لاليغا الاسبانية.. سيناريوهات تتويج ريال مدريد باللقب على حساب برشلونة    معرض تونس الدولي للكتاب: الناشرون العرب يشيدون بثقافة الجمهور التونسي رغم التحديات الاقتصادية    كأس تونس لكرة اليد : الترجي يُقصي الإفريقي ويتأهل للنهائي    الاتحاد المنستيري يضمن التأهل إلى المرحلة الختامية من بطولة BAL بعد فوزه على نادي مدينة داكار    بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    الأنور المرزوقي ينقل كلمة بودربالة في اجتماع الاتحاد البرلماني العربي .. تنديد بجرائم الاحتلال ودعوة الى تحرّك عربي موحد    اليوم آخر أجل لخلاص معلوم الجولان    الإسناد اليمني لا يتخلّى عن فلسطين ... صاروخ بالستي يشلّ مطار بن غوريون    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    البطولة العربية لألعاب القوى للأكابر والكبريات: 3 ذهبيات جديدة للمشاركة التونسية في اليوم الختامي    مع الشروق : كتبت لهم في المهد شهادة الأبطال !    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    حجز أجهزة إتصال تستعمل للغش في الإمتحانات بحوزة أجنبي حاول إجتياز الحدود البرية خلسة..    بايرن ميونيخ يتوج ببطولة المانيا بعد تعادل ليفركوزن مع فرايبورغ    متابعة للوضع الجوي لهذه الليلة: أمطار بهذه المناطق..#خبر_عاجل    عاجل/ بعد تداول صور تعرض سجين الى التعذيب: وزارة العدل تكشف وتوضح..    قطع زيارته لترامب.. نقل الرئيس الصربي لمستشفى عسكري    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    الملاسين وسيدي حسين.. إيقاف 3 مطلوبين في قضايا حق عام    إحباط هجوم بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا'المليوني'    قابس.. حوالي 62 ألف رأس غنم لعيد الأضحى    حجز عملة أجنبية مدلسة بحوزة شخص ببن عروس    الكاف: انطلاق موسم حصاد الأعلاف مطلع الأسبوع القادم وسط توقّعات بتحقيق صابة وفيرة وذات جودة    نقيب الصحفيين : نسعى لوضع آليات جديدة لدعم قطاع الصحافة .. تحدد مشاكل الصحفيين وتقدم الحلول    نهاية عصر البن: قهوة اصطناعية تغزو الأسواق    أهم الأحداث الوطنية في تونس خلال شهر أفريل 2025    الصالون المتوسطي للبناء "ميديبات 2025": فرصة لدعم الشراكة والانفتاح على التكنولوجيات الحديثة والمستدامة    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    مبادرة تشريعية تتعلق بإحداث صندوق رعاية كبار السن    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    إحباط عمليات تهريب بضاعة مجهولة المصدر قيمتها 120 ألف دينار في غار الماء وطبرقة.    تسجيل ثالث حالة وفاة لحادث عقارب    إذاعة المنستير تنعى الإذاعي الراحل البُخاري بن صالح    زلزالان بقوة 5.4 يضربان هذه المنطقة..#خبر