الطاهر العبيدي* / صحفي وكاتب تونسي مقيم بباريس img align="left" الريحاني="" أمين="" طريقة="" على="" منتفضا="" المغامرة،="" وإصراري="" المتصلب،="" بموقفي="" فوجئ="" أنه="" غير="" معاكس،="" تهريب="" اتجاه="" في="" خطط="" رسم="" وبدأ="" تونس.="" إلى="" جديد="" من="" العودة="" طريق="" عليّ="" ليقترح="" جاءني="" الاتجاه،="" هذا="" أمام="" موصدة="" باتت="" ألأبواب="" كل="" أن="" أيقن="" وحين="" وأخيرا="" ،="" عنابة="" مدينة="" المؤدية="" الطرق="" جسّ="" الجزائري="" مضيفي="" حاول="" القول:="" ليسترسل="" والمفاجئات.="" بالتعب="" مخضّبة="" حكاية="" فصول="" منه="" لنستمع="" المشوار.="" بداية="" والعودة="" بالرجوع="" مهدّدا="" التماس،="" حدود="" بين="" معلقا="" وهو="" الثامنة="" الحلقة="" فارقناه="" كما="" محمد="" بن="" فاخر="" لنلتقي="" والعذابات،="" التخفيّ="" رحلة="" سماع="" لمواصلة="" نعود="" المفردات،="" مفاهيم="" نتوه="" لا="" ولكي="" الأشياء،="" نظام="" خلخلة="" الكتابة="" والانشطار،="" التقسيم="" تقبل="" كالسماء="" تماما="" والتقسيط،="" التجزئة="" تحتمل="" الحرية="" حيث="" والوقوف..="" التأمّل="" تستحقّ="" ملحمة،="" وزن="" محنة="" تدوين="" لمحاولة="" الكسوف،="" مرحلة="" الخروج="" أجل="" الساخن،="" الكبريت="" سطح="" المشي="" قصّة="" والأوراق،="" السائل="" بالقلم="" لنروي="" والأحداث،="" السواكن="" ما="" والضمّ="" والعطف="" الجرّ="" حروف="" ورصد="" السياسي،="" الزمن="" إعراب="" ويتطلب="" الذكريات،="" مواجع="" alt="يا تلك الأعوام النازفة، المنسلخة من ربيع الأعمار، يا تلك الأيام المالحة المقتطفة من رحلة الأحزان، يا تلك اللحظات الكالحة التي تأبى الذبول والاصفرار، يا ذاك الزمن المؤجل الذي ما يزال عنوان مرحلة البحث عن الانعتاق، حيث الوجع يرفض الانخفاض، والجرح يخاصم الاندمال، والليل يأبى الأفول، والقلم ما يزال ينحت سنوات الجمر وسفر الضباب، والألم صاحيا رغم مرور الأعوام، والطريق مضنية والأفق سراب، والغربة قدر والهجر صفحات من كتاب، والبعد ألم وقطعة من عذاب، وفقدان الوطن تيه واحتراق، وفراق الأهل والأرض جرح غائر في الأعماق، والحديث في مثل هذه المواضع يستدعي من القارئ الكثير من التأمل والانتباه، لما يحكيه " style="width: 97px; height: 125px;" src="http://www.alfajrnews.net/images/iupload/taher_abidi2009.jpg" /يا تلك الأعوام النازفة، المنسلخة من ربيع الأعمار، يا تلك الأيام المالحة المقتطفة من رحلة الأحزان، يا تلك اللحظات الكالحة التي تأبى الذبول والاصفرار، يا ذاك الزمن المؤجل الذي ما يزال عنوان مرحلة البحث عن الانعتاق، حيث الوجع يرفض الانخفاض، والجرح يخاصم الاندمال، والليل يأبى الأفول، والقلم ما يزال ينحت سنوات الجمر وسفر الضباب، والألم صاحيا رغم مرور الأعوام، والطريق مضنية والأفق سراب، والغربة قدر والهجر صفحات من كتاب، والبعد ألم وقطعة من عذاب، وفقدان الوطن تيه واحتراق، وفراق الأهل والأرض جرح غائر في الأعماق، والحديث في مثل هذه المواضع يستدعي من القارئ الكثير من التأمل والانتباه، لما يحكيه " فاخر بن محمد " بين مواجع الذكريات، ويتطلب إعراب الزمن السياسي، ورصد حروف الجرّ والعطف والضمّ ما بين السواكن والأحداث، لنروي بالقلم السائل والأوراق، قصّة رحلة المشي على سطح الكبريت الساخن، من أجل الخروج من مرحلة الكسوف، لمحاولة تدوين محنة في وزن ملحمة، تستحقّ التأمّل والوقوف.. حيث الحرية لا تحتمل التجزئة والتقسيط، تماما كالسماء لا تقبل التقسيم والانشطار، كما الكتابة خلخلة في نظام الأشياء، ولكي لا نتوه