النور كيف ظهوره إن لم يكن دمنا الوقود .. و القدس كيف رجوعه إن لم نكن نحن الجنود..فداكم أرواحنا ما دامت عقيدتكم شريعة السماء .. نعشقكم ما دامت رايتكم الصفراء والخضراء .. نطير بهواكم ما دام قادتكم شهداء .. لأنكم فجر الامة التليد .. لأنكم أمل الأقصى الجديد ..لأنكم قلب فلسطين العنيد .. أخبرني يا أسد فلسطين .. عن روعتها عن مسكنها..أخبرني كيف الفسطينيين بها .. هل لاذوا بمأمنها .. هل صادفت هناك الحور .. أم نمت حزينآ علينا مقهور .. أخبرني يا أخي وأفصح .. وأوصف لي كل مفاتنها .. اخبرني ماذا وجدت بها .. غابات جنات وقصور .. أرأيت وجه الله هناك .. أوصف يا أسد فلسطين ذلك النور? .. أخبرني عن نهر الكوثر.. أتراه حلوآ كاسكر .. ورسول الله هل ألفيته .. هل كلمته هل ناديته .. أحظيت يا أخي بشرفٍ .. أن جاورت بقرب بيته ? .. أخبرني كثيرآ لا تسكت ..أحكي لي يا أخي أكثر .. فالحلم الأعمى لا يقدر .. حين يجئ بك في عيني .. أن يروي لي قصصآ أكثر .... كم من رجل يعد بألف رجل وكم رجل يمرّ بلا عداد . وتمر الذكرى السادسة لاستشهاد علمٍ من أعلام الجهاد والمقاومة الشهيد القائد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي . تأتي هذه الذكرى ليمتزج ألم فراقك أيها الشيخ بآلامٍ عدة , أبرزها تهويد البشر والشجر والحجر والحفريات والتجريف حول حرم المسجد الأقصى وجرائم ومذابح تعرض لها شعب فلسطين المكلوم وسلطة خائنة عميلة هذا على الصعيد الفلسطيني , أما على الصعيد العربي والعالمي فإنه رغم ما ألمّ بالواقع الإسلاميّ من الآلام، فإننا نرى ظلال المقاومة ينتشر في الكون من جديد . الأشواك تكاثرت في تلك البقعة المباركة من أرض مرج الزهور كأنها تقول أن المبعدين كانوا شوكة في حلق الكيان الصهيوني خارج الوطن , وعادوا ليكونوا أشواكاً في خاصرة هذا الكيان اللقيط , وواحدة منهن تعلو مشرئبة أكثر من الباقيات بهامتها التي لبست تاجاً زمردياً كلون الدم الذي صبغ غزة مساء السبت في السابع عشر من نيسان -أبريل لعام 2004. في الطريق من زمريا حيث كان معبر الاحتلال إلى الجنوب المحتل إلى مرج الزهور , تطالعك وراء كل صخرة وعند كل انعطاف وفي ظل الأشجار صورة القائد الذي لم يكلّ حتى عاد إلى أرض الوطن. وفي تغريد كل عصفور وصدح البواشق والغربان في تلك الأرض وفي خرير الماء , في الجدول الذي كان الشهيد أبو محمد يستحم فيه في عزّ البرد القارس .. صوت الدكتور عبد العزيز الرنتيسي مصرحاً بلغاته المتعددة مفنداً كذب المحتل وزور كيانه . كان أبو محمد قريباً من كل القلوب .. عالي الجبين تتجسد فيه شخصية القائد المؤمن بقضيته وبعدالتها والمحب لكل أبناء شعبه . كان وبعونه تعالى النهر الذي لا ينقطع والبحر المليء بالإيمان الدكتور عبد العزيز الرنتيسي وهو يقف مرتجفاً من شدّة البرد , والثلج يحيط به ويغالب شفتيه لتنطق بحب فلسطين وأهلها وثرى غزة والخليل وصفد وحيفا والقدس , فيما قدماه نصف العاريتين تغوصان في الوحل وهو يتنقل من خيمة إلى أخرى متفقداً إخوانه الذي وجد نفسه أباً وأخاً حنوناً يخفف عنهم معاناة الإبعاد ووحشة المكان . رذاذ المطر يتناثر فوق الأعشاب الندية التي حنت هاماتها كأنها في حداد على من وطئ أرضها سنة كاملة . وعصفور صغير بِسُمرته يقف في نفس المكان الذي كان يقف فيه القائد الشهيد كل يوم ليعرض للعالم معاناة المبعدين . كان يشدو بحزن كأنه يبكي فراق الحبيب . واستيقظ الرنتيسي " أسد فلسطين " واغتسل ووضع العطر على نفسه وملابسه وأخذ ينشد على غير عادته نشيدا إسلاميا مطلعه : أن تدخلني ربي الجنة هذا أقصى ما أتمنى والتفت إلى زوجته وقال لها إنها من أكثر الكلمات التي أحبها في حياته . وقبل أذان العشاء بقليل يوم السبت 17-4-2004 خرج الرنتيسي برفقة نجله أحمد الذي كان يقود السيارة من نوع سوبارو ذات نوافذ معتمة . وبعد دقائق وصلت إلى المكان سيارة سوبارو أخرى يستقلها أكرم نصار ويقودها أحمد الغرة . وبهدوء انتقل الرنتيسي من سيارة نجله إلى السيارة الأخرى التي انطلقت به مسرعة . لكن صاروخين من طائرات الأباتشي الإسرائيلية كانا أسرع من الجميع . إن الصورة التي في أذهان الناس عن الشهيد هو الثوري الشديد. لكنه داخل