«أرفض الانخراط في لعبة الانتخابات التونسية المغشوشة».. «سأتمسك بحقي في الترشح حتي لو ضربوا عنقي».. بين هذين الموقفين اختلف قادة أحزاب المعارضة التونسية في الرد علي إعلان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي (72 عاما) عن تعديلات دستورية تخفف من القيود المفروضة علي الترشح للرئاسة وتسمح للمرأة أيضا بالوصول لقمة الهرم السياسي في البلاد. الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2009 ستكون وفق الإعلان الرئاسي عن تعددية حقيقية، ولكن لن يحدث اختراق لمنصب الرئاسة التونسية. فخلال 52 عاما من الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي وإعلان الجمهورية لم تعرف تونس سوي رئيسين، قضي أولهما وهو الزعيم الحبيب بورقيبة 30 عاما في السلطة، بينما أكمل خلفه بن علي 20 عاما في الرئاسة.. وتشير الأجواء إلي أنه سيبقي في منصبه لفترة رئاسية جديدة، كما يتوقع كل المراقبين للشأن التونسي. ونص البيان، الذي تلاه بن علي في قصر قرطاج يوم الجمعة 21 مارس الحالي بمناسبة عيد الاستقلال ال52 عاما، «علي إمكانية أن يترشح لرئاسة الجمهورية المسؤول الأول عن كل حزب سياسي سواء كان رئيسا أو أمينا عاما أو أمينا أول لحزبه شريطة أن يكون منتخبا لتلك المسؤولية وأن يكون يوم تقديم مطلب ترشحه مباشرا لها منذ مدة لا تقل عن سنتين متتاليتين منذ انتخابه لها».وهذا هو القانون الاستثنائي الثالث، الذي يعلن قبل دورات الانتخابات الرئاسية لتمكين قيادات أحزاب سياسية من الترشح للرئاسة، حيث اضطرت الحكومة لتعديل البند الدستور الخاص بالترشيحات قبل انتخابات عام 1999، و2004 لإفساح المجال أمام الأحزاب البرلمانية للمشاركة. وينص الدستور التونسي الحالي علي أنّ الترشح لرئاسة الجمهورية يستوجب الحصول علي 30 توقيعا من أعضاء البرلمان أو رؤساء البلديات، وهي شروط لا تتوافر عمليا إلا للحزب الحاكم، وترقي إلي مرتبة المستحيل عندما يتعلق الأمر بالمعارضين وحتي علي المرشحين المستقلين، مما استوجب تدخل الرئيس في كل مرة لتوفير فرصة لبعض الأحزاب لترشيح قياداتها، عبر تعديلات استثنائية في الدستور.كان آخر تعديل أجري في عام 2004 ونصّ علي أن أقدمية فترة 5 سنوات في الهيئة القيادية للأحزاب تم تقليصها لعامين هذه المرة مع اقتصارها علي الأمناء العامين ورؤساء الأحزاب.ويهيمن حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم، الذي يتزعمه رئيس البلاد، علي البرلمان بنسبة 80% ويتوقع أن يعلن بن علي خلال الشهرين المقبلين عن ترشحه رسميا للرئاسة مع تصاعد الدعوات له من قبل أعضاء حزبه بترشحه. أعيد انتخاب بن علي عام 2004 بنسبة 94.4% من أصوات الناخبين، متفوقا علي 3 مرشحين حتي إن صحيفة «الجارديان» أطلقت في تقرير لها في 3 مارس الحالي علي بن علي لقب « مستر 99.9%» في إشارة إلي نسبة الأصوات المرتفعة التي يحصل عليها.