الزاهي : هناك هوة كبيرة بين جرايات التقاعد بالقطاعين العام والخاص.    محامو تونس الكبرى غاضبون    3 حلول لمكافحة داء الكلب ..التفاصيل    الحماية المدنية: 9 قتلى و341 مصابا خلال ال 24 ساعة الماضية    العباسي: "الوزارة ملتزمة بتعهداتها لتسوية وضعيات المربين النواب".    بنزرت: انطلاق اشغال التنظيف الالي للشواطئ استعدادا للموسم الصيفي    هواة الصيد يُطالبون باسترجاع رخصة الصيد البحري الترفيهي    غرفة تجّار لحوم الدواجن: هذه الجهة مسؤولة عن الترفيع في الأسعار    24 ألف وحدة اقتصاديّة تحدث سنويّا.. النسيج المؤسّساتي يتعزّز    تونس تشهد تنظيم معرضين متخصّصين في "صناعة النفط" و"النقل واللوجستك"    رئيس ديوان وزير الفلاحة : قطاع الدواجن أحد ركائز الأمن الغذائي (فيديو)    بطولة الكرة الطائرة: النادي الصفاقسي يفوز على مولدية بوسالم    عبد المجيد القوبنطيني: الخروج من كأس الكاف أثر على النادي الإفريقي .. وماهوش وقت نتائج للنجم الساحلي (فيديو)    الحماية المدنية: 9حالة وفاة و341 إصابة خلال 24ساعة.    حادث مرور قاتل بسيدي بوزيد..    عندك تلميذ سيجتاز « الباكالوريا » ؟.. نصائح لتساعدهم    الكشف عن ورشة لصنع القوارب البحرية بجبنيانة والقبض على 3 أشخاص..    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    الحبيب جغام ... وفاء للثقافة والمصدح    وفاة الممثل عبد الله الشاهد    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    ''أسترازنيكا'' تعترف بأنّ لقاحها له آثار قاتلة: رياض دغفوس للتونسيين ''ماتخافوش''    المرسى: القبض على شخصين و حجز أكثر من 130 قرصًا مخدرًا    تشاجرت مع زوجها فألقت بنفسها من الطابق الرابع..وهذا ما حل بمن تدخلوا لانقاذها..!!    روبليف يقصي ألكاراز ويتقدم لقبل نهائي بطولة مدريد المفتوحة للتنس    مفزع: أكثر من 10 آلاف شخص في عداد المفقودين تحت الأنقاض بغزة..    شاب افريقي يقتحم محل حلاقة للنساء..وهذه التفاصيل..    لمن يهمّه الأمر: هكذا سيكون طقس ''الويكاند''    يهم التونسيين : حيل منزلية فعالة للتخلص من الناموس    البنك المركزي : نسبة الفائدة في السوق النقدية يبلغ مستوى 7.97 % خلال أفريل    ستيفانيا كراكسي ل"نوفا": البحر المتوسط مكان للسلام والتنمية وليس لصراع الحضارات    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    نَذَرْتُ قَلْبِي (ذات يوم أصابته جفوةُ الزّمان فكتب)    مصطفى الفارسي أعطى القصة هوية تونسية    المهرجان الدولي للثقافة والفنون دورة شاعر الشعب محمود بيرم التونسي .. من الحلم إلى الإنجاز    وزيرة التربية تكشف تفاصيل تسوية ملفات المعلمين النوّاب    بينهم ''تيك توكر''...عصابة لاغتصاب الأطفال في دولة عربية    عاجل : سحب عصير تفاح شهير من الأسواق العالمية    الشرطة تحتشد قرب محتجين مؤيدين للفلسطينيين بجامعة كاليفورنيا    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    تركيا ستنضم لجنوب إفريقيا في القضية ضد إسرائيل في لاهاي    أمطار غزيرة بالسعودية والإمارات ترفع مستوى التأهب    مندوب روسيا لدى الامم المتحدة يدعو إلى التحقيق في مسألة المقابر الجماعية بغزة    بعد اتفاق اتحاد جدة مع ريال مدريد.. بنزيما يسافر إلى إسبانيا    طيران الكيان الصهيوني يشن غارات على جنوب لبنان    المرسى.. الاطاحة بمنحرفين يروّجان الأقراص المخدّرة    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    وزارة الشباب والرياضة تصدر بلاغ هام..    