ لا تزال نِسب البطالة العامة تفُوق العشرة في المائة، لكنها في ديترويْت، عاصمة صناعة السيارات الأمريكية، تجاوزت حدود الثلاثين في المائة، ودفعت قطاعات واسعة من الطبقتيْن الوسطى والفقيرة إلى مغادرة العصر الصناعي – التكنولوجي والعودة إلى عصر الزراعة، بدعم من مؤسسات دينية واجتماعية.
جنباً إلى جنب مع هذه الأزمة الاقتصادية – المالية، هناك أيضاً أزمة الخلل السياسي. فالحزب الديمقراطي، الذي سيْطر على البيت الأبيض ومجلسيْ الكونغرس، وهو يرفع رايات الإنفاق الحكومي والعدالة الاجتماعية، يجد نفسه عاجزا كلياً عن الوفاء بالحدّ الأدنى من هذه الوعود. والحزب الجمهوري، الذي يدعو إلى خفض الضرائب عن الأغنياء كوسيلة لحفزهم على زيادة الاستثمار، لم يعُد في مقدوره طرح هذا الشعار، فيما خزائن الولايات تكاد تفرغ إلا من جحافل الفئران. والحصيلة: شلل سياسي شبه تام!.
ماذا في وسع إدارة أوباما أن تفعل في مثل هذه الظروف؟ إنها تنوي أن تطلب من الكونغرس الموافقة على رصد 50 بليون دولار لصرفها على إعادة ترميم البُنى التحتية، بهدف توفير فُرص عمل جديدة، لكن، حتى هذه الخطوة ستقابَل باستهجان كبير، إذ سيتذكّر الكثير من الأمريكيين أن الإدارة صرفت وستصرف، ما يقرب من تريليون دولار لإنقاذ المصارف العِملاقة من الانهِيار، فيما هي ترمي بالفَتات إلى الطبقات الوسطى والفقيرة، كما سيتذكّرون أيضاً أن الحِيتان المالية التي ابتلعت هذه الكميات الهائلة من الأموال الفدرالية، لم تفعل أي شيء البتّة لرد الجميل في شكل قروض ميسّرة للأسماك الصغيرة، التي تشكّل الغالبية الكاسِحة من الشعب الأمريكي.
ثلاثة حلول
الإعصار الزاحِف إذن، سيكون عاتِياً بالفعل، ومما سيزيد الطِّين بلّة، أن ردود الفعل عليه هي الآن غاية في التبايُن وحتى التناقُض: من الدّعوة إلى إيجاد "حلول دينية" إلى تحميل طرَف خارجي (الصين) المسوؤلية، والمطالبة بتجريد حملة اقتصادية عليها، وصولاً إلى تشجيع أمريكا على إعلان "إفلاسها".
ما منطق ومبرّرات كل من هذه الأطراف الثلاثة؟ نبدأ مع الحلّ "الدِّيني". أعلى الأصوات المطالبة بمثل هذا الحل، رجل دين هو جيم والِيس، مؤلِّف كتاب صدر قبل فترة وجيزة بعنوان "إعادة اكتشاف القِيم"، الذي يعتبر أن الأزمة الاقتصادية الرّاهنة هي أزمة روحية وأزمة قِيم أيضاً، وأن أي محاولة لاستعادة عافية الاقتصاد الأمريكي يجب أن يسبقها تعافٍ أخلاقي.
كيف؟ عبر تحدّي الآلهة الزّائفة لوول ستريت وتذكير الناس بمَن هو الله (تعالى) ومَن هو غير الله، وبما أن البشر هُم قهرمانات خلق الله، فيجب أن يسودوا هُم السوق لا العكس، كما يجب أن يحل مكان الوعد الزائف للسوق بتحقيق نمُو واستهلاك لا نهاية لهما، التّواضع والقِيم الإنسانية والحدود الأخلاقية. يجب أيضاً أن تكون أولى الوصايا العشر: "هذا يكفي إذا ما تشاركنا به"، لا وصية السوق: "هذا لن يكون كافياً أبداً".
ويدعو والِيس إلى مقاطعة المصارف الكبرى ودفع المجتمع المدني إلى بناء أسُس اقتصاد انتاجي تعاوُني جديد. وعلى رغم أنه لا يتلفّظ لا بتعبير الرأسمالية ولا بمُصطلح الاشتراكية، إلا أن ما يعني ويستهدف واضح وبيّن.
الحل الثاني، أي تصدير الأزمة الأمريكية إلى الصين يقوده صقور البنتاغون وكواسر الجمهوريين المحافظين، الذين يرون أن ما يسمونه السياسة الحمائية الصينية، هي السبب الرئيسي وراء خسارة الأمريكيين للوظائف ووراء العُجوزات الكبيرة في الميزان التجاري. أما كيف تصدير الأزمة، فالأمر سهْل: شنّ مُجابهات اقتصادية مع الصين، قد لا تكون هي الحرب التجارية المعهودة (بسبب التشابُك العميق في المصالح الذي خلقته العولمة)، لكنها على الأقل تقف على حفافها.
نأتي الآن إلى الحل الثالث: حفز الولايات المتحدة على إعلان إفلاسها؟ لوهلة، قد تدعو هذه دعوة مجنونة على رغم أن من يتبناها هُم بعض العقلاء من اقتصاديي المؤسسة الأمريكية، لكنها ليست كذلك، إذ أن أنصارها يسردون أدلّة متلاحقة لإثبات أن الإفلاس يؤدّي في الواقع إلى قيامة اقتصادية تُشبه تلك التي يفرزها "التّدمير الخلاّق" في الكوْن والطبيعة والمجتمع.
وعلى سبيل المثال، إصلاحات دنغ هسياو بينغ الرأسمالية في الصين، لم تكن لتبدأ عام 1978 لولا وصول بلاده آنذاك إلى أزمة مالية بنيوية خطيرة. ونهضة الهند بدءً من عام 1991 لم تنطلِق إلا بعد أن تدهْوُر احتياطي العملة الصّعبة فيها بشكل كارثي، كما تكرّر الأمر نفسه في المكسيك والبرازيل والأرجنتين وروسيا، التي لم تنهض من كبوتها إلا بعد أن وصلت إلى مرحلة الإفلاس، وبالتالي، لا يجب أن يرتاع الأمريكيون كثيراً إذا ما وصلوا هم أيضاً إلى عتَبة الإفلاس، فربّ ضارّة نافعة، لكن، هل الإفلاس سيكون حقا نافعاً في أمريكا، خاصة وأنه قد قد يؤدّي إلى انهيار أو تزعزع زعامتها العالمية؟ لا يعتقد كثيرون ذلك، كما لا يرون أيضاً أن الحلّ هو تسخين الأوضاع مع الصين، وبالتالي، لن يبقى أمام أمريكا، على ما يبدو، سوى الحلّ الدِّيني أي التضرّع إلى السماء بدل الرّكوع أمام أصنام وول ستريت!
ويبدو أن هذا كلّ ما يفعله أوباما الآن: الصلاة، لكن هل هذه الصلاة قادِرة على إنقاذه من تُهمة الضّعف والتّهاون، لا بل حتى من عمليات الهوان التي تمارسه ضدّه تل أبيب ومعها الكونغرس الأمريكي؟ لا نعتقد.
سعد محيو - بيروت – swissinfo.ch


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.