بين مفاهيم المفردات، نعود لمواصلة سماع رحلة التخفيّ والعذابات، لنلتقي " فاخر بن محمد " كما فارقناه في الحلقة الثامنة وهو معلقا بين حدود التماس، مهدّدا بالرجوع والعودة إلى بداية المشوار. لنستمع منه إلى فصول حكاية مخضّبة بالتعب والمفاجئات. ليسترسل في القول: حاول مضيفي الجزائري جسّ كل الطرق المؤدية إلى مدينة "عنابة "، وأخيرا وحين أيقن أن كل ألأبواب باتت موصدة أمام هذا الاتجاه، جاءني ليقترح عليّ طريق العودة من جديد إلى تونس. وبدأ في رسم خطط في اتجاه تهريب معاكس، غير أنه فوجئ بموقفي المتصلب، وإصراري على المغامرة، منتفضا على طريقة " أمين الريحاني " - اليأس طريق سهل لا يسلكه إلا العاجزين - حاول مضيفي إثنائي عن موقفي، معدّدا لي مخاطر الطريق، وتناثر دوريات مصالح الأمن والتفتيش، غير أني تمسّكت برأيي، فبعد قطع كل هذه الأشواط من التعب والمصاعب والثنايا والطرق والمسافات، أعود من حيث أتيت. لأطرق طوعا أبواب السجن والمعتقلات، وسرعان ما ارتسمت أمامي حصص التعذيب وفصول الاستنطاق، وأوضاع التحقيق، ولهث أهلي بين مخافر البوليس ومحاكم التفتيش. كنت مصرّا إصرارا جعل مضيّفي يستغرب موقفي، رغم معرفته بالأذى الذي يمكن أن يلحقني إن أنا عدت لتلك الديار. كنت مستميتا في الدفاع عن رفضي لخيار العودة، مستحضرا إحدى أقوال الشهيد " مصطفى بن بولعيد " - حاولوا دائما، حتى ولو كانت نسبة النجاح تبدوا ضئيلة جدا، فإذا فشلتم قيل أنهم حاولوا، وفي ذلك رجولة وفخر- حين أيقن مضيّفي الجزائري أنه لا يمكنه تغيير وجهتي وتبديل قراري، خصوصا بعد أن استأذنته في السفر وحيدا، لم يجد من حل سوى مرافقتي إلى مدينة " سوق أهراس "، التي تبعد حوالي 100 كلم عن مدينة " عنابة ". ولعل المتابعين والقرّاء لرحلة العطش والشقاء، يعتقدون براءة أن ما ينتظرني في مدينة " عنابة " التي تردّدت كثيرا بين السطور، هو زورق جاهزا للنجاة أو مستقبلا يانعا يبشر بالأمن والاستقرار، أو هي نهاية الأحزان. غير أنه في الحقيقة لا شيء من كل هذه الأحلام تترقبني هناك، ولا بداية للهدوء والانطلاق، سوى أنها محطة أخرى للتشرد والبحث مجددا بين المفترقات...توكلت على الله صحبة المهرّب الجزائري وامتطينا الطريق، وكنت أثناء الرحلة صامتا، وفي الحقيقة كنت أتحاور مع صمتي، وأناقش تأوّهات سكوني لأتلمس حالي، فلا أجد أمامي سوى إنسان بلا وثائق ولا عنوان.. مواطن بلا مستقبل بلا أرض بلا أهل بلا وطن وبلا خلان.. مسافر يحط ويرحل في رغوة الضباب، في صدره تتمايل أحلام مؤجلة على حافة الطريق، ومواطنة مع وقف التنفيذ، ووطن يتوق لفجر جديد، وذكريات مهرّبة في دفاتر الرحيل، وآمالا مطويّة بين الرمش والجفون، وأوراق مثنيّة ما بين رفّ الذاكرة وطيّات السنون، فلكل الناس وطن يعيشون فيه، إلا نحن لنا وطن يعيش فينا...فأنا التائه الشريد والبلد بلدي ولا يصلني منها بريد...كان عزائي في هذه اللحظات الجريحة، وفي هذا السفر المتلاطم بين طيات الوحدة اللاذعة والمسافات الداكنة، التي لا يلوح منها شعاع ولا بريق، سوى قراءة بعض آيات من الذكر الحكيم، أتحصّن بها من مكاره الطريق، وبين الحين والحين تنعشني إحدى مقولات شيخ المجاهدين " عمر المختار " - لئن كسر المدفع سيفي، فلن يكسر الباطل حقي - اضطربت أفكاري قليلا حين أوقفتنا دورية مرور في إحدى المفترقات، حيث جاءنا أحد الأعوان مكتفيا بطلب وثائق السائق وأوراق السيارة، دون إزعاج المسافرين.. واصلنا طريقنا بسلام، وواصلت السباحة بين ثنايا أحوالي، لأنتبه لما حولي، وكأني اكتشفت بعد أسبوع أني في أرض الجزائر، جزائر المليون ونصف شهيد، جزائر - الأمير عبد القادر والشيخ أبو عمامة - ومفدي زكريا - وابن باديس - وجميلة بوحيرد - وحسيبة بن بوعلي - وديدوش مراد -والعربي المهيدي - وعلي لا بوانت - والعربي التبسي - وزيغود يوسف... وغيرهم من الكثيرين، الكثيرين الذين ساهموا في تعبيد طريق ثورة شعب، آمن أن الحرية شمس يجب أن تشرق في كل نفس..