بقلم الحبيب بوعجيلة الفجرنيوز 1) مقدمة توضيحية الكاتب يجلس إلى مكتبه وظهره يستند تماما إلى رفوف كتبه التي حبرها على امتداد تاريخ عمره الطويل ....الأوراق مفتوحة أمامه على بياضها ...في ركن مظلم من غرفته الحزينة يرتفع صوت" ماجدة" الملائكي اخرج من معطفه الجريدة ....تتحرك أصابع الكاتب مرتعشة نحو علبة تبغه الوطني ...يتناول لفافة يشعلها بحركة عصبية ويأخذ نفسا قويا ....حين يأخذ الكاتب نفسا قويا ينطلق فجأة في سعال هستيري رهيب ...حين ينطلق الكاتب في سعال هستيري رهيب يقول في نفسه الإمارة بالسوء " النذل ...اخذ ثمن علبة ممتازة ليبيعني علبة رديئة من التبغ الوطني الرديء ...لن اسميه بعد الآن حمصا ...سأسميه قلابا" ....حين يقول الكاتب في نفسه الأمارة بالسوء هذا الكلام تقول نفسه اللوامة " هذا ثلب ...هذا هتك للأعراض ...الحماص ليس قلابا ...هذه مشكلة وكالة التبغ الوطني والوقيد وأشياء أخرى " حين تقول نفس الكاتب اللوامة هذا الكلام تعود نفس الكاتب الأمارة بالسوء فتقول بدورها " لا باس ...هذا ليس ثلبا ...هو في كل الحالات يبيع الحمص والقلوب والفستق والبندق ...واللوز والكاكاو ...ويمكن أن نسميه بأي بضاعة باعها ...حماصا ...قلابا ...لوازا ...فاسقا ...نسبة إلى الفستق "....حين قالت نفس الكاتب الأمارة بالسوء هذا الكلام ...انطلقت نفسه الضحاكة في قهقهة هستيرية ضاعفت من سعاله الهستيري الرهيب كما قلنا سابقا ... اقو ل انا كاتب هذه السطور حول هذا الكاتب" يا سادة يا مادة –وأنا أصلا لا اعرف ما معنى مادة – ولهذا يمكن إسقاطها ...أقول يا سادة فليكن واضحا لديكم أن الكاتب المذكور أعلاه يجلس إلى مكتبه وظهره يستند تماما على رف الكتب ...يا سادة ...الكاتب غير مصاب بالفالج عافكم الله ...ولكنني لا أتحمل مسؤوليتي في ما يمكن أن يقع ....قد تسقط كتب الكاتب على الكاتب ويموت جاحظ العينين ...مقطوع الأصابع ....مجدوع الأنف ...مقصوص اللسان ...كغيره أصلا من كتاب وأدباء ومفكري هذه الأرض المحروسة ....أنا يا سادة لم اخطط لنهايته بهذه الطريقة ولكن ليس بالضرورة أن يخضع مصير كاتب مثله إلى تخطيط كاتب مثلي ...يمكن أن يقع له ما لم اخطط له وبالتالي فلا يقع له ما خططت له ....أنا أيضا يا سادة قد يقع لي ما لم اخططه لنفسي ....فلا أموت مثلا ...تحت كتبي ...مجدوع الأنف ...مقطوع اللسان ...الخ ...الخ" 2)نهاية المقدمة التوضيحية وبداية ما يأتي عادة بعد المقدمة الكاتب الجالس تماما إلى مكتبه وظهره إلى رفوف مكتبته تمنى وقال في نفسه الأمارة بالإحباط أحب ...أحب ...في هذا الزمن الكلب ...أحب أن اكتب رواية يصبح فيها كافور صانع شعر ويتحول فيها المتنبي إلى سامع بليد ....أحب أن يقول كافور ....يا أبا الطيب لا سيف ولا رمح ولا قرطاس ولا قلم ...بل خازوق وقطع لسان ....يا أبا الطيب أنا المدى ...أما سيف الدولة فقوس نغلقه كي تآكلك بيد وراءها بيد وراءها بيد ....أحب أن ....أحب أن اكتب قصة يصرخ فيها الوزير في وجه أبي حيان ...بابن الجبانة أنا أحول ليالي إمتاعك إلى مؤانسات أو جحيم ...وإشاراتك أرسلها إلى جحيم الشياطين ...اخرس يا توحيدي ويكفيك منا كسوة ومجلس ندمان ...يا باب حيان أنا التاريخ والمعنى أما هراؤك فاحرقه ان شئت وانثر رماده في الخلاء...الكاتب الجالس إلى مكتبه كان يتمنى ...متى اكتب قصة يتحول فيها بيدبا إلى سامع حكايات من نسج حكمة دبشليم ...متى يصبح شهريار صانع كلام إمام أبناء الجواري هؤلاء ....كان الكاتب الجالس يتمنى ...ثم يجهش بالضحك والسعال والبكاء ....كان الكاتب الجالس تماما وظهره إلى كتبه المرصوفة يتمنى ويضحك ويسعل ويبكي مثل يتيم .... 3)نهاية ما أتى بعد المقدمة واليكم الآن ما يشبه الخاتمة الأبطال الجالسون في صفحات كتب الكاتب الجالس إلى مكتبه كانوا يسمعون تماما أمانيه ....غضبوا ....أحسوا بالقهر ...كيف يتحول هذا الكاتب إلى عبد لنفسه الأمارة بالأوهام والإحباط والسقوط ....الأبطال الجالسون في صفحات كتب الكاتب الذي يتمنى خرجوا من صفحات الكتب ...قال الأول اكتب ....أجاب الكاتب ما أنا بكاتب ....ضحك الثاني وقال " نبي ...تريد أن تكون نبيا ...قال الكاتب الذي قال ما أنا بكاتب ..".ارجعوا إلى مكانكم في الكتب" ...قال الأبطال المستعارون ..."لن نرجع ''...كانوا كثيرين ...عروة ابن الورد ...والهلالي ...والزير ...كانوا كثيرين ...الخنساء وزرقاء اليمامة ...غسان كنفاني ...وعبد الرحمان منيف ...كانوا مثل الجنود يزحفون من كل صوب وعلى كل ضامر يأتون ...قالوا للكاتب الذي يجلس إلى مكتبه مستندا إلى كتبه ...لن تسقط كتبك فوق راسك ولن تموت جاحظا هذه المرة وسيضمحل كافور ودبشليم والوزير ...سيهرب شهريار أمام أبناء الجواري ...لن تموت ولن تدخن بعد الآن تبغا وطنيا رديئا ....."