الأسرة صاحب الحنان الكبير والقلب الرءوف الهادئ . ولم يترك الرنتيسي قصورا أو شركات أو حسابات في البنوك تزعم الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا تجميدها بل ما تركه قائمة تفصيلية بما له وما عليه من أموال على المستوى الشخصي ومستوى حركة حماس . نشأ عبد العزيز الرنتيسي ابن يبنا القرية المهجرة (بين عسقلان ويافا) والمولود في 23-10-1947 قبيل التهجير في أسرة ملتزمة ومحافظة في مخيم خان يونس للاجئين الفلسطينيين. لم يمنعه صغر سنه من العمل لمساعدة عائلته المكونة من 11 فردا , حيث اشتغل وهو في عمر ست سنوات فلم يلهو مع أقرانه ولم يعش شقاوات الطفولة , كان هناك أكبر من ذلك يشغل تفكيره وعالمه الصغير . أنهى الرنتيسي دراسته الثانوية عام 1965 وتوجه إلى مدينة الإسكندرية المصرية ليلتحق بجامعتها ويدرس الطب , لم تقف أحلامه عند هذا الحد على الرغم من صعوبة الظروف التي عاشها وأفراد أسرته الأحد عشر. لمع نجم الرنتيسي في العديد من المجالات سواء على الصعيد العلمي أو العملي أو الدعوي وكذلك الجهادي , فقد حصل على درجة الماجستير في طب الأطفال من مدينة الإسكندرية , بعد أن خاض إضرابا مع زملائه في المستشفى محتجا على منعهم من النهل من معين العلم , والسفر إلى أرض الكنانة وعمل بعد أن عاد في مستشفى ناصر في خان يونس وذلك عام 1976 . شغل الدكتور الرنتيسي العديد من المواقع في العمل العام منها : عضوية هيئة إدارية في المجمع الإسلامي والجمعية الطبية العربية بقطاع غزة والهلال الأحمر الفلسطيني. وعمل في الجامعة الإسلامية بمدينة غزة منذ افتتاحها عام 1978 محاضرا يدرس علم الوراثة والطفيليات . في ليلة التاسع من ديسمبر 1987، وتقرر الإعلان عن حركة المقاومة الإسلامية كعنوان للعمل الانتفاضي الذي يمثل الحركة الإسلامية في فلسطين . بعد منتصف ليلة الجمعة الخامس عشر من يناير 1988 - أي بعد 37 يوما من اندلاع الانتفاضة - إذا بقوات كبيرة جدا من جنود الاحتلال تحاصر منزل الرنتيسي , انتهى الاقتحام باعتقال الدكتور ليكون هذا بداية مسيرة الاعتقالات وبداية مسيرة الجهاد والإبعاد. وكان أول من اعتقل من قادة الحركة بعد أن أشعلت حركته الانتفاضةَ الفلسطينية الأولى في التاسع من ديسمبر 1987 . وبعد شهر من الإفراج عنه تم اعتقاله بتاريخ 4-3- 1988 حيث ظل محتجزًا في سجون الاحتلال لمدة عامين ونصف العام . اطلق سراحه في 4/9/1990. ثم عاود الاحتلال اعتقاله بعد 100 يوم فقط بتاريخ 14/12/1990 حيث اعتقل إداريًّا لمدة عام كامل. ولم يكن فقط رهين المعتقلات الإسرائيلية بل والفلسطينية أيضا , فقد اعتقل أربع مرات في سجون السلطة الفلسطينية .. كان آخرها لمدة 21 شهرًا بسبب مطالبته السلطة الفلسطينية بالكشف عن قتلة الشهيد محيي الدين الشريف في مارس آذار 1998. وفي 17-12-1992 أُبْعد مع 400 من نشطاء وكوادر حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى جنوب لبنان . واعتقلته سلطات الاحتلال فور عودته من مرج الزهور , وأصدرت محكمة إسرائيلية عسكرية عليه حكمًا بالسجن حيث ظل محتجزًا حتى أواسط عام 1997. ولم يطل به الزمان كثيرا قلقد أستشهد الدكتور الرنتيسي مع اثنين من مرافقيه في 17 نيسان (أبريل) 2004 بعد أن قصفت سيارتهم طائرات الأباتشي الصهيونية في مدينة غزة , ليختم حياة حافلة بالجهاد بالشهادة . رحمك الله يا رجل الكلمة والمواقف يا أيها الأسد يا أيها الجبل الأشم .. والله نفتقدك اليوم يا سيدي نحتاج إليك كثيرا يا حبيبي ..غادرتنا ولوعت قلوبنا بفراقك ولكنا على أمل اللقاء بك في جنات الخلود .. يا شهيد .. يا شهيد .. يا شهيدا رفع الله به جبهة الحق على طول المدى ..سوف تبقى في الحنايا .. علما يا شهيد ..رافعا للرأس رمزا للفدى .. يا شهيد .. ما نسينا أنت قد علمتنا .. بسمة الحق في وجه الردى .. ياشهيد .. جفت عن الإشراق أي شموس . .لما ترجل كوكب الرنتيسي. . لو كان يدفن في القلوب مفارق .. لجعلت قلبي روضة الرنتيسي . تمضى وتمر السنين ولا تزال ذكر الخالدين .. رحمك الله يا شيخنا وجمعنا الله بك فى جنات النعيم .. مع الانبياء والشهداء والمرسلين .. وسقانا من حوض المصطفى شربتا هنيئة لا نظماء بعدها ابدا .