جَاء لقاء مشعل ميدفيدف ليضع حركة حماس على أعتاب مرحلة جديدة على المستوى الدولي والإقليمي ويوجه لطمة للكيان الصهيوني، وفي نفس الوقت يسبب حرجًا كبيرًا لعدد من الدول العربية التي رفض زعماؤها استقبال مشعل حتى الآن. وجَاء هذا اللقاء الذي جمع الرئيس الروسي ديمتري ميدفيدف ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل؛ اعترافًا بالحركة ودورها الفعال في الصراع العربي الإسرائيلي، وما يطرح من حلول لهذا الصراع، والأهم هو الاعتراف بها كحركة تحرير وطني، وليس حركة إرهابية كما يحاول الكيان الصهيوني إلصاق هذه التهمة بها طوال الوقت، رغم أنها وصلت للسلطة عبر صناديق الاقتراع وانتخابات نزيهة، وهو ما أكده كل من الرئيس التركي عبد الله جول والرئيس الروسي ميدفيدف، باتفاقهما على ضرورة التعامل مع حركة "حماس" باعتبارها طرفًا فاز في انتخابات نزيهة، ولا يمكن تجاوزها، وهو ما أكده الرئيس التركي بقوله: "إنه لا يمكن تحقيق السلام دون مشاركة حماس، وينبغي إجراء محادثات بين طرفي القضية الفلسطينية، وحماس أحد الطرفين، وهي التي فازت في الانتخابات، ولذا لا يمكن تجاهلها" وأضاف جول: "عندما تحدثت تركيا مع حماس تعرضت لتهديدات، لكن تبين أنها على حق، ولا يمكن تحقيق السلام باستبعاد الناس". وبدوره أشار الرئيس ميدفيدف إلى أنه يتعين التعامل مع حماس، وقال: "اتفقنا على احتمال حل المشكلة بشكل أكثر نشاطًا، بإشراك كل أطراف الصراع دون استبعاد أحد من العملية" مشيرًا إلى تعرض قطاع غزة لمأساة إنسانية ينبغي إيجاد حلول لها، وهو ما أكده الناطق باسم الخارجية الروسية "أندري نيسنيرينكو" بقوله: "إن موسكو على قناعة تامة بأن طريق توحيد الصف الفلسطيني كله وليس عزل بعض الجماعات أو الفصائل الفلسطينية هو الطريق الصحيح". كل هذا بدوره يعطي مزيدًا من القوة والثقة لحركة حماس وقادتها ويضعها على أعتاب مرحلة جديدة، كشريك فاعل في المنطقة كما أشرنا، خاصة في ظل تراجع دور أبو مازن والمعسكر المعتدل، وتحديدًا الدور المصري، بعد فشل التوقيع على ورقة المصالحة المصرية ورفض حماس لها بعد إدخال تعديلات عليها لصالح أبو مازن، وظن الكثيرون أن حماس تحاول الانتحار السياسي عندما تجرأت ورفضت التوقيع على هذه الورقة، ولكن جاء لقاء مشعل- ميدفيدف ومن قبله لقاء مشعل- جول ليؤكد من جديد أن حماس المنتخبة ديمقراطيًّا لا تزال لديها القدرة على لعب دور كبير ومؤثر في المنطقة، ليس من خلال خنادق القتال والمقاومة فقط ولكن أيضًا من خلال غرف وموائد السياسة. من هنا انتفض الكيان الصهيوني وأصيب بزلزال كبير عقب هذه اللقاءات، وتحديدًا لقاء مشعل- ميدفيدف، وهو ما عكسته بيانات وزارة خارجيته وزعمائه السياسيين وصحفه وإعلامه، ففي بيان صادر عن وزارة الخارجية قال: "إن تصريحات الرئيس الروسي سببت لنا خيبة أمل، وكذلك لقاؤه برئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل" وأضاف البيان: "حماس هي منظمة إرهابية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، هدفها محو دولة إسرائيل عن وجه الأرض" ومن ناحيتها قالت تسيبي ليفني زعيمة حزب كاديما المعارض: "لطالما عملنا من أجل إسقاط الشرعية عن حماس، وفي حال استجبنا لدعوة الرئيس الروسي سوف تكون النتائج عكسية، وعلى نقيض ما عملنا لأجله تمامًا". أما صحيفة إسرائيل اليوم فقالت: "إن هذا اللقاء مخيب للآمال ولن يدفع باتجاه الاستقرار في المنطقة، ومن شأنه أن يمنح الشرعية ل "الإرهاب" في الشرق الأوسط. وفي المقابل ردت الخارجية الروسية الصاع صاعين للخارجية الإسرائيلية من خلال تصريح الناطق الرسمي بلسان وزارة الخارجية الروسية أندري نيستيرينكو، والذي قال فيه: إن وزارة الخارجية الروسية ترفض الانتقادات التي وجهتها بعض الدول بشأن الاتصالات المنتظمة التي يجريها مسئولون كبار روس مع حركة حماس، وأضاف نيسترينكو: "إن حماس ليست تنظيمًا مصطنعًا، بل هي حركة تتمتع بثقة جزء كبير من الفلسطينيين بها، وأضاف: "إنه لا يمكن تسوية قضية الشرق الأوسط إلا بالاستناد إلى وحدة الصف الفلسطيني وليس عن طريق عزل فصائل فلسطينية معينة" كما نقلت وكالة نوفوستي الروسية للأنباء. ولم تقف نتائج لقاء مشعل- ميدفيدف عندما حققته حماس من مكاسب أو الصفعة التي وجهت للكيان الصهيوني، ولكنها امتدت لتشمل بعدًا ثالثًا يتمثل في الحرج الكبير الذي سببه هذا اللقاء لعدد من الزعماء العرب الذين يترفعون ويتعالون عن استقبال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، خاصة وأن من بين هذه الدول التي ترعى المصالحة الفلسطينية، وعلى رأسها مصر، فحتى الآن لم يستقبل الرئيس المصري حسني مبارك خالد مشعل ولا حتى وزير خارجيته أحمد أبو الغيط، واقتصرت المقابلة على اللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات المصرية، في إشارة واضحة تفيد أن مصر تتعامل مع حماس في إطار أمني، وهو الشيء نفسه الذي ربما ينطبق على السعودية، حيث اقتصرت مقابلة مشعل على لقائه بوزير الخارجية الأمير سعود الفيصل فقط دون استقبال الملك عبد الله له، وهو ما حاول فعله محمود عباس بحجة أن مشعل يعامله الند بالند، وأكد على أنه لن يلتقي مشعل إلا بعد توقيع حماس على وثيقة المصالحة المصرية. الاسلام اليوم السبت 08 جمادى الآخرة 1431 الموافق 22 مايو 2010