الدنمارك- عبدالحميد الحمدي- الفجرنيوز: توفي صباح اليوم الجمعة الصبي أوزقر دينيس أوزن(ينحدر من أصول تركية) بعد تعرضه لإعتداء يوم الأربعاء الماضي في ضاحية اما الواقعة جنوب العاصمة الدنماركية كوبنهاجن. ورقد أوزقر في قسم الإنعاش بالمستشفي بالضرب بأدوات حديدة من قبل ثلاثة شبان من أصول عرقية دنماركية و هو يمارس عمله كموزع للجرائد في شارع بولندا في نفس الضاحية و التي يقطنها عدد غير قليل من المهاجريين. و قامت الشرطة الدنماركية بإلقاء القبض على ثلاثة صبيان تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 18 عاما و قررت احتجازهم لمدة 27 يوما بتهمة الإعتداء على أوزقر. وفي تصريح لصحيفة الإكسترا بلاذيت الدنماركية رأي والد الصبي المغدور بأن دوافع الإعتداء هي عنصرية و تساءل عن سبب وجود اسلحة في السيارة التي كان يستقلها الجناة. و أضاف ' لقد القام الشبان الثلاثة بالمرور على ابني و صديقه أكثر من مرة بعربتهم ، و قامو بفتح الشبابيك و الصراخ عليهم و نعتهم ب'قرود سوداء' و لكني ابني تجاهلهم' أوزقر ، هل هو أول ضحية دنماركية لأزمة الرسومات ؟؟ العنصرية تكشر عن أنيابها في الدنمارك بينما يقضي الساسة الدنماركيون عطلة الفصح مع أبنائهم و يتفسحون معهم في ربوع الدنمارك، تجلس عائلة صغيرة في كوبنهاجن و تحاول أن تلملم جراحها بعد أن قتلت يد العنصرية العمياء الفرحة و أخذت منهم أعز ما يملكون، فلذة كبدهم الصبي أوزقر. خبر وفاة الصبي الذي يعمل موزع جرائد في وقت فراغه، وصل لوالديه صباح يوم الجمعة بعد صراع قصير مع الجروح التي تعرض لها مساء يوم الأربعاء الماضي ، عندما هاجمه ثلاثة شبان من أصول دنماركية و هو يقضي إستراحة قصيرة مع أحد زملائه في العمل على رصيف شارع بولندا في ضاحية أما . فسقط أوزقر الذي لم يتجاوز السادسة عشر من العمرضحية لعنف أعمى بدون أي أسباب، سوى أنه قام بتجاهل العبارات العنصرية التي تلفظ بها الجناة. هذا الصبي الذي يملك ملامح شرقية و ينحدر من أصول تركية ، و الذي رفض أن يجلس في البيت أمام جهاز الحاسوب أو التلفاز كنظرائهه من الصبيان و اختار أن يعمل و يوزع الصحف لسكان منطقته في جزيرة أما، كي يحصل على معاش قليل يستطيع من خلاله تحقيق أحلامه و أيضاً إيصال الأخبار السعيدة لسكان الحي، شاءت الأقدار أن يصبح هو في حد ذاته خبراً حزيناً لا يستطيع أي شخص يملك أي مشاعر إنسانية إلا أن يبكي على فقدانه. فصورة الصبي على سرير الموت و أمه تمسك بيده تبعث لنا رسالة إنذار ، ارحموا الطفولة و الإنسانية و لا تغذو العنصرية ، و لكن من غير المعلوم إذا كانت هذه الرسالة سوف تصل إلى آذان اصحاب القرار و صناع الرأي. أوزقر و الذي يعني اسمه أن تكون حراً باللغة التركية خرج كعادته كل يوم أربعاء ليوزع الجرائد الأسبوعية في حي أما الواقع في جنوب العاصمة كوبنهاجن ، فإذا بسيارة تحمل ثلاثة صبيان من أصول دنماركية تعبر الطريق ، ركاب السيارة حاولوا إستفزاز الصبي بعبارات نابية و عنصرية ك 'قرد أسود' و لكنه حاول أن يتجاهلهم و صمم على المضي قدماً في تأدية عمله و ممارسة حريته ، إلا أن الحقد الأعمى و العنصرية المزروعة في فكر راكبي السيارة أبت إلا أن تخرج و تتحول إلى هجوم بالعصي و الهروات و الآلات الحديدية على الصبي الذي لم يستطع أن يفر من تلك الأيادي البربرية قبل أن يتلقى ضربة قاتلة على رأسه. فلم تسمح له العنصرية أن يكون حراً و لا أن يمارس عمله بسلام. انهالوا عليه ضرباُ بدون سبب ، إلا تجاهل عباراتهم العنصرية و كأن حق التجاهل أصبح غير مسموح ، فانت كأجنبي في هذا البلد يجب عليك أن ترضى بالمذلة و الإهانة و ليس ذلك فحسب بل و عليك أن تشكر قائلها أو ناقلها أو ناشرها. مهما حاولنا فلن نستطيع النظر لهذه الحادثة على أنها حادثة عارضة ، بل هي عبارة عن نتيجة متوقعة و أليمة لتصريحات و إساءات سابقة اباحت المحظور و بررت الفجور في الكراهية والعنصرية فأضحت بلدنا ساحة للعنصرية و مصنعاً للإساءات المتتالية. و ها هي اليوم تقتل و بدم بارد و عدوانية لا مثيل لها صبيا في اجمل سنوات الصبى . فأين هي وزيرة العدل لينيه إسبرسين لماذا لم تخرج علينا بأسطوانتها المعهودة و التي ترددها كل صباح و مساء عندما يدور الحديث عن أبناء المهاجريين، بضرورة تشديد العقوبات و قطع المساعدات عن الآباء و مهاجمة الأئمة و قادة الأقليات . أين هي وزيرة الشؤون الإجتماعية و الرفاه التي تعودت على وضع اللوم على الخلفية العرقية و الثقافية للمجرميين عندما يدور الحديث عن جرائم تنفذ بأيدي أجنبية ، فما بالها اليوم ، هل الثقافة الدنماركية و العادات الدنماركية هي المسؤول الأول عن دماء أوزقر. و اخيراً و ليس بآخر اين هي زعيمة حزب الشعب بطلتها البهية لتفسر لنا سبب هذه الجريمة و أبعادها الدينية و الجغرافية و أهمية امتلاك الصبيان الثلاثة لشعر أشقر . فهل دينيز هو أول ضحية دنماركي للنقاش الدائر حول قضية الرسومات ، هذا ما لا نعلمه حتى الآن و لكنني سأفكر أكثر من مرة المرة القادمة التي سوف أستقل بها دراجتي الهوائية في ضاحية أما في المستقبل. تفشي العنصرية ومسؤولية التجييش في المجتمع الدانماركي
إذا صحت التقارير القائلة بأن شبهة عنصرية تقف وراء قتل الصبي التركي الذي لم يتعدى 16 عاما أثناء قيامه بتوزيع الجرائد مثله مثل أي صبي دانماركي يطمح لادخار بعض النقود في نهاية العطل الاسبوعية او الاجازات فإننا وبلا شك لسنا أمام حالة منفردة من ممارسة العنصرية والتمييز التي كانت في السابق وتتفشى في الحاضر وربما في المستقبل على خلفية قرع طبولها على ألسنة سياسيين وبرلمانيين يختبئون وراء مناصبهم لخلق حالة من التجييش على من يسمون 'الأجانب'.. وقد يكون من هؤلاء الاجانب من ولد وترعرع في كنف ثقافة وعادات الدانمارك وبالرغم من ذلك تبقى التسمية تطاردهم بناءا على الخلفية والاسم واللون..
لا نتجنى حين نعدد سمات هؤلاء العنصريون ولو كانوا ساسة مرموقين وفي ظل حصانة برلمانية، فقبل سنوات طالب أعضاء برلمان في حزب الشعب الدانماركي بالقاء الصوماليين فوق الصومال دون مظلات'برتشوتات'.. وهل نحتاج للتفكير كثيرا لنفهم ما يعنيه ذلك.. ولم تكن النتيجة أن لوحق هؤلاء على تصريحاتهم وفق قانون منع كل اشكال العنصرية والتمييز الذي يتفاخر المشرع به مع وقف التنفيذ..
ليس تلك الحادثة التي أودت بحياة صبي هي الحادثة التي تقرر ما إذا كنا أمام تفشي مرض ووباء العنصرية، فالذي يجيش مجتمعه على أساس الحط من قيمة وقدر مواطنيه الذين يحتمون بالقانون لابد أن يواجه الحقيقية.. الحقيقة التي تتحدث عنها التقارير والابحاث التي يُنفق عليها أموال طائلة فتظل حبيسة مكاتب الطبقة السياسة وفذلكتها الاعلامية..
العنف الذي يودي بحياة الناس.. أو الذي يتهددهم وممتلكاتهم مدان مهما كانت مبرراته في دولة القانون والعدالة.. وإذا كانت محاججات البعض تأخذ منحى التعميم بأن ذلك يتم في أماكن كثيرة في العالم، حيث تنتفي دولة العدالة بالتأكيد، فإننا وبدون شك نتحدث عن الفرق بين ظاهرة و نقيضها..
فلا يُتوقع أمام سنوات طويلة من ممارسة التمييز الواضح والعنصرية الفاضحة أن يختفي الأمر بالتمنيات.. قبل أيام قليلة عرض التلفزيون الدانماركي برنامجا عن شاب دانماركي أراد التحول إلى 'مهاجر' لعدة ايام في المجتمع.. فصار اسمه أحمد.. وأعطي شكله بعض الرتوش التجميلية المؤقتة فدخل المسجد والمتاجر التي يملكها مهاجرون فلم يلتفت إليه أحد.. لكنه حين اتصل باحثا عن سكن باسم أحمد كشف لنا وللمشاهدين عما نقصده بالتمييز حين تعذر عليه الحصول على سكن عند نصف من اتصل بهم..
