صحيح أن كل الأعمال والانتاجات المسرحية التي أمضاها أو شارك في امضائها الفنان المسرحي الفاضل الجعايبي عبر مختلف محطات مسيرته الفنية سواء ضمن مجموعة «المسرح الجديد» (العرس - غسالة النوادر - عرب -...) أو في اطار مجموعة «فاميليا» (عشاق المقهى المهجور - فاميليا - جنون...) كانت لا تخلو من « تعاط « مع القضايا السياسية سواء منها الوطنية أو العربية... فمسألة الحريات والانتصار لذات الانسان (المواطن) ولحقوقه المدنية والسياسية والتنديد بمختلف أشكال القمع والقهرالسياسي أو الاجتماعي هي بمثابة الثوابت في الخطاب المسرحي في أعمال الفنان الفاضل الجعايبي... غير أن المتتبع لأحدث انتاجات هذا المسرحي سيلاحظ أن البعد السياسي بدأ يتعمق أكثر بل ويهيمن خاصة من خلال مسرحية «خمسون» التي يمكن تصنيفها أنها مسرحية سياسية بامتياز وهي عمل قارب من خلاله الفاضل الجعايبي ظاهرة التطرف الديني وتبني خطاب وطروحات الاسلام السياسي خاصة في أوساط الشباب المثقف وحاول أن يوجه الى ضرورة اعتماد الخيارات الفكرية المتحضرة في مواجهة هذه الظاهرة بعيدا عن الخيارات الأخرى وخاصة منها الأمنية... الفاضل الجعايبي عاد من خلال أحدث أعماله المسرحية «يحيا... يعيش» (شاهدها أعضاء لجنة التوجيه المسرحي في عرض خاص مؤخرا وينتظر أن يشاهدها الجمهور قريبا) الى «النبش» من جديد في القضايا السياسية اذ نراه يعقد من خلال هذه المسرحية التي كتبت نصها جليلة بكار وأخرجه الفاضل ما يشبه المحاكمة السياسية لشخصية تولت مناصب ومسؤوليات سياسية في فترة ما... «محاكمة» الهدف منها - على ما يبدو - نقد بعض مواقف السياسيين في قراراتهم وفي تعاطيهم مع «الشأن العام» والمستجدات الاجتماعية... هل هي... موضة؟ ولكن لماذا يبدو الفنان المسرحي فاضل الجعايبي وكأنه أصبح بحق متعجلا ويسابق الزمن وهو يعمق البعد السياسي في خطابه المسرحي ؟ ولماذا يصر أن تأتي مسرحيته الجديدة هذه «يحيا... يعيش» سياسية صرفة شأنها في ذلك شأن سابقتها «خمسون»؟ ألا يخشى - مثلا - أن يزيد مثل هذا التوجه في تعميق سمة «النخبوية» التي هي ملتصقة - أصلا وابتداء - بأعماله المسرحية؟ الواقع أنه ما من أحد يبدو مؤهلا للاجابة عن مثل هذا السؤال سوى الفاضل الجعايبي نفسه وذلك حتى لا نكون كمن «ينبش» في نوايا الرجل ان نحن حاولنا أن نقدم اجابة ما... ولكن يمكن - بالمقابل - تسجيل بعض الملاحظات أو حتى عقد مقارنة بين مسرحية «خمسون» السياسية الصرفة في خطابها و«رسائلها» ومناخاتها الدرامية والفرجوية وبين باقي انتاجات وأعمال هذا الفنان السابقة التي - ولو لم تكن تخلو بدورها من أبعاد ورسائل سياسية - فانها لم تكن على نفس الدرجة في التوجه السياسي مع مسرحية «خمسون» بمعنى أنها لم تكن مثلها من صنف المسرح السياسي. أولى هذه الملاحظات تتعلق خاصة بذلك البعد «الايديولوجي» الذي طبع الخطاب الفكري في مسرحية «خمسون» السياسية ولم يطبع بالمقابل أعمال الفاضل الجعايبي الجامعة السابقة وهو بعد جعل الجمهور والنقاد يختلفون هذه المرة - وربما لأول مرة - في القيمة الفكرية والجمالية لمسرح الفاضل الجعايبي... وهو خلاف أملته اختلافات الانتماء الايديولوجي لدى الجمهور والنقاد وليس الثراء الفكري والجمالي للعرض... ما نريد أن ننتهي اليه في ختام هذه الورقة - وذلك حتى لا نكون كمن يتحدث عن «أشياء» لم يرها ولم يتفرج عليها - هو أن التوجه نحو الاشتغال على العروض المسرحية السياسية أو ما يعرف ب «المسرح السياسي» لدى الفاضل الجعايبي ومن خلال تجربة مسرحية «خمسون» بالذات لم يكن يمثل - في رأينا - نقلة نوعية تصب في صالح تجربة الفاضل الجعايبي المسرحية وتثري قيمتها الجمالية وسمعتها... لذلك نحن نستغرب هذا الاصرار من قبله على اعادة الكرة مع مسرحية «يحيا... يعيش» دون أن يعني ذلك - طبعا - أي نوع من أنواع المصادرة لحرية هذا الفنان المسرحي الكبير ولحقه المطلق في أن يشتغل على الشكل المسرحي الذي يريد بحسب طبيعة فهمه للمرحلة ول «المحطة» التي بلغها في خط مسيرته الفنية... الصباح