ها هم يصرخون، إياد علاوي وطارق الهاشمي وآخرون، منددين بالتدخل الإيراني في تشكيل الحكومة العراقية، لكأن نوري المالكي وعادل عبدالمهدي وعمار الحكيم ومقتدى الصدر يمكن أن يقدموا لهم الحكومة على طبق من ذهب لو رفع الإيرانيون أيديهم وخرجوا من اللعبة. ليس الإيرانيون وحدهم هم من شعروا بعظم الغنيمة بعد الاحتلال، إذ تفوقت عليهم تلك القائمة من السياسيين التي كانت تعيش على المعونات الحكومية في العواصمالغربية، فضلا عمن كانوا يعيشون في إيران ممن كانوا يشكون التمييز «العنصري» ضد لاجئيهم هناك. هنا ثمة قطاع عريض من السياسيين الذين تدفقت في جيوبهم الملايين، وصاروا نجوماً في فضاء السياسة يقابلون جورج بوش وتوني بلير. هؤلاء لا يتصورون أبداً إمكانية خسارة امتيازاتهم، وحتى لو طالبتهم إيران بالتراجع ومنح الآخرين بعض الحصص، فإنهم لن يستجيبوا، حتى لو جاملوها بعض الشيء لاعتبارات التوازن والمصلحة. ليس هذا دفاعا عن إيران التي يصعب الدفاع عن سلوكها في العراق، هي المعنية ببقاء البلد تابعا لها على مختلف الصعد، لكن الأطراف العراقية الشيعية ليست في حاجة إلى إيران كي تتمسك بمكاسبها، بدليل أن التفتت الذي أصاب الائتلاف الشيعي لم يكن برغبة إيران التي بذلت كل ما في وسعها من أجل لملمة شتاته في قائمة انتخابية واحدة، لكنها عجزت، فكان أن أبقت على التعاون مع الطرفين كي لا تخسر أيا منهما. اليوم تعتقد الأطراف الشيعية أن حصول قائمة إياد علاوي على المرتبة الأولى بفارق مقعدين عن ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي ليس كافيا لمنح علاوي حق تشكيل الحكومة، لاسيَّما أنه لا يصنف كزعيم شيعي علماني كما يراه البعض، بل هو رجل أميركا بحسب البعض، ورجل العرب أو ممثل العرب السنة، بحسب آخرين، بدليل أن غالبية الفائزين في قائمته (76 من أصل 91) كانوا من ذات الفئة. القوائم الشيعية (الثلاث) حصلت على نصف المقاعد (هناك 15 مقعداً للشيعة في قائمة علاوي)، ما يعني ضرورة أن يكون رئيس الوزراء من ذات الفئة. وحتى لو أخذت المسألة من زاوية الأيديولوجيا، فإن الوضع الطبيعي أن تشكل القائمتان الثانية والثالثة (الإسلاميتان إن جاز الوصف) الوزارة تبعا لحصولهما على ما يقرب من نصف المقاعد. والحق أن مجرد استنكاف الائتلاف الوطني وائتلاف دولة القانون عن دخول الحكومة سيجعل منها حكومة بالغة الهشاشة، كما أن مشاركة الائتلافين فيها لا بد أن تمنحهما نصف الحقائب حتى لو شارك الأكراد، أو الائتلاف الكردي الذي لم يحصل إلا على %13، لأن ثمة أكرادا آخرين حصلوا على حوالي %4 من المقاعد. خلاصة القول هي أن الحسبة الطائفية لنتائج الانتخابات تمنح الشيعة الغالبية، حتى لو تجاوزنا شيعة القائمة العراقية بقيادة علاوي (الأيديولوجيا لا تعني الكثير بالنسبة للمالكي وعمار الحكيم)، ما يعني أن تشكيل الحكومة ينبغي أن يعكس هذا الوضع سواء تدخلت إيران أم لم تتدخل، فكيف حين تلقي بكل ثقلها من أجل الدفع في هذا الاتجاه؟! تلك هي مصيبة الوضع القائم في العراق، فهو من التعقيد بحيث لا يمكن حله من دون تواضع فرقاء الداخل، بخاصة الطرف الشيعي، على تفاهم إقليمي بعيدا عن سطوة المحتلين، فالمقاومة العراقية التي فرضت التراجع على الاحتلال (ومن ضمنه الانتخابات) لا يمكن أن تكون بلا نصيب في معادلة العراق الجديد، وهي معادلة لا بد أن تدفع في اتجاه عراق لا يستند إلى المحاصصة الطائفية، في ذات الوقت الذي يعاد فيه النظر في تركيبة الجيش والأجهزة الأمنية، الأمر الذي لا يمكن من دونه تغيير المعادلة القائمة، لأن من يمسك بالجيش والأجهزة الأمنية هو من يمسك بالبلد عمليا، لاسيَّما إذا خرج المحتلون. بعد خروج المحتلين لا بد من تفاهم عربي إيراني تركي على صيغة العراق الجديد، وذلك حتى يكون نموذجا للتعايش بين سائر الطوائف والمذاهب في المنطقة، ومن دون ذلك سيبقى الاستقرار بعيد المنال. د العرب 2010-04-07