مجددا عادت إلى واجهة المشهد الديني في المغرب قضية الحركة الإسلامية والجبهة الدينية بعد أن كان قد خفت الحديث عنها زمنا. فمنذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي ظل السعي لتوحيد الحركة الإسلامية وإحداث مصالحة مع مختلف مكونات الطيف الديني بالمغرب يراوح مكانه تبعا لطبيعة الوضع سياسي وحجم التهديدات المطروحة أمام عملها، ولكن مع ظهور تيار يرفع شعار "الدفاع عن المؤسسات أمام تهديد خطر المد الظلامي (الإسلاموي)"، ومبادرات تطالب بإلغاء قوانين تجرم الشذوذ الأخلاقي، بادرت بعض مكونات الطيف الديني، في إطار مراجعة طريقة اشتغالها، إلى المطالبة بتكوين جبهة دينية كفيلة بتحصين المجتمع المغربي وحفظ هويته الدينية. وكان من أهم ما صدر في هذا الشأن مؤخرا سلسلة مقالات للأستاذ محمد الحمداوي، رئيس حركة التوحيد والإصلاح، في جريدة التجديد لسان حال الحركة، تناول فيها قضية الحركة الإسلامية والجبهة الدينية. في مفهوم الجبهة الدينية الجبهة الدينية، التي يدور الحديث عنها، ليست حاليا إطارا محدد المعالم والمصادر، وليست آلية موجهة لانتزاع سلطة من أحد أو محاربة توجه معين، بل هي رؤية فكرية وسياسية، ينضم إليها كل من يعتقد أن الدين مركزي في كل تغير مجتمعي عادل. رؤية لكل من يهفو قلبه ليقيم الدين بوسطية واعتدال في النفس والأسرة والمجتمع بعيدا عن تفاضلية بين الأفراد لهدف نفعي مؤقت. ووفق هذا التصور فالجبهة الدينية ليست مؤسسات دينية رسمية تكيف الخطاب الديني لتمرير تصور معين ومحاصرة توجه آخر، وليست آلية ضغط لفرض طريقة في التسيير ووصف الآخر بالكافر أو الخارج عن الدين. وإنما هي إطار يستوعب المسلم المتدين والعلماني المعتدل والوطني الصادق في وطنيته؛ لأن مصلحة الوطن والمجتمع تقتضي توفير الأمن وتصريف الخلاف بطرق متعارف عليها، و"في الأمن ينتعش التدين الصحيح ويضمحل التدين المغشوش لكل انتهازي أو وصولي". وهذا المعنى تؤكده الخلاصة التي خلص إليها محمد الحمداوي، رئيس حركة التوحيد والإصلاح، في ثالث مقال له حول طبيعة العلاقة بين التيارات الدينية بعضها ببعض (الحركي الصوفي والسلفي) وعلاقة التيارين الديني واللاديني، حيث يقول: "الوقت قد حان لتجديد النظر في مفهوم الجبهة الدينية، مع ما يعنيه ذلك من استصحاب المكاسب التي تحققت من خلالها، ومما يجعلها مقدمة لانفتاح أكبر على مكونات أشمل يمكن التعاون معها لتحقيق مشروع "إقامة الدين وإصلاح المجتمع"، حيث أصبح بالإمكان "تجاوز الحديث في مغرب اليوم عن جبهة دينية وجبهة لادينية، حيث تبين في حالات كثيرة أن "اللادينيين" جهات معزولة عن المحيط المجتمعي وأيضا السياسي، وفي كثير من محطات التدافع السلمي اتضح أنهم ليسوا لا جبهة ولا تيارا، فهم بعض بقايا "الاستئصاليين" أو المعاندين من "الإباحيين الجدد".