والجديد أن هذه المبادرة الرئاسية ستمكن أوّل امرأة في تونس وهي الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي المعارض السيدة مية الجريبي، من إمكانية الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، إن أرادت، ولكنها قطعت في الوقت نفسه الطريق أمام الأمين العام السابق للحزب نفسه من الترشح للرئاسة المحامي أحمد نجيب الشابي الذي تخلي عن منصبه كأمين عام للحزب لصالح مية عام 2006. كان الشابي قد أعلن رسميا الشهر الماضي ترشحه للسباق الرئاسي وانطلق في حملة من أجل حقه في الترشح بتزكية من الحزب ومجموعة من الناشطين.كما يستثني هذا المشروع الأمين العام لحزب التكتل من أجل العمل والحريات الدكتور مصطفي بن جعفر، الذي سيعقد حزبه مؤتمره الأول نهاية العام الحالي. فيما حافظ علي حق 6 أحزاب أخري ممثلة في البرلمان في ترشح أمنائها العامين.من جهته، وصف الشابي المبادرة الرئاسية بأنها «مناورة» تهدف لإقصائه عن طريق الترشح للرئاسة. وقال في ندوة بمقر الحزب «سأتمسك بحقي في الترشح ولو ضربوا عنقي».وأضاف «إخوتي في الحزب، لن أتخلي عن حقي أبدا، وسأواصل عقد الاجتماعات»، وانتقد الرئيس قائلا: «لا يحق له تحديد منافسيه للانتخابات المقبلة»، ودعاه إلي إجراء مناظرة تليفزيونية مباشرة «لتقييم تجربة حكمه، وما أنجزه في التنمية السياسية التي وعد الشعب التونسي بها». كان الشابي قد ترشح لانتخابات 2004 إلا أنه لم يتمكن من إضفاء الشرعية علي ترشحه، بسبب عدم حصوله علي توقيعات النواب الضرورية.وعن موقف منصف المرزوقي، رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، المعارض وغير المرخص له الترشح لانتخابات الرئاسة، قال في حوار لموقع «إيلاف» علي الإنترنت: «إن الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي ستجري في تونس ستزور».وأضاف: «من يقبل بلعب مباراة نتيجتها معروفة، لمجرد أن يتحدث عنه الناس فله ذلك لكن عليه أيضا أن يتحمل مواصلة التزييف الذي يدعي محاربته فالمنطق يقضي عندما تريد وضع حد للعبة مغشوشة أن ترفض المشاركة فيه،ا لا أن تسعي بكل الوسائل للمشاركة فيها مدعيا أنك ضدها».كانت اللجنة المركزية للحزب الحاكم قد اختارت بن علي مرشحا للحزب لولاية خامسة تستمر 5 سنوات، ومن المقرر أن يعلن المؤتمر العام للحزب، المقرر في أغسطس المقبل رسميا اختيار بن علي مرشحه للرئاسة لعام 2009. وألغي في عام 2002 التعديل الذي أدخله الرئيس التونسي علي الدستور في عام 1987 فور وصوله الحكم، والذي نص علي أن لرئيس الجمهورية الحق في ترشح نفسه ل3 فترات رئاسية فقط، مدة كل واحدة 5 سنوات لإتاحة الفرصة ل«بن علي» في الترشح لفترة رئاسية رابعة، وأتاح استفتاء 2002 للرئيس البقاء في الحكم مدي الحياة كما كان قائما قبل منتصف الثمانينيات.ورغم الاستقرار النسبي للحالة الاقتصادية التي يتغني بها الرئيس التونسي ويكتسب منها شرعيته - بحسب بعض المراقبين - إلا أنهم يقولون إن البلاد محرومة من تعددية حزبية حقيقية، وأن جميع وسائل الإعلام مكرسة لخدمة مصالح الحكومة. ويقول منتقدو بن علي، إن توليه الحكم لولاية أخري يدفع البلاد نحو نظام أشبه بالملكية، مما يجعل من إعلانه عند توليه الحكم في عام 1987 بأن تونس لن يكون فيها رئيس مدي الحياة، مرة أخري، مثار سخرية. ويضيف المنتقدون: «إن تونس لا تشكو من فقر وفقًا للمقاييس الدولية، ولكنها تشكو من الجوع علي المستوي الفكري بغياب المبادرة وضعف حرية التعبير والصحافة». المصدر:المصري اليوم