حملت ذكرى المولد النبوي الشريف التي تحل هذا الأسبوع خبرا سارا للأقلية المسلمة في إسبانيا حيث جرى الإعلان عن قرار نهائي ببناء أول مسجد كبير في مدينة إشبيلية (جنوب) لينهي أربع سنوات من الانتظار. وكان مسلمو المدينة، وعددهم يتجاوز العشرة آلاف بحسب احصاءات رسمية، قد اختاروا بناء المسجد في منطقة بيرمليخوس، إلا أن سكانها اعترضوا بشدة، وألقى بعضهم برؤوس خنازير في المنطقة لدفع المسلمين إلى التخلي عن بناء المسجد فيها، كما حاولوا الربط بين الإسلام والعنف. وعلى الرغم من ذلك الرفض، فقد قررت بلدية إشبيلية هذا الأسبوع الترخيص ببناء المسجد ليقام في المنطقة التي أقيم عليها معرض دولي سنة 1992. وجرى تخصيص مساحة ستة آلاف متر مربع في شارع كارلوس الثالث، وهي المنطقة التي وقع عليها اختيار مسلمو المدينة من بين أربع مناطق اقترحت بلدية إشبيلية منحهم مساحات أرض فيها. ووفق مصادر في بلدية إشبيلية التي يهيمن عليها نواب اشتراكيون ومن اليسار الموحد، فسيتم بناء المسجد في منطقة بعيدة عن المناطق السكنية بسبب ما وصف ب"حساسية السكان". وحتى الآن لم يلق القرار أي اعتراض من السكان الإسبان، على اعتبار أن المساحة التي سيبنى عليها المسجد هي من أملاك "المؤسسة العامة للتراب الأندلسي"، وهي هيئة تابعة للحكومة المحلية بإقليم الأندلس (جنوب). ويرتقب أن تبدأ خلال الأيام القليلة المقبلة عملية وضع الرسوم الهندسية للمسجد، الذي سيتشابه في الكثير من معالمه مع المساجد التي كانت سائدة في المنطقة إبان الوجود الإسلامي في الأندلس. وجاء القرار بعد بضعة أيام من فوز الحزب الاشتراكي الحاكم في الانتخابات البرلمانية، وهو توقيت اعتبره الكثيرون رسالة خاصة من الاشتراكيين بأنهم "لن يزايدوا في مسألة حرية الاعتقاد لتحقيق أهداف سياسية". المولد النبوي إمام مصلية "بونسي دي ليون" في إشبيلية، عبد الواحد مالك، علق على قرار بناء المسجد الذي سيتم افتتاحه بداية سنة 2010، بأنه "مصادفة سعيدة مع ذكرى المولد النبوي الشريف واحتفال الإسبان الكاثوليك بأعياد الفصح (الأسبوع المقدس) التي تستمر أسبوعا حتى الأحد المقبل". وقال خالد رويث، رئيس الهيئة الإسلامية بإسبانيا، وهو إسباني اعتنق الإسلام: "إن المسجد الكبير في إشبيلية لن يكون فقط مجرد مكان للصلاة، بل سيتضمن مكانا لدراسة علوم الإسلام، ومكانا للالتقاء مع كل من يريد التعرف على الإسلام عن قرب"، مشددا على أن "هذا المسجد سيكون مفتوحا أمام الجميع". احتفال مع "كانوتيه" ابتهاج مسلمي إشبيلية بالقرار عبر عنه المئات من المسلمين الذين اجتمعوا في حفل عشاء هذا الأسبوع مع فريدريك كانوتيه، لاعب كرة القدم المالي المحترف بصفوف نادي إشبيلية، والفائز هذا العالم بلقب أفضل لاعب إفريقي. وقبل أشهر قليلة اشترى كانوتيه مسجد "بونسي دي ليون" بأزيد من نصف مليون يورو بعد أن هدد مالك الأرض بإغلاق المسجد؛ وهو ما زاد من شعبية اللاعب بين مسلمي إسبانيا، بل والمسلمين حول العالم. يشار إلى أن إشبيلية كانت لسنوات طويلة عاصمة للحكم الإسلامي في الأندلس بالتناوب مع مدن أخرى مثل غرناطة وقرطبة، قبل السقوط النهائي للدولة الإسلامية التي دامت ثمانية قرون في شبه جزيرة إيبيريا (إسبانيا والبرتغال) عام 1492، وبداية عملية تصفية عرقية ودينية ضد الأندلسيين من طرف الكنيسة والملوك الكاثوليك. ولا تزال بالمدينة حتى اليوم الكثير من المعالم الإسلامية، منها كاتدرائية ألخيرالدا التي كانت أكبر مسجد في إشبيلة، وبرج الذهب على ضفة الوادي الكبير، وقصر المعتمد بن عباد، والحي الإسلامي، وقصر إشبيلية العربي، وغيرها من المآثر الإسلامية. وفي إسبانيا حوالي 1.5 مليون مسلم من إجمالي السكان البالغ نحو 40 مليون نسمة، ويعاني مسلمو إسبانيا من ندرة دور العبادة؛ وهو ما يضطرهم لأداء الصلاة في شقق سكنية متدنية المستوى أو مستودعات أو "جراجات"؛ إما لعدم توافر التمويل لبناء مساجد، أو معارضة السكان لخطط بناء المساجد إن توفر التمويل. ويتمنى المسلمون وجود مسجد كبير في كل مدينة إسبانية، وبوجه عام لا يتناسب عدد أو مساحات المساجد في الكثير من بلدان الغرب مع الزيادة في أعداد المسلمين في هذه البلدان، وتواجه مشروعات بناء مساجد كبيرة في العديد من تلك البلدان احتجاجات شديدة من جانب أنصار اليمين المتطرف الذي يحذر مما يسميه محاولات المسلمين "أسلمة أوروبا".