وإن كان اهتمام الحمداوي حصر الرؤية في بعد محلي يستحضر الحراك المجتمعي الراهن بتركيزه على إحداث تراكم للكسب الذاتي للحركة الإسلامية بالمغرب وتفويت الفرصة على المتربصين بها، إلا أنها تبقى خطوة تأسيسية لما بعدها باستحضار علاقة المحلي بالعالمي. وهو الرأي الذي بثه الأستاذ عبد السلام في كتابه عن "الإسلام والحداثة" بقوله: "ومضة صراحة مع الذات لإعادة طرح مسألة الإسلام وقضية الحركة الإسلامية في العالم، ليس باعتبارها شقاقا بين البشر، ولا بوصفها عدوا مطلقا للغرب أو تصادما بين الحضارات، ولكن بكونها يدا متوددة للإنسان، مُحبة للإنسان، حاملة رسالة الإنصاف والعدل للإنسان". وقد كانت محاولات للتنسيق بين الحركات الإسلامية في كثير من محطات المناصرة لقضايا الأمة، وهي بذرة جنينية في هذا المسار الشاق الذي يقتضي شروطا لإنجاحها وتفعيلها. الجبهة الدينية تاريخيا
د.أحمد الريسوني
وباستحضار اختلاف أدبيات النشأة والكتابات لدى كل فريق من مكونات الحركة الإسلامية بالمغرب، فقد ظهر مصطلح "الجبهة الدينية" أول مرة ضمن الوثيقة السياسية لحركة التوحيد والإصلاح، التي صدرت في أغسطس 2002، حيث أفردت الرؤية السياسية عنصرا لطبيعة العلاقة مع مكونات المجتمع المغربي، وأوضحت المقصود بالمصطلح: "ونقصد بالجبهة الدينية كل العاملين في ساحة العمل الإسلامي من جمعيات وجماعات إسلامية ومتدينين وعلماء ومؤسسات دينية رسمية أو شعبية، بالإضافة إلى مختلف مظاهر التدين في المؤسسات والقوانين والعادات والتقاليد الاجتماعية". وحددت الموقف من هذه المكونات بالقول: "إن المبدأ العام الذي ينبغي أن يحكم نظرتنا إلى مكونات هذه الجبهة هو مبدأ الولاء والنصرة والحرص على لم شتات هذه الجبهة وتضامن مكوناتها ومحاولة تنسيق جهودها وطاقاتها في دعم مظاهر التدين في المجتمع ومواجهة مظاهر الانحلال والعلمنة"، مستشهدة بحديث "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" وشرح مقصوده والتأكيد على التنبيه على الانحرافات العقدية والتصورية والسلوكية ضمن مفهوم "النصيحة الشرعية". وهو ما سيؤكده رئيس الحركة سابقا "الدكتور أحمد الريسوني" بعد شهرين من إصدار الوثيقة، خلال المؤتمر الثاني للحركة بقوله: "يجب إشراك الرسمي وغير الرسمي والسلفي والصوفي في مواجهة التحديات المطروحة أمام تدين المغاربة محليا ودوليا" ديسمبر 2002. لكن التأكيد أن الجبهة الدينية ظهرت تاريخيا كممارسة ميدانية منذ بداية الثمانينيات وانشقاق المكونات الإسلامية عن الشبيبة الإسلامية، حيث بادر الأستاذ عبد السلام ياسين إلى تجميع الطاقات والمجموعات الدينية لتكوين جماعة موحدة، قبل أن ينفد صبره بصعوبة تحقيق ذلك ويقوم بتأسيس جماعة خاصة به. وظل النفس الوحدوي المؤشر على ضرورة وجود جبهة دينية حاضرا لدى باقي قيادات العمل الإسلامي، والذي تبلور في رابطة المستقبل الإسلامي، التي حاولت جمع لفيف من الجمعيات الدعوية منذ نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، والتي ستتوحد مع حركة الإصلاح والتجديد في أغسطس 1996 في إطار حركة التوحيد والإصلاح، حيث