ألزمت محكمة القضاء الإداري في مصر وزارة الداخلية بإسقاط الجنسية عن المصري المتزوج من إسرائيلية (صهيونية)، في حكم قيل إنه «نهائي ولا يجوز نقضه»، وسيتم ذلك من خلال عرض أسماء المعنيين كل على انفراد على مجلس الوزراء لكي يفتي في شأنهم. الوكالات التي نقلت النبأ لم تشر إلى قضية الصهيونية (أشار إليها المحامي الذي رفع الدعوى)، واكتفت بالحديث عن الجنسية الإسرائيلية، وإن استثنت الفلسطينيات ممن يحملن تلك الجنسية (عرب 48)، فيما تم ربط القضية بالأمن القومي، وبإمكانية أن يقوم أولئك الرجال وزوجاتهم بالتجسس لحساب دولة الاحتلال. من الواضح أن توقيت النطق بالحكم قد جاء في أجواء من التشكيك بمواقف النظام المصري على لسان الفعاليات الشعبية والحزبية في الداخل، فضلا عن الشارع العربي والإسلامي، وبالطبع على خلفية العدوان الصهيوني على أسطول الحرية، فضلا عن مسلسل من القضايا التي تشكك في قيام النظام بما هو مطلوب منه في سياق الحفاظ على أمن مصر القومي، الأمر الذي تبدى في المواقف الجديدة لعدد من الدول الإفريقية المعنية بتوزيع مياه النيل، فضلا عن عموم الموقف من الحصار المفروض على قطاع غزة. والخلاصة أن ما جرى كان محاولة للتأكيد على أن النظام لا يفرّط في أمن مصر القومي. ما جرى مثير للسخرية في واقع الحال، لأن الحكم الذي صدر صعب التطبيق وفق الآلية المقرة، ليس فقط بسبب العدد الكبير من المصريين الذين ينطبق عليهم، بل أيضا لأن إثبات الصهيونية على الإسرائيلية (زوجة المصري) أمر بالغ الصعوبة، اللهم إلا إذا قررت المعنية المجاهرة بذلك، فيما لا يتوقع أن يُجري مجلس الوزراء المصري مقابلة خاصة مع زوجة كل مصري ينطبق عليه الحكم. هنا تنهض القضية البالغة الأهمية فيما جرى، وهي المتمثلة في عدد المصريين المتزوجين من إسرائيليات، حيث قال المحامي الذي رفع القضية إنهم في حدود 30 ألفاً، من بينهم عشرة في المئة فقط متزوجون من فلسطينيات، والباقي من يهوديات. إنه رقم مهول بكل المقاييس، ويشكل بالفعل تهديدا لأمن مصر القومي لو قرر جزء من هؤلاء العودة إلى بلادهم بطلب من جهات أمنية إسرائيلية لممارسة أعمال التجسس أو التورط في قضايا فساد وإفساد من أنواع مختلفة اشتهر بها الصهاينة، مثل تهريب المخدرات وإدارة شبكات الدعارة وما شابه. لكن الذي لا يقل أهمية عن ذلك هو اندماج هؤلاء في الحالة الإسرائيلية وتحوّل أبنائهم إلى يهود يدعمون البُعد الديمغرافي في دولة الاحتلال التي تعاني من أزمة على هذا الصعيد. نقول ذلك لأننا نعلم أن ابن اليهودية هو يهودي بحسب العقيدة اليهودية، ومن رضي على نفسه أن يتزوج من إسرائيلية (لا نقول إنها مجرد يهودية لأنها جزء من دولة احتلال تهدد مصر وتسرق أرض الشعب الفلسطيني)، من رضي ذلك لن يكون لديه مانع (ليس دائماً بالطبع) من أن يتحول أبناؤه إلى يهود، وأن يخدموا في جيش الاحتلال ويقتلوا الفلسطينيين، وربما المصريين في وقت من الأوقات. ونعلم أن فلسطينيين قد خدموا في جيش الاحتلال وقتلوا إخوانهم، بل كان بعضهم الأشد قسوة بين جنود الاحتلال، أي أن القضية لا صلة لها بالجنسية، لأن العمالة واردة في كل الشعوب دون استثناء. من يُسأل عن ذلك في واقع الحال هو من سمح لهؤلاء بالرحيل إلى دولة الاحتلال، وقبل ذلك من اضطرهم إلى بيع ضميرهم والهجرة إلى تلك الدولة بعدما أفقرهم بالفساد والإفساد، من دون أن يعني ذلك تبريراً لأي أحد، إذ تبقى الجريمة قائمة في كل الأحوال. من الواضح أن تفاقم هذه الظاهرة لم يكن وليد سنوات بعيدة، بل هو جزء لا يتجزأ من سنوات البؤس الأخيرة التي تدهور الوضع خلالها داخلياً وعلى صعيد الأمن القومي، ما يعني أنه من دون تغيير حقيقي في مصر فإن التدهور سيتواصل، مع العلم أن التغيير فيها هو العامل الأهم في تحسن الوضع العربي برمته، فمتى يحدث ذلك؟! يبقى القول إن في مصر شعبا عظيما وقف ولا يزال يقف سدا منيعا في وجه التطبيع مع الكيان الصهيوني، ولن يسيء إليه بيع حفنة من أبنائه دينهم بعرض من الدنيا. العرب القطرية 2010-06-16