النادي الافريقي- جلسة عامة عادية واخرى انتخابية يوم 7 جوان القادم    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    الكاف: اليوم انطلاق فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان سيكا جاز    جندوبة: فلاحون يعتبرون أن مديونية مياه الري لا تتناسب مع حجم استهلاكهم ويطالبون بالتدقيق فيها    عقوبات مكتب الرابطة - ايقاف سيف غزال بمقابلتين وخطايا مالية ضد النجم الساحلي والملعب التونسي ونجم المتلوي    القيروان: إطلاق مشروع "رايت آب" لرفع الوعي لدى الشباب بشأن صحتهم الجنسية والانجابية    اعتراف "أسترازينيكا" بأن لقاحها المضاد لفيروس كورونا قد يسبب آثارا جانبية خطيرة.. ما القصة؟    كلاسيكو منتظر بين التّرجّي والسّي آس آس...    تونس تشارك في معرض ليبيا للإنشاء    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النكبة وميزان قوى التسلح بعدها : منير شفيق
نشر في الفجر نيوز يوم 04 - 05 - 2010

بمناسبة الاقتراب من ذكرى النكبة، النكبة التي حلّت بالفلسطينيين والعرب والمسلمين بإقامة الكيان الصهيوني على 78% من أرض فلسطين في العام 1948، يتوجّب الوقوف أمام مجموعة من حقائق مترابطة طالما عمد الكثيرون إلى تجاهلها أو قلبها رأساً على عقب.
بداية، ما كان للمشروع الصهيوني الذي استهدف الاستيلاء على فلسطين، وإقامة دولة له عليها، مع اشتراطه تهجير أهلها، أو القسم الأعظم منهم، أن يتقدّم خطوة واحدة لولا الرعاية البريطانية: الدولة الإمبريالية الأعظم مع مطلع القرن العشرين. فكل حديث عن مهارة الحركة الصهيونية وتنظيماتها ومؤامراتها في تحقيق أهداف المشروع الصهيوني يظل مضلِلاً إذا لم يوضع في المرتبة الثانية، أو الثالثة، أو الرابعة، من حيث الأهمية بعد الدور البريطاني الدولي. وذلك من زاوية ما وفّر له من حماية عسكرية وأمنية، فيما كان هشاً يحبو غير قادر على الوقوف أو المشي.
فلولا الانتداب البريطاني على فلسطين، وقد بلغ تعداد جنوده، في مرحلة من مراحل حشدها، إلى مائة ألف في مواجهة مليون ونصف المليون فلسطيني مجردّين من السلاح. وقد كرسّهم للإمعان في قمع الشعب الفلسطيني إلى حدّ بلغ الحكم بالإعدام لمن يُعثر معه على غلاف رصاصة أو كان يُحكم بالسجن بين ثلاث سنوات و15 سنة إذا حمل مدية يزيد نصلها على 12 سم.
وبهذا ما كان على الحركة الصهيونية إلاّ أن تحشد ما استطاعت من المهاجرين وترسلهم إلى فلسطين والباقي على بريطانيا في تأمين الأرض والحماية لهم، ثم تسليحهم، أو تسهيل تسليحهم وتدريبهم.
هذا وأمَّنت بريطانيا إلى جانب تكبيل الشعب الفلسطيني تقسيم الأقطار العربية والهيمنة عليها، وقد شاركتها فرنسا في تقسيم البلاد العربية والسيطرة عليها. الأمر الذي عنى شلّ القدرة العربية عن نصرة الفلسطينيين، بل سدّ الأبواب والحدود في وجههم من حيث الدعم والتسليح والحركة.
وبهذا تكون بريطانيا وفرنسا وبمشاركة دولية أوسع، وقد انضمت إليهما أميركا أيضاً، أصحاب الفضل الأول الحاسم في إقامة الكيان الصهيوني. بل لا مبالغة لو قيل إن فلسطين قدّمت للمشروع الصهيوني على طبق من ذهب. فما كان عليه إلاّ أن يقاتل في العام 1948 وهو متفوّق تفوّقاً كاسحاً بالعديد والسلاح على كل من حشدهم الشعب الفلسطيني من حاملي السلاح البدائي المتخلف، أو ما حشدتهم الجيوش العربية التي تدّخلت بعد انتهاء الانتداب البريطاني.
