في الوقت الذي يصوّر فيه الاتحاد الأوروبي نفسه باعتباره نصيرًا لحقوق الإنسان، سواء داخل الاتحاد أو خارجَه, فإنه يسمح للشركات الأوروبية بتصدير أدوات الصعق وغيرها من الأجهزة التي يمكن أن تستخدمها الدول (التي لديها سجلات سيئة في حقوق الإنسان) في التعذيب، لماذا؟بحسب ما أكده مراقبو حقوق الإنسان في منظمة العفو الدولية، فإن بعض الشركات الأوربية تساعد على ازدهار تجارة أدوات التعذيب في أوروبا، بل وتصدّر منتجاتها برغم فرض الاتحاد الأوروبي حظر الاتجار فيها، وفي تقرير صدر في وقت سابق من شهر مارس، أشارت منظمة العفو الدولية أن الشركات في ألمانيا وإسبانيا وجمهورية التشيك وإيطاليا تقوم ببيع أدوات تعذيب - مثل الهراوات المدببة والأصفاد المثبتة بالجدران والأصفاد المعدنية للإبهام وأكمام الصعق الكهربائية إلى جانب القيود الموصّلة للكهرباء، التي يمكنها توصيل 50 ألف فولت على الأقل من الصعقات الكهربائية- إلى تسعة دول, منها باكستان والصين والإمارات, كما أفادت منظمة العفو الدولية، والتي اشتركت في نشر التقرير مع مؤسسة "أوميجا" للأبحاث ومقرُّها لندن، أن الشركات استغلت ثغراتٍ قانونيةً للتملُّص من القيود التي وضعها الاتحاد الأوروبي بموجب قانون صدر عام 2006 يحظر التجارة الدولية في هذه الأدوات المستخدمة في الشرطة والأجهزة الأمنية للتعذيب ولسوء المعاملة لحقوق الإنسان. وللتملص من هذه الثغرات, أوضحت منظمة العفو الدولية أن الشركات تستخدم أسلوب إعادة تسمية أداة التعذيب التي توجد في قائمة الاتحاد الأوروبي للمنتجات المحظورة, فمثلًا, الأسلحة الصاعقة بالكهرباء, مثل الأحزمة الصاعقة, التي توضع حول أطراف المعتقلين ثم تنبعث الصدمة الكهربية من خلالها, أحيانًا يتم تسميتها "الأصفاد الصاعقة", كما أنها لها أسلوب آخر في بيع الأدوات ذات "الاستعمال المزدوج"، مثل الأغلال التي توضع في الأقدام والهراوات، والتي يسمح بتصديرها لاستخدامها في الأمن والشرطة, في حين أنه من المفترض أن يتم رصد التجارة في مثل هذه المنتجات ذات الاستخدام المزدوج، والتأكُّد أنها لا تستخدم للتعذيب، وهذا ما لا يتم إلا قليلًا. كما قال ديفيد نيكولز العضو التنفيذي لمنظمة العفو الدولية، الذي شارك في كتابة التقرير: "إن حكومات الاتحاد الأوروبي فشلت أن ترقى إلى مستوى مسئولياتها, وعلى ما يبدو لا توجد رغبة لدى أي إرادة سياسية للتعامل مع هذه المشكلة أو العمل على سدّ تلك الثغرات"، مضيفًا: "لقد كانت قواعد عام 2006 خطوةً هامة لمكافحة التعذيب، ولكن الاتحاد الأوروبي لا يقوم بما يكفي للتأكد أن الأمور تسير في مسارها الصحيح". ولم يذكر التقرير إلا عددًا قليلًا من المصنِّعين, مما جعل مسئولًا في إحدى الشركات المعروفة بإنتاج مثل هذه الأدوات، وهي شركة "سيرين" البلجيكية، ينفي ارتكاب أي مخالفات لدى هذه الشركة, قائلًا: "إذا كنتم ترغبون في حظر المسدّسات الصاعقة كهربائيًّا، فهذا سيضطر رجال الشرطة إلى استخدام الأسلحة النارية للدفاع عن أنفسهم"، وأضاف: "المشكلة مع منظمة العفو الدولية أنها لا ترى سوى الجانب السيئ في كل شيء، أعرف أنه من الممكن استخدام هذه الأدوات للتعذيب كما يمكن أيضًا استخدام جميع أنواع الأدوات العادية مثل السكاكين والشوك والملاعق, وبرغم ذلك فإن الشركة قد أزالت القيود والمسدسات الصاعقة من موقعها على شبكة الإنترنت بعد صدور تقرير منظمة العفو الدولية". أما فرانك كول، رئيس شركة "نايديك" الإسبانية، المتخصصة في صنع وبيع قطع الكمبيوتر، والتي ورد ذكرها في التقرير، قال: إن شركته سحبت الأصفاد الصاعقة من موقعها على شبكة الإنترنت بعد تلقِّي رسالة تحذير من منظمة العفو الدولية وفقًا للقانون الجديد الصادر في عام 2006, مؤكدًا "لقد كانت نهاية القصة معنا, لن نبيع هذه الأدوات على الإطلاق". ونظرًا لما أثاره التقرير من قلق لدى السياسيين في البرلمان الأوروبي, فمن المتوقع أن يقوم أعضاؤه بإثارة هذه القضية في دورته القادمة في إبريل ومناقشة هذا التقرير المفزع وبحث التدخل الفوري للبرلمان الأوروبي, حيث قال ريتشارد هويت, عضو البرلمان البريطاني: "من غير المقبول تقاعس الاتحاد الأوروبي، وأنا أشعر بخيبة أمل مريرة" مؤكدًا "كيف ترضى الدول الأعضاء والمؤسسات في الاتحاد الأوروبي عن هذا الوضع المشين", كما تعهدت أيضًا هايدي هوتالا، التي ترأس اللجنة الفرعية في البرلمان لشئون حقوق الإنسان، بإجبار دول الاتحاد الأوروبي على سدّ هذه الثغرات, قائلة: "فشلت حكومات الاتحاد الأوروبي في التعامل مع هذه القوانين بجدية"، مضيفة: "من المخزي أن يقول الاتحاد الأوروبي ما لا يفعل, إنه لا يمكن أن يقوم الاتحاد الأوروبي بتصوير نفسه على أنه نموذج لحقوق الإنسان بدون أن يكون هذا واقعًا على أرضه". وحسب بعض المراقبين فمن السذاجة توقع احتفاظ الاتحاد الأوروبي بسجلّ متميز لحقوق الإنسان بعد ما حدث، يقول أندرو ستروهلين, الناطق باسم المجموعة الدولية للأزمات: "هذه ليست المرة الأولى التي يعمل فيها الاتحاد الأوروبي ضد قيَمِه ومصالِحِه"، وأشار ستيفان كيوكلري، أستاذ السياسة الخارجية في جامعة لوفان في بلجيكا، إلى أن أي مطالبات للسياسة الخارجية الأخلاقية للاتحاد الأوروبي تم تقوضيها؛ لأن أعضاءها من بين أكبر مصدري الأسلحة وأدوات التعذيب في العالم. ليو سيندروفيتش