دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)الفجرنيوز: مع اقتراب موعد السادس من أبريل/نيسان، آخر مهلة منحها تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" للسلطات النمساوية، يكون ملف الرهينتين النمساويتين قد دخل أسبوعه الحاسم. ورغم أنّ تردي الوضع الأمني في شمال مالي، حيث قالت تقارير إنّ الرهينتين موجودان هناك، بسبب التوتر بين متمردي الطوارق وسلطات باماكو، إلا أنّ مصادر ومحليين توقعوا أن يتمّ إطلاق سراحهما مقابل "فدية" مالية. غموض مطالب الخاطفين وبعد أن أعلن التنظيم أنه اختطف الرهينتين وهما وولف غانغ ابنر وأندريا كلويبر، في تونس ومن ثمّ نقلهما خارجها، أعلن أنه قام بذلك "ردّا على العمليات الإسرائيلية في قطاع غزة" قبل أن يقول في بيان ثان وزّعه على وسائل إعلام جزائرية إنه مستعد لمبادلة الرهينتين "ببعض أسرانا المعتقلين لدى تونسوالجزائر." وقال المختص في متابعة التنظيمات المتشددة الجزائري عبد الحق بنوحة في تصريحات لCNN بالعربية إنّ الخاطفين خاطبوا سفارة النمسا في الجزائر برسالة خطية تتضمن مطالب بالإفراج عن مجموعة من المسلحين الجزائريين الذين ينشطون ضمن تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" وأيضا مجموعة تونسية معتقلة في السجون التونسية بزعامة أحد الناشطين الذين أوقفوا في اشتباكات ديسمبر/كانون الأول 2006 بإحدى المدن القريبة من العاصمة تونس خلال اشتباك مسلح مع قوات الأمن. وقال إنّ من أبرز من طالب التنظيم بالإفراج عنهم "الأمير السابق للمنطقة الخامسة في التنظيم المسلح عماري صايفي المكنى "عبد الرزاق البارا" وكذلك "عبد الفتاح أبو بصير" واسمه الحقيقي بودربال فاتح وهو أمير سرية العاصمة، الذي كان يشغل أيضا في السابق منصب المسؤول عن العلاقات في تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي." وقال خبير الأمن الفرنسي، ريشار ديلافوان، الذي سبق له العمل ضمن هيئات استخبارية غربية في البوسنة وأفغانستان، في تصريحات لCNN بالعربية إنّ التنظيم يعلم جيدا أنّه "سيكون من المستحيل تلبية هذا المطلب لاسيما في تونس، وحتى في الجزائر، حيث انتهت مهلة الرئيس (بوتفليقة) التي منحها للمتشددين." المال هو الأساس وأضاف "من دون شكّ فإنّ التنظيم أضاف الشرط إلى تنديده بالعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، لأنه ببساطة لا يمكنه وهو الذي يريد تقديم نفسه على أنّه تنظيم فكري عقائدي، أن يعلن أنه يريد المال." وأوضح "أنا متأكد أنّ التنظيم يريد المال لأنّ الإجراءات التي أقرت مؤخرا في كل دول العالم حول حركة الأموال، أثّرت كثيرا في إمكانياته تماما مثلما أثّرت في تنظيم القاعدة نفسه وهو ما أكّده الرجل الثاني فيه أيمن الظواهري مؤخرا." واللافت أنّ أزمة مشابهة جرت في المنطقة نفسها قبل خمس سنوات، ونفّذها الجزائري عبد الرزاق البارا انتهت بدفع ألمانيا فدية ناهزت خمسة ملايين يورو لإطلاق سراح 32 سائحا، أغلبهم من رعاياها. ويوافق المحلل التونسي المقيم في فرنسا منتصر الخبوشي في تصريحات لCNN بالعربية إلى حد بعيد مع توقعات ديلافوان. وأضاف الخبوشي قوله "عموما فإنّ التنظيم حقق الهدف الإعلامي من العملية، ولو كان يريد هدفا أكبر من الذي حققه لقتل الرهينتين على الفور لاسيما أنّ الرواية المتوفرة تشير إلى أنّه قطع بهما عدة مئات من الكيلومترات لنقلهما من تونس." وأوضح "لذلك فإنّ الهدف من دون شكّ هو المال. ليس هناك أدنى شك في ذلك، السؤال الذي يبقى هو من سيتكفل بإيصال المال وتنسيق عملية الإفراج." وكانت تقارير، نفتها طرابلس لاحقا، أشارت إلى منظمة ليبية يرأسها نجل العقيد الليبي، تتوسط لإيجاد نهاية سعيدة للأزمة. الرهائن.. والتيه ومما زاد من الغموض حول الجهة التي ربما تتكفل بدور الوسيط، كونها مرتبطة أيضا بمكان وجود الرهينتين. فقد أعلن الناطق باسم وزارة الخارجية النمساوية أن بلاده وسعت اتصالاتها مع دول المنطقة: "فهناك اتصالات من فيينا في المنطقة، على المستوى السياسي ومع مسؤولين حكوميين على غرار ليبيا." ثمّ لم ينف السفير أنطون بروهاسكا، مبعوث