وتراءت أمامي صور معارك الرفض والتحدّي، وتلك الأفلام الوثائقية -معركة الجزائر - وقائع سنين الجمر- فجر المعذبين - الليل يهاب من الشمس - الخارجون عن القانون - حواجز الطين - العرق الأسود - السيلان... وكل تلك المشاهد التي تترجم تلقائية شعب انخرط في معركة الكرامة والتحرّر، وسرت في داخلي دماء الاعتزاز والانتساب إلى تاريخ أجدادي.. كانت الثنايا والممرّات التي تطويها سيارتنا تشبه كثيرا مناطق وطني، والأشجار والمرتفعات والحنايا ولون التربة كأنها امتداد لطبيعة بلادي... وصلنا إلى مدينة " سوق اهراس" هذه البلدة المتربعة على أعالي الجبال، والتي كما حدثني مرافقي سميّت بهذا الاسم لأنها كانت فيما مضى غابة أسود.. قبل أن يودّعني مضيفي ليعود من حيث أتى، والذي كان ودودا وذو أخلاق عالية، ومتفهّما لوضعي إلى حد التعاطف الواضح، مشمئزا جدّا من أيّ مظهر من مظاهر الظلم والجور، أوصاني أن أنتبه وأحرص على أن أكون حذرا في تنقلاتي، ركبت سيارة أخرى متوجهة إلى مدينة " عنابة "، وهذه المرّة كنت وحيدا أعاني حروق غربة موغلة في براكين الذات، وأصارع أحاسيس وأسئلة مكلومة حول مفهوم الوطن والمواطنة؟ والدولة العربية والنظم الرسمية؟ والقانون والاستقلال؟ والدستور والعدالة؟ والحركات المعارضة والهزائم المتتالية؟ والنكبة والإسلام السياسي؟ والعديد من العناوين التي باتت في ذهني تستدعي الإحالة إلى مختبرات الفحص وإعادة الصياغة والتشكيل...انتهت رحلتي إلى المدينة المقصودة بسلام ودون أي مفاجئات اتصلت هاتفيا بأحد الأصدقاء، الذي جاءني ليلتقيني في محطة المواصلات، ويرافقني إلى أحد البيوت، حيث وجدت مجموعة من الشباب الذين سبقوني في رحلات التخفيّ والفرار، من بلدي التي ما عاد يحلو فيه العيش والاستقرار، ولكل واحد منهم قصة وحكايات مع مخاطر الطريق، جلست هناك بعض الساعات، استمع إلى قصص عذابات هؤلاء الأصدقاء الجدد، حول سفرات التعب، ومفاجئات الرحيل.. انتبهت قبل حلول المساء أن جواز سفري قد سقط مني في سيارة التاكسي التي أوصلتني إلى مدينة عنابة، عدت إلى محطة المواصلات أبحث عن السائق علني أعثر عنده على ما ضاع مني، فتشت عنه وسألت كل زملائه في نفس المكان، فلم أجد عنه أي خبرة أو جواب.. وهنا ساورني شك لامس اليقين، بأن يكون السائق قد سلم الجواز إلى مصالح القنصلية التونسية اعتقادا تلقائيا وبريئا منه أني مسافر عادي، يمكنني أن الذهاب إلى إدارة بلدي لتسلم وثائقي، وبتّ الآن فعلا بلا هوية، بلا اسم بلا لقب بلا بلد، مجهول النسب وبلا عنوان، لا أملك سوى بطاقة تعريف مزيفة، وأصبحت مبحوثا عنه هنا وهناك ومطارد هنا وهناك... البقية في الحلقات القادمة
ملاحظة هامة هذه الشهادات تنطلق من تحقيقات ميدانية حيث أحداثها وتواريخها وإبطالها حقيقيون، ولكل منهم مغامرات مثيرة مع الترحال والتخفي والسجن..طبعا مع الانتباه والتحفظ على بعض الجزئيات، اتقاء للثأر أو التتبعات ضد الذين ساعدوا أو تعاونوا في تهريب هؤلاء.. حاولت أن لا أجعل من هذا العمل شهادات سردية جافة، بل حرصت وأنا أسجّل هذه القصص أن انتبه والتقط وأتعايش مع مشاعر وأحاسيس الرواة في كل ثناياها وتشعباتها، مستخدما بعض تقنيات العمل الصحفي والأدبي، قصد التوغل قدر الإمكان فيها وتصويرها واستنطاقها، وترجمة حالات القلق التي أرصدها وأنا أسجل مرويات هذه التغريبة التونسية. الطاهر العبيدي* / صحفي وكاتب تونسي مقيم بباريس