سيسهم تلاقح التجارب في القطع مع العمل السري والعمل العلني والتعاون مع مختلف الفرقاء وتدعيم خيار المشاركة السياسية في مؤسسات الدولة (مبادرة عبد الإله بنكيران ورفاقه). العمل داخل المؤسسات الدينية يرتبط الإيمان بالعمل الإسلامي داخل المؤسسات تاريخيا بمرحلة الستينيات من القرن الماضي (مرحلة ما بعد الاستقلال) مع الدكتور المهدي بن عبود وعلال الفاسي والمختار السوسي ومحمد بلعربي العلوي، حيث حرص هؤلاء الأعلام على تقلد مسئوليات دينية وسياسية مؤثرة بالمغرب (وزراء) رغم وجود علماء متمسكين بالتقليد والسكون في مجابهة التيارات الحديثة. ويصف الدكتور أحمد الريسوني نظرة شباب الحركة الإسلامية خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي لهذا العمل بقوله: "كنا نقف موقف التوجس بل ربما إلى حد الإدانة والاستخفاف، موقف تحميل المسئولية؛ لأننا لم نكن نتفهم كيف تم تهميش العلماء، ولم نكن نتفهم أيضا أعذار العلماء، ولم نكن نعرف كثيرا من العلماء ذوي الغيرة الصادقة والمواقف النظيفة، وكانت تظهر لنا بعض المواقف المشينة. ولكن سرعان ما انقشع هذا الأمر وبدأ الشباب المتدين يتفهم أوضاع العلماء ويقدر جهودهم وظروفهم". وخلال الآونة الأخيرة، ومع اشتداد عود الحركة الإسلامية، انصب تركيز الفاعلين الدينيين بالمغرب والمهتمين بقضايا الحركات الإسلامية على أن العمل من داخل المؤسسات الدينية القائمة هو عنوان تدعيم الجبهة الدينية بالمغرب، فإن تم القبول بما تقدمه الوزارة من مشاريع لإصلاح الشأن الديني، أو الانخراط في مؤسساتها فهو دعم للجبهة الدينية. وكل محاولة لتوجيه النقد الصريح لها أو تقويم اعوجاجها هو سباحة ضد تيارها. وبناء على هذا المعيار تشكلت نظرتان تبادلتا الاتهامات فيما بينهما، أيهما الأصوب ومن على حق في الموقف من الجبهة الدينية. فالفريق الذي اقتنع بالعمل من داخل المؤسسات، سواء في المجالس العلمية (فريد الأنصاري، رضوان بنشقرون...) أو الرابطة المحمدية لعلماء المغرب (أحمد العبادي، أحمد السنوني...) أو الهيئات التابعة للإدارة المركزية والجهوية لوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، حاول في الكثير من المناسبات إعلان انفصاله التنظيمي عن الحركة الإسلامية، وحتى من بقي محافظا على هذا الرابط التنظيمي فقد أسندت إليه مسئولية غير حساسة ضمن المؤسسات القائمة. ويرى هذا الفريق أن الفضاءات التي يمنحها هذا الاختيار هي أوسع مما تتيحها هياكل التنظيمات الإسلامية في ظل محاصرة ضمنية لأنشطتها. وبرغم ما يلاحظ بأن هذا الاختيار يمثل اجتهادا كبيرا في سيرورة الحركة الإسلامية يحسب لأصحابه في القطع مع تصور نفسي كان يعتبر كل ما يصدر من الجهات الرسمية "غير صالح"، "وغير متناسب مع روح الإسلام"، إلا أنه سيواجه عدة عراقيل واتهامات. فمن ناحية العراقيل، فهو لا يمكن إلا أن يسير في التوجه الرسمي لمقاربة المسألة الدينية ومدى علاقتها بمختلف القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الحساسة، دون وجود حرية لتطبيق التصور المرغوب فيه لجعل الدين موجها للحياة. فالرؤية