السلطات النمساوية إلى باماكو عاصمة مالي، أن تطور المفاوضات مع خاطفي الرعيتين مرتبط بقدر كبير بتطورات الأحداث في الشمال بين المتمردين والحكومة المالية. ونقل عن بروهاسكا تفاؤله بعودة الهدوء إلى شمال كيدال في الساعات القليلة الماضية "للاستمرار في التفاوض دونما عوائق." وأعلن بأن بلاده "لم تقطع الأمل بعد" و"تثق" في مالي للإفراج عن الرهينتين... نحن نثق في السلطات المالية للمساهمة في إطلاق الرهائن." ووفقا للصحفي في قناة "العربية" التي تبث من دبي، التونسي محمد الهادي الحناشي، الذي قام مؤخرا بسلسلة تحقيقات في منطقة الساحل الأفريقي، فضلا عن تحقيقات سابقة له في أفغانستان، إبان حكم نظام طالبان، فإنّه لا يوجد أيّ تقرير دقيق بشأن مكان وجود الرهينتين. وفعلا فإنّ الصحف النمساوية نقلت عن والدة أندريا كلويبر "المختطفة" قولها إنّ "الرهينتين يحتجزان في منطقة حدودية بين شمال مالي والجزائر... لكن لا يوجد أي شيء يحدد الموقع بدقة." وتعتقد أجهزة مخابرات أوروبية أن اشتعال فتيل التمرد، شمال مالي، مجددا بقيادة إبراهيم أغ باهنغا قد يكون ساعد في مغادرة الخاطفين لمواقعهم لمناطق صحراوية "قد تصل حتى داخل عمق التراب الجزائري." لكن الحناشي، أضاف في تصريحات لCNN بالعربية قوله إنّه يشكّ أصلا في كون الخاطفين نجحا في الوصول بالرهينتين إلى مالي أو النيجر أو حتى تشاد، حيث أنّ ذلك يستغرق زمنا طويلا يتعين خلاله قطع آلاف الكيلومترات، وهو ما لا يمكن تصديقه بالنظر لوعورة المنطقة. والغموض لا يكتنف مكان وجود الرهينتين فقط، وإنّما الظروف التي حفّت بعملية الاختطاف وكيفيتها ومكانها. الخاطفون؟ وقال تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" في بيان له، نقلته صحف جزائرية، إنّ عملية الاختطاف نفذها المدعو عبد الحميد أبو زيد واسمه الحقيقي حمادو عبيد وهو من مواليد 1965 بمنطقة زاوية العبيدية بدائرة تغرت ولاية ورقلةالجزائرية، وهو نائب أمير كتيبة "طارق بن زياد" أو ما يعرف إعلاميا ب "كتيبة الصحراء" التي يقودها "عبد الحق أبو خباب" واسمه الحقيقي نقية محمد. وتقع ورقلة في أقصى الجنوب الشرقي للجزائر أي أنها مواجهة للحدود التونسية، لكنها بعيدة عنها كثيرا بالنظر لكبر مساحة الجزائر وصحرائها. وفي الوقت الذي بدت فيه بوادر أزمة صامتة بين تونسوالجزائر بسبب نفي تونس أن تكون عملية الاختطاف قد جرت على أراضيها، قال وزير الداخلية الجزائري نور الدين يزيد زرهوني إنّ عملية الاختطاف جرت في تونس ولم تجر في الجزائر. غير أنّ ديلافوان قال "إنني أرى نفسي إلى جانب الرواية التونسية. التونسيون لم ينفوا أنّ السائحين دخلا البلاد ولكنهم أكّدوا أنه لا وجود لهما الآن في تونس." وأوضح "تونس هي أكثر الدول التي تتمتع باستقرار أمني كبير. هي أفضل الدول أمنا ليس في المغرب العربي فقط وإنما في كثير من المناطق في العالم. كما أنّ مساحتها صغيرة بما يمكن السيطرة عليها. زد على ذلك أنّ الوجود الأمني مكثف جدا فيها." ومن جهته، قال محمد الهادي الحناشي "الحدود الغربيةلتونس مع الجزائر تمتد على أكثر من 1000 كلم، ومنذ أحداث (مدينة) سليمان في أواخر 2006، عزّز الأمن من وجوده على طول الحدود حيث تتولى فرق الأمن مراقبة الحدود في الشمال لمراقبة أنشطة التهريب والتسلل، فيما تمّ تكليف الجيش بالجزء الجنوبي المتاخم للصحراء الجزائرية والليبية، ويقوم الجيش بتنفيذ مهماته بكل صرامة بحيث من الصعب جدا أن يدخل شخص، ناهيك عن كونه متشددا، من دون علم الجيش، فما بالك بمجموعة أشخاص تختطف أناسا من داخل تونس وتغادر بهم بكل سهولة." وأضاف "الجيش لا يسمح بمغادرة تونس إلا للأجانب السائحين فقط أو بطبيعة الحال لمن يبرر خروجه منها بوثائق رسمية لا يرقى إليها الشكّ. لذلك ففي اعتقادي أنّ السائحين كانا على متن سيارتهما ذات الدفع الرباعي وأنهما خرجا بصفة اعتيادية من تونس." وعموما فإنّ الحادثة، أيا كانت نهايتها، تعيد إلى سطح النقاش، خطورة منطقة الصحراء والساحل الأفريقي في السنوات الأخيرة، لاسيما أنّ الحكومات لا تمارس سلطتها على أجزاء مترامية فيها.