ليعذرني القارئ الكريم فعنوان المقال الذي طالعته للمفكر التونسي «منصف المرزوقي« هو «لماذا نقرأ ونكتب؟«.. أتعجب أنا لماذا لا نقرأ أو نكتب؟ ما يعنيني في واقع الأمر هو المواطن العربي الذي تحتل معدلات القراءة والترجمة والاطلاع والنشر وربما المشاهدة لديه مراتب تتناقص مع تعاظم المعدلات نفسها لدى أمم وشعوب أخرى من قاطني القارات الخمس «أو الست«. دعوني أقتبس من كلام الكاتب: «أليست القراءة هنا رحلة بلا عناء والكاتب هو من تكلف كل مشاكلها موفرا علينا مصاعب الرمضاء والجليد وأخطار الطريق؟ أليست بديلا عن السفرة التي لم تسعفنا الظروف للقيام بها؟«. فعلى الرغم من أن الكاتب المقدام قد اقتحم العالم المجهول... خاطر وسافر... اغترب وهاجر ليقدم لنا على الورق المصقول ما نتلذذ بمطالعته في كنف القاعات المكيفة والحجرات المريحة.. ماء باردا وظلا رطيبا... إلا أننا نأبى في عناد طفولي أن نستجيب لنداء الكلمات أو نفي بوعد القراءة في مقابل جهد التأليف والبحث والاطلاع وربما المخاطرة التي أقدم عليها الكاتب والناشر والمترجم. لنبحر من جديد في بحر المرزوقي «هذا ما يجعل كل كتاب نقرؤه بمثابة مفتاح نعمله في باب يفتح لنا فضاء مغلقا بسبعة أبواب وكل باب نفتحه بنص جديد يفتح لنا فضاء بسبعين بابا فنتقدم بالقراءة ونحن مثل من يتبع شعاع مصباح يضيء بضع خطوات أمامنا.. وكل ما حولنا ويعبد أمامنا مناطق غارقة في الظلام «. من يخشى النور؟ هل الظلام هو ما نخشاه؟ أم لعل ما نخشاه في واقع الأمر هو النور نفسه؟ نحن لا نلوم طفلا يخشى الظلام... لكنا نلوم رجلا يخشى النور. كلمات بليغة للراحل أندريه مالرو المفكر والمثقف الفرنسي المعروف.. لو كان همنا هو تجنب نعمة النور والتلذذ بمخاطر الظلام فمن المؤكد أننا نسلك دربا وعرا مصيره حتما مجهول. المرزوقي يدفعنا في الاتجاه الصحيح نحو اقتناء الكتب وربما مطالعتها.. ربما تشجيع أفراد المجتمع المدني على البحث الذي نخشى أحيانا أن يقودنا الى التفكير... وهو تطور طبيعي لنضج الفكر الإنساني. هل هناك من نادى يوما بأن الشرق لا يصلحه إلا «مستبد عادل؟«. لنعد من جديد الى أوراق المرزوقي «نعم لا مناص من القراءة لكل من يريد لنفسه الحد الأدنى من الحرية والوعي والفعالية.. لمن يريد شيئا من راحة البال بخصوص كل الأسئلة التي تؤرقنا والتي لم نجد أجوبة شافية عنها عند من قادوا أولى خطانا«. هل تقود القراءة الى الحرية أو المساهمة في تعزيز الحضارة الإنسانية؟ «الإضافة الكبرى للحضارة أنها توجد فضاء اضافيا هو فضاء اللغة الذي ندخله وراء دليل سلاحه القلم بحثا عن غنيمة هي دوما شكل أو آخر من المعرفة«. الكتابة والحياة «ثمة أيضا ما توفره الكتابة من مواصلة الحياة عندما تنضب ميزانيتنا من الزمان. معروف أن الموتى لا يكتبون وأن أغلب من بقوا أحياء هم الذين كتبوا شيئا له قيمة«. وبالرغم من محاولة البعض طمس حقيقة الكتب والحروف والرموز والكلمات فإن ما تلقينا - بعد حرق المكتبات وهدم دور الحكمة وإغراق الكتب في الأنهار ونفي الكتاب وحرق أصابعهم أحيانا - لايزال يدعم مسيرة النور التي تكافح جحافل الظلام. «نحن مثل خلايا دماغ جبار توحد بين مختلف مكوناته الثقافة المتوارثة جيلا بعد جيل. هذا الدماغ الجماعي هو الذي يعطينا تفوقا هائلا على مجتمعات النمل والنحل لأننا نملك بالكتابة قدرة مراكمة التجارب وبالقراءة قدرة استغلالها.. قدرة إلغاء سلبيات الموت بل استغلال تدفق الزمن...«. هل هناك من مخاطر تصحب عملية القراءة.. البحث والرغبة في اكتشاف المجهول؟ وأي المخاطر علينا أشد.. نعمة الجهل أم شقاء العقل؟ ولن يتوقف الجدل في حوار طرفاه العقل واللاعقل.. في نهاية المطاف من هو أوفر حظا.. الكاتب أم القارئ؟ من يجاهد أم من يشاهد؟ من يعاند أم من يكابد؟ لطالما شعرت كقارئ أن مطالعة الكتب وتصفح المراجع متعة لا تقاوم ولذة لا تقدر بثمن. وكاتبنا «المرزوقي« يتمتع بوجهة نظر فريدة هي.. «يالحظ كل كاتب يساهم ولو بحصاة بسيطة في تعبيد طريق ستتبعه قوافل الزمان من مغامري الوجود!«.