كان التفوّق لقوات الهاغاناه على تلك الجيوش بنسبة ثلاثة إلى واحد. أما السلاح فكان التفوّق فيه يزيد على ذلك أضعافاً كماً ونوعاً. ثم أخذ نهر التسلّح السوفياتي التشيكي يتدّفق عليه ليضيف إلى ذلك التفوّق تفوّقاً عسكرياً ومعنوياً وسياسياً كما الاعتراف الدولي بعد تمرير قرار التقسيم الجائر، والمخالف للقانون الدولي.
وبكلمة، إن كل من يتغنّى بمزايا تنظيمية أو حضارية أو "مؤامراتية" كانت ذات الفضل الأول في ما حققه المشروع الصهيوني يخالفون الحقيقة ويقعون في براثن الدعاية الصهيونية إن لم يجذبهم تقليده في التغلغل في الدول الغربية. فحتى من الزاوية الأخيرة فالفضل الأول يرجع إلى الإستراتيجية الغربية التي فتحت للحركة الصهيونية الأبواب من أجل التسهيل عليها في دعم المشروع الصهيوني في فلسطين، والذي كان القرار الإستراتيجي البريطاني أولاً وقبل كل شيء، وراء تشكله بما في ذلك عقده لمؤتمره الأول في بازل في سويسرا.
ثمة خلل كبير حين يُعاد الموضوع إلى "الحلم التوراتي"، أو اعتبار مؤتمر بازل كان وراء تأسيسه، ثم استطاعت الحركة الصهيونية أن تتقدّم فيه بقدراتها الذاتية إلى حدّ فرضه على الأجندة الإستراتيجية البريطانية ثم الأميركية فالغربية عموماً.
وباختصار، إن من يقول بغير هذا إنما يضع العربة أمام الحصان.
ما إن انسحب الاحتلال البريطاني من فلسطين بعد أن ضمن إقامة الكيان الصهيوني كما أمّن توسّعه إلى حدّ الاستيلاء على 78% من فلسطين وتهجير حوالى المليون فلسطيني (ثلثا الشعب)، حتى سارعت أميركا وبريطانيا وفرنسا في 1951 إلى إصدار الإعلان الثلاثي الذي تعهدّ بعدم المساس بخطوط الهدنة التي فرضت في العام 1948/1949.
وقد شكل هذا الإعلان ضماناً دولياً للكيان الصهيوني. ولكن ذلك لم يكن كافياً إذ تقرّر إمداده بالسلاح وتحديد سقف التسّلح العربي بما يحقق له تفوّقاً عسكرياً كاسحاً على كل الجيوش العربية منفردة، ومجتمعة. ثم عقد توافق سوفياتي أميركي على سقف التسلح الذي يمكن أن يصله التسليح السوفياتي للدول العربية. وهو الذي يفسّر الهوّة الواسعة التي كانت قائمة طوال مرحلة الحرب الباردة.
فالقرار الدولي كان ولم يزل على مستوى الدول الكبرى، منذ قيام دولة الكيان الصهيوني أن يبقي لها التفوّق العسكري على كل الجيوش العربية بل وصل الأمر إلى تأمين امتلاكها للقنبلة النووية وحمايتها من أن توقّع على اتفاقيات الوكالة الدولية للطاقة النووية. ومن ثم كبت كل صوت يحتجّ على ذلك.
عندما حاولت مصر أن تقترب من امتلاك قدرة نووية، ولو في الحدود السلمية مورست عليها الضغوط التي أجبرتها على التخلي عن مشروعها. وعندما حاول العراق أن يبني مفاعلاً نووياً تمّ التواطؤ الدولي للمساعدة في تدميره من قِبَل الطيران الصهيوني. وهكذا كان ممنوعاً على العرب، بصورة خاصة، اختراق حاجز التسّلح التقليدي بما يؤمّن نوعاً من التوازن الإستراتيجي مع جيش الكيان الصهيوني. ناهيك عن التحريم القاطع من امتلاك النووي أو حتى الكيمياوي. وقد وصل هذا حتى إلى مراقبة تسّلح شاه إيران.
أما الموضوع التركي من حيث التسّلح فكان محكوماً بالحلف الأطلسي ومقتضياته. هذا ولعلّ باكستان هي التي شذّت في امتلاكها للقنبلة النووية من بين الدول الإسلامية. علماً أن قنبلتها موجهّة لتحقيق توازن نووي مع الهند. ولكن مع ذلك فإن أميركا لن يهدأ لها بال قبل أن تجرّد باكستان منها أو تسيطر عليها بالكامل. وذلك ضماناً لعدم إدخالها في التوازن النووي مع الكيان الصهيوني.