الرسمية تسعى جاهدة إلى نزع أي قيمة اعتبارية لدور الحركة الإسلامية في المجتمع، برغم وجودها الميداني الفاعل. ويؤشر على هذا، رغم عدم التصريح به علنا، ربط الأمني بالديني في تعيين الخطباء والقيمين والمرشدين الدينيين. فمن احترم الرؤية الرسمية فهو في خانة الرضا، ومن اجتهد للخروج عنها فالترتيبات الإدارية تجعله خارجها. أما من حيث الاتهامات، فقد عانى هذا الفريق من تهمة الاحتواء المخزني والرغبة في التموقع الاجتماعي والمادي على حساب الدعوة. وهو يحاول التقليل من وطأة هاته الاتهامات بالتأكيد أن المجال الذي يتيحه العمل الرسمي للكسب الدعوي العام أفضل من كثير مما تتيحه تنظيمات الحركة التي غرقت في الأمور التنظيمية على حساب الغاية الكبرى المتمثلة في "إقامة الدين في الفرد والأسرة والمجتمع والدولة". وفي وجه مقابل لهذا الاختيار، تمسكت أغلب المكونات الدينية بمنطق الممانعة عن الاحتواء المخزني (العدل والإحسان) أو التعاون في الخير مع الغير بحذر (التوحيد والإصلاح). أما باقي المكونات فقد تموقع أغلب أفرادها أو أتباعها في أقصى طرفي المعادلة في شأن التعامل مع المؤسسة الرسمية: القطيعة أو الانصهار، وتمثل هذا التموقع التوجهات السلفية والصوفية، وتختلف تفسيراتها الفكرية لهذا التموقع حسب كل طرف. ومن العراقيل التي صادفت هذا الاختيار الانعزال عن صناعة القرار الحاسم في الاختيارات الدينية، والسقوط في خانة التضييق عليها، إما باستقطاب كفاءاتها وتفريغها من مصادر قوتها العلمية والدعوية، أو إبعادها عن منطقة الاشتغال الحقيقي بالمجال الديني وقبولها للعمل السياسي وفق شروط مسبقة. وقد ظهرت إشارات هذا التضييق بالدعوة إلى فصل الدين عن الممارسة السياسية، والتأكيد على أن "إمارة المؤمنين هي التي توحد بين الدين والسياسة". وهذا التصور على الرغم مما يظهر منه بأنه انتصار للتوجه الرسمي بدعوته مؤقتا لتعزيز دور المؤسسات والفصل بين وظائفها، فإن بعده الإستراتيجي هو تفريغ هاته المؤسسات من عمقها الديني على حساب مشاريع جديدة، لا تجعل من الدين موجها رئيسا لشئون الحياة، وهو ما أطلق عليه حاليا بالاختيار اللائكي (العلماني الشامل). خيار استراتيجي ضد الاختراق
عبدالسلام ياسين
أكيد أن كل الفاعلين الدينيين بالمغرب بدون استثناء لا يترددون في القبول بدعم الجبهة الدينية مبدئيا كخيار إستراتيجي للتحصين ضد أي اختراق، سواء الجهات الرسمية أو الشعبية، وإن كانت الحيرة ثاوية في كيفية التنزيل. فمنذ المؤتمر الثاني لحركة التوحيد والإصلاح سنة 2002 أعلن رئيسها السابق أحمد الريسوني أمام حضور يضم مختلف الحساسيات الدينية بالمغرب، أن الحاجة ملحة "ليتعاون الرسمي والشعبي السلفي والصوفي لمقاومة المد الإباحي والانحلالي، الذي يهجم على المغرب". بل توسع الريسوني ليشمل بدعوته العلاقة المرجوة بين السنة والشيعة. وفي السياق نفسه تأتي كتابات الأستاذ عبد السلام ياسين لتميز بين الاختيار بين الإسلام واللائكية واستحضار البعد الديني كأصل للوحدة والأخوة بين المسلمين، وهو ما تحاول ترجمته الجماعة بالدعوة إلى "ميثاق إسلامي" أو "ميثاق وطني"، حسب اختلاف تعبيرات قيادييها. وقد اتخذت اجتهادات باقي الحركات الإسلامية بالمغرب مسارا شبيها على المستوى العملي بتأكيدها على إمكانية التقارب بين الديمقراطيين والإسلاميين لتكوين جبهة ضد الفساد والمفسدين (جمعية البديل الحضاري، والحركة من أجل الأمة). أما خيار باقي المكونات، فرغم أنه يتحاشى التفريق داخل المجتمع بين جبهتين: دينية أو غير دينية، إلا أن طبيعة خطابه المعرفي يؤسس لتصور يرى أن "الالتزام بالإسلام شرط لسعادة المجتمع" (جمعية الدعوة بفاس وبعض التيارات السلفية مثلا). وبرغم الاستقبال المستعجل، الذي صادفه كتاب فريد الأنصاري حول "الأخطاء الستة للحركة الإسلامية"، وعدم التمييز في أسلوبه بين الفقيه الشاعر عند حديثه حول القضايا الكبرى التي تواجه الحركة الإسلامية، فإن هذا الخيار ظل حاضر لديه، ويمكن استنباطه من قوله: "الحركة الإسلامية ليست شرا كلها، بل كان لها الفضل الأول في السبعينيات والثمانينيات من القرن الميلادي الماضي - بعد الله تعالى - في إيقاظ روح التدين بالبلاد ومدافعة تيارات الزندقة والإلحاد". ورغم ما يلاحظ من أسلوب جارح بقوله: "إن الناظر إلى عجيج السياسة وضجيج الصحافة يظن أن العمل الإسلامي في المغرب اليوم - من حيث هو جماعات تنظيمية - بخير وعلى خير! وأنه على مواقع متقدمة من معركته الحضارية الشاملة! لكن الحقيقة أنه تخلف عما كان عليه من قبل كثيرا، وفشل فشلا ذريعا في الحفاظ على مواقعه الإستراتيجية التي كان قد استصلحها بمنهجه التربوي وخطابه الدعوي الشعبي والأكاديمي، فكانت له بمنهجه التربوي وخطابه الدعوي الشعبي والأكاديمي مجالات حيوية منها ينطلق وإليها يعود!". شروط النجاح إذن تقرر أن الجبهة الدينية ليست وسيلة لمواجهة أفراد معينين أو انتزاع سلطة اعتبارية باسم الدين من أحد، فإن هذا يفترض توافر شروط لإنجاحها، وفي محاولة للإسهام في هذا الخيار، يمكن التأكيد على أن نجاح هذه الجبهة متوقف على: - الاتفاق على أسلوب الوسطية خيارا للتعايش في مجتمع أصبحت فيه المتغيرات الفكرية والسياسية المحلية والعالمية تتغير بصورة متسارعة. - وضع آليات وقنوات لتصريف الاختلاف الديني بعيدا عن أي توظيف سياسي وتخليصه من الانتهازيين، سواء في جانبه الرسمي أو الشعبي. - التأكيد على نبذ العنف أو الضغط الأمني وسيلة لفرض رؤية معينة، والاحتكام إلى جدوائية أي مشروع مجتمعي بمدى ما يحققه من أمن وتدافع سليم لأفراد المجتمع. - عقد ملتقيات فكرية وتقديم بحوث علمية تؤسس لدواعي هاته الجبهة وأهدافها وشروط إنجاحها، بعيدا عن أي تشويش صادر عن المتضررين من وجودها وفاعليتها. وتبقى هاته المساهمة المتواضعة أرضية لفتح هذا الورش الكبير أمام الحركة الإسلامية كأهم فاعل ديني بالمغرب، حاولت أن ترتكز على تصورات بعض قياديي الجبهة الدينية حديثا دون اللجوء إلى كتابات ارتبطت بفترة تأسيسها خلال السبعينيات من القرن الماضي، وربما كانت منجزة خارج الذهنية المغربية وطبيعة نظامها السياسي. وقبل الختم يبقى التأكيد أن أمام الجبهة الدينية ملفات شاقة تنطلق من تمحيص مجموعة من المقولات الحساسة مثل: الهوية، العلمانية، الديمقراطية، الخاص والعام في التدين.. في أفق بلورة أرضية مشتركة بين الأطراف الراغبة في إنجاح "خيار الجبهة الدينية". -------------------------------------------------------------------------------- صحفي مغربي ---------------- الجبهة الدينية وخيار المواجهة - 2008-03-26 12:00 (غرينتش)
مقال جميل يحتاج إلى من يعمقه لكي يؤتي ثماره. والحقيقة أن الشعب المغربي شعب متدين بالفطرة، والمتردد في قبول دلك ليستوقف مارا أو مارة مهما كانت سافرة وليسألها عن الدين، فسيجد ما يؤكد ما زعمناه، بل تجد السكير المترنح بالشارع وعندما تنصحه يقول لك بصوته المتقطع: "الله يعفو علينل من هده البلية". أين تكمن المشكلة إدا في قطر هده صفته الغالبة. إن المغالربة تعرضوا بعد الاستعمار إلى استعمار أشرس وأقبح ألا وهو استبداد الأفكار والنظريات المستوردة من إيديولوجية شيوعية مشوهة و تيار ليبرالي منحرف و جماعة متحكمة مفرنسة مستغربة. وكان الشعب يشكو الأمية المخيفة والتهميش الرهيب. وبقدر ما استطاع أن ينتصر في كفاحه ضد المحتل الغربي فقد فشل في مواجهة أبنائه "المنحرفين" كما الحال الآن في قضية الصحراء التي يفتعلها أبناؤه بإيعاز وتشجيه ومدد من الأعداء. طيلة سنوات التحرر، قصفت العقول والقلوب وقيم الشعب المسلم بما يميع علاقته والدين ويدمر شخصيته وهويته و يشوه معالمه ويمسخ تاريخه وأصوله، مكر تعاون عليه أعداء الخارج وخونة الداخل، ولا زال مسلسله نشطا بين مد وجزر وكر وفر. هدا كله بينما الجبهة الدينية مهمشة تعيش الفاقة المادية منها والاجتهادية. فمنها من تصوف و اختار الطرقية مسلكه ومنها من اجتهد وآل اجتهاده وبالا عليه حيث البطش المخزني بكل شراسته ومنها من تلمس طريقه نحو خيار المصالحة والتعاون على الخير مع الشرفاء. لكن الواقع قاس، والضربات التي تلقتها الأجيال ردحا من الزمن تستلزم جهودا كبيرة لتجديد الانتساب لهدا الدين بتجديد الانتساب لهدا البلد، تاريخا وأصولا .. فالخشية الكبيرة من أن يوما آت ، تجد فيه في المغرب من كل الأجناس والهويات إلا الهوية المغربية الإسلامية. فالحقيقة التي لا تخفى أن أبناء المغرب يفضلون الغرق على البقاء في بلدهم، والأجانب تحتل بالاستثمارات المشبوهة كل مدينة عتيقة وكل مدشر. مع كل التأثيرات السلبية المدمرة التي يجلبها هؤلاء لتدمير ما تبقى صامدا رصينا. لمكونات الديني بالمغرب أن يتفقوا على مشترك، لهمأن يوحدوا مشروعهم في الحفاظ على مقوماتهم والدود عنها.. للجبهة الدينية أن تستهدف مراكز القرار لكي تفعل برامجها.. للجبهة الدينية أن تجدد من خطابها ومن وسائلها لمحاصرة تيار التمييع والإفساد.. لكن على الجبهة الدينية بكل مكوناتها فرادا وجماعات أن تعلم أن المتحكم الحالي في دواليب التسيير والتدبير هم لوبيات الاقتصاد والمال.. وعليه فلتجتهد ، إن هي رامت تغييرا حقيقيا القوة في هدا المجال حتى تتمكن من إصلاحما أفسده الناس وحتى يحسب لها حسابها وحتى لا تبقى المزعج الدي لا يلتفت إليه لأنه الضعيف المعدم في جولة ساحة الأقوياء المتحصنين.