ذلك النصف الذي نتحدث عنه.. النصف الذي يأخذ من أفواه ساسته ما يقولون ويتفوهون لشرعنة ألفاظ سخيفة ومنحطة بكل معنى الكلمة.. ولا داعي لأن أكرر هنا ما يعرفه الجميع من عبارات تتردد.. بل ويا للسخرية وصل الأمر عند بعض المهاجرين إلى التماهي والانصهار مع وفي لعبة ليست لعبة بريئة.. فالتمسح بالقوي سمة الانسان الضعيف.. ولا نريد لإنساننا في دولة تدعي أنها دولة القانون أن يكون بهذا الضعف الذي يسلخه عن جذوره وخلفيته لأنه يكون عاريا تماما أمام نفسه ومحيطه..
إنها مسؤولية الطبقة السياسية والاعلامية لأن تعيد صياغة خطابها الاجوف وغير البريئ في القرن الحادي والعشرون.. حيث المتاجرة بمكانة وقيمة الاخر بناءا على إعتقاد زائف بأننا 'نحن' الأرقى والاكثر تحضرا و'هم' الادنى الذين يحتاجون لتحضير وتوضيب ليصبحوا مثلنا.. وهم يعرفون، مطلقي العنصرية من عنانها وشرعنتها، أنهم يكذبون مثلما يتنفسون..
قد يعتبر البعض كلامنا قاسيا.. لكنه بالتأكيد ليس تعميميا أمام إزهاق روح بشرية لشاب في مقتبل العمر ذنبه الوحيد أنه من أصول تركية.. وحتى قتلته من الشبان الثلاث الذين ليسوا أكبر منه كثيرا هم أيضا ضحايا الخطاب التحريضي المقيت ونزوع البعض في المجتمع لتصديق خرافة أن 'هؤلاء' أقل قيمة وتحضرا 'منا'!
القسوة مطلوبة حين نعرف ما يمكن أن تولده تلك الخطابات عند قلة من الدانماركيين الذين يتحكم بعقلهم مثل تلك الخطابات.. ومنذ عقدين وأكثر وأنا شخصيا اُحذر من الخلل الذي سيقع.. لذا بقيت طيلة عشرون عاما عضوا في منظمة 'محاربة العنصرية وكراهية الاجانب'.. وكما تقع المسؤولية على الطبقة السياسية الدانماركية تقع على مسؤولية المستهدفون أن يعوا إلى أن الاختباء أو حتى التماهي مع الاحزاب اليمينية لم يعد مفيدا لتجنب مواجهة الحقيقة..
حدث في اسبانيا وفرنسا والسويد إعتداءات أودت بحياة شباب مهاجر.. لكن في تلك الدول كانت تخرج الاعتصامات بالالاف يتقدمها ساسة وصحافيون وبشر عاديون ليرسلوا رسالة إلى بقية المهاجرين والى احزاب اليمين المتطرف والنخبة الحاكمة بأن الأمر لن يمر.. عوقب اليمين في اسبانيا وفرنسا والسويد من خلال صناديق الاقتراع.. لكن ماذا فعلنا في الدانمارك؟ من خرج ليوقف الانتهازيين في المستوى السياسي وليرفع صوته وينظم صفوفه في مواجهة ما يريده هؤلاء في استاع الفجوة بين مكونات المجتمع..؟
وليسمح لنا البعض أن نقول بعض الكلمات: أية فائدة من التصرفات الرعناء والسلبية التي يمارسها قلة من شباب المهاجرين؟ أقول قلة لأنه من مصلحة هؤلاء السياسيين الذين تحدثنا عنهم سابقا يضخمون الاعداد..
ما هي فائدة قيادة السيارات بتلك الطريقة الرعناء التي يقوم بها هؤلاء ويتجمعون حتى ساعات الفجر مطلقين الصراخ والشتائم مبرزين القدرة على من يرفع صوت الموسيقى أكثر ليزعج السكان.. وقد يكون هؤلاء السكان أهله وأصدقاء أهله.. تماما مثلما يُقدم الصورة السلبية للمجتمع الدانماركي ويتحول من حيث لا يدري الى وقود في ماكينة اليمين المتطرف..
إذن، نحن نحتاج لوقفة جماعية من أجل الاجيال التي لا يجب أن تستسلم وتفقد الامل.. وقفة لا تقبل ولا تعطي مبررات.. وتواجه الخطاب التمييزي والعنصري بممارسة عكسه..
رحم الله الصبي التركي ونأمل أن يصبر أهله وأصدقائه على مصيبتهم..