من هنا ندرك ما معنى الذي تفعله إيران من زاوية الإستراتيجية الدولية حين تخرج عن سقف التوازن المفروض على المنطقة العربية الإيرانية. وتذهب بعيداً في تطوير قدراتها الصاروخية والتكنولوجية العسكرية في الأسلحة التقليدية. ومن ثم ندرك ما معنى الذي تفعله في محاولة امتلاك قدرة تخصيب نووي حتى لو لم يرتفع إلى مستوى امتلاك القنبلة.
وإن الأمر لكذلك حين تتجرّأ سوريا خلال العشر سنوات الماضية أن تتسّلح وتطوّر قدراتها الصاروخية، وفقاً لتقارير صهيونية وغربية فوق السقف المسموح لها به، وبصورة خارجة عن السيطرة. وذلك عكس ما كان عليه الحال في مرحلة الحرب الباردة.
هذا ويجب أن يُضاف إلى ما تقدّم تجاوز سقف التسّلح من قِبَل كلٍ من سوريا وإيران من جهة تسليح المقاومة بقيادة حزب الله في لبنان. وقد تمّ تجاوز السقف أيضاً في دعم قطاع غزة، كما تعلن المصادر الصهيونية والغربية، مالياً وتسّلحاً.
هذا يعني أن كلاً من إيران وسوريا والمقاومتيْن في لبنان وقطاع غزة (قطاع غزة أقل بسبب الحصار ولكن ما زال في إطار الممنوع والمحرّم) دخلوا في الخط الأحمر بالنسبة إلى الإستراتيجية الأميركية الغربية الصهيونية. وذلك من زاوية الإخلال بتوازن السلاح التقليدي وتأمين قدرات قتالية معززة بالأنفاق والتمويه.
طبعاً مثل هذا ما كان ليحدث في زمن الحرب الباردة. أي في ظل الوفاق بين المعسكريْن. ثم ما كان ليحدث الآن لو كان بإمكان أميركا والكيان الصهيوني منعه بالقوّة العسكرية المباشرة. وهو ما حاوله الكيان الصهيوني وبدعم أميركي، وتواطؤ دولي، في حربيْ 2006 ضدّ المقاومة في لبنان، و2008/2009 ضدّ المقاومة في قطاع غزة. وقد فشلتا، ونجم عنهما سباق تسّلح جديد خارج عن السيطرة.
ومن هنا فإن استمرار هذه المعادلة التي خرجت عن سقوف التسّلح المفروضة منذ 1948 ما كان له أن يستمر حتى الآن لولا دخول الوضع العالمي: كل من أميركا والكيان الصهيوني إلى حالة اللا يقين من نتائج استخدام القوّة المسّلحة. فقرار الحرب متخذ من جهة، ولكن التردّد في التنفيذ، من جهة أخرى، هو الذي أجلّ اندلاع الحرب حتى الآن.
الأمر الذي يعني أن الأشهر القليلة القادمة (ربما أكثر) هي التي ستقرّر إن كان الجواب هو الحرب أم ابتلاع معادلة جديدة لميزان القوى. وهذه ستربض كالصخرة على الذين خططوا وعملوا دائماً على إبقاء التفوّق الكاسح في ميزان القوى ضمن شروط أو سقوف مسيطر عليها في مصلحة الكيان الصهيوني.
بالتأكيد كان على الحرب أن تندلع لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء منذ سنتين في الأقل لو لم تكن هنالك موانع حقيقية أميركية إسرائيلية حالت دونها. ولا تفسير ممكنا حتى الآن لذلك غير الإعداد للحرب وإطلاقها بمجرّد تشكل يقين يرجّح الخروج بنتائج إيجابية ولو على مستوى تجميد التسّلح من قِبَل إيران وسوريا والمقاومتيْن عند الحدود الحالية.
وخلاصة، لا تفسير لعدم اندلاع الحرب حتى الآن غير الخوف من أن تأتي بنتائج تزيد الأمر تفاقماً بالنسبة لأميركا والكيان الصهيوني. وهذا ينطبق على قطاع غزة كذلك.
المصدر: الجزيرة
الثلاثاء 20/5/1431 ه - الموافق 4/5/2010 م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.