هل يمكن أن تقبل مصر بأن يُعامل أبناؤها الذين يحاولون التسلل إلى ليبيا أو الوصول إلى إيطاليا بمثل ما تعامل به مصر الأفارقة، الذين يحاولون التسلل إلى إسرائيل عبر حدودها إلى إسرائيل؟ أعني، ماذا يكون شعورنا لو أنهم أطلقوا النار على شبابنا وقتلوهم، كما يفعل حرس الحدود المصريون مع أولئك الأفارقة البؤساء، الذين قتلنا منهم 12 شخصاً هذا العام. وتقول منظمة مراقبة حقوق الإنسان، إن 69 منهم قتلوا على حدودنا منذ سنة 2007. ليس عندي دفاع عن التسلل عبر الحدود، سواء من قبل المصريين أو الأفارقة أو غيرهم، لكني لا أخفي تعاطفاً مع المتسللين (غير المهربين بطبيعة الحال) وفهماً لدوافعهم واحتراماً لإنسانيتهم، إذ أزعم أن أغلبهم من الذين ضاقت بهم بلادهم، واضطروا إلى المغامرة باجتياز الصحارى وركوب البحر والتعرض لاحتمالات الموت، بحثاً عن حياة أفضل. هم هاربون من جحيم الفقر واليأس إلى المجهول، يتلمسون فيه بعضاً من شعاع الأمل، ولأنهم كذلك فلدي تحفظات شديدة على طريقة تعاملنا معهم، إذ أزعم أن من حقنا أن نمنعهم أو نحاسبهم أو حتى نحاكمهم إذا كانوا قد دخلوا إلى بلادنا خلسة، لكن قتلهم يظل جريمة بكل المقاييس، ولا أعرف بلداً في أوروبا من تلك التي يستهدفها المهاجرون، استخدم الرصاص في ملاحقة المهاجرين أو مطاردتهم. لقد كثفوا من قوات حرس الحدود، وأقاموا مراكز خاصة لتجميعهم، تمهيداً لترحيلهم وإعادتهم من حيث أتوا، وعقدوا مؤتمرات واتفاقات فيما بينهم وأخرى بينهم وبين جيرانهم للبحث في أنجع السبل لوقف سيل الهجرة غير الشرعية، وأخيراً قرأنا في مصر أن إيطاليا قررت إهداءها خمسة قوارب، لمعاونة حرس الحدود المصريين في ضبط الهجرة غير الشرعية عبر البحر، ومطاردة السماسرة الذين يديرون تلك التجارة ويتكسبون من دغدغة مشاعر الفقراء وإغوائهم. الممارسات المصرية في حق المهاجرين الأفارقة تلقى إدانة ونقداً شديدين من جانب منظمات حقوق الإنسان المحلية الدولية، التي تعتبرها بمنزلة انتهاكات جسيمة من جانب الدولة المصرية لمبادئ ميثاق حقوق الإنسان والمعاهدات الدولية، فالقتل يتم بغير حساب ولا يجرى أي تحقيق في ملابساته، واختفاء بعض أولئك المهاجرين لا يبرر ولا يتابع بل صار مصطلح «حدود الموت» هو ما توصف به الحدود المصرية بين سيناء وإسرائيل في أدبيات المنظمات الحقوقية. صحيح أن سمعة مصر في مجال انتهاكات حقوق الإنسان لم تثن نظامها عن ممارساته، لكن ما يحدث مع الأفارقة لا يعد حلقة رديئة في ذلك المسار غير المشرف فحسب، وإنما، أيضاً، يثير أسئلة عدة، هي، ماذا سيكون صدى تلك القسوة التي نتعامل بها مع أولئك المتسللين في أوساط الدوائر الأفريقية، التي نبحث معها الآن عن حل لمشكلة إعادة النظر في توزيع حصص مياه النيل؟ ثم، لماذا نتطوع من جانبنا بالذهاب إلى ذلك المدى الفظ في تأمين حدود الدولة العبرية، ولماذا لا تلجأ مصر بعد أن تستنفد جهود الملاحقة إلى إبلاغ السلطات الإسرائيلية بحدوث التسلل، لكى تتولى من جانبها حل إشكالها مع المتسللين؟ أما السؤال الثالث، فينصب على إجراءات وجهود مراقبة الحدود، التي جرى التشديد عليها استجابة لضغوط أميركية وإسرائيلية لإحكام الحصار حول قطاع غزة، ولماذا لا تكلف الأبراج المقامة، أيضاً، بضبط عمليات التسلل إلى إسرائيل؟ إننا ونحن ندعو إلى التوقف الفوري عن إطلاق الرصاص على الأفارقة المتسللين لا نستطيع أن نسكت على عمليات القتل، التي تمارس في حق الفلسطينيين، الذين يضطرون إلى استخدام الأنفاق فى توفير احتياجاتهم، والتخفيف من أثر الحصار المفروض عليهم، ويدهشنا ويصدمنا التقرير الذي أصدرته ، أخيراً، الجمعية الفلسطينية لحقوق الإنسان (راصد)، الذي تحدث عن مقتل أكثر من 52 فلسطينياً في منطقة الأنفاق، جراء رش السلطات المصرية الغاز في تلك الأنفاق منذ أول العام الحالي (2010)، وهي معلومة تتطلب تحقيقاً للتأكد من ملابساتها، ذلك أن قتل هذا العدد في الانفاق فضيحة لنا، وإذا ما تم ذلك بواسطة الغاز، فإن الجريمة تضاف إلى الفضيحة، وإذا سكتنا جميعاً على ذلك، فإن بطن الأرض يصبح أفضل لنا من ظهرها. الرؤية الثلاثاء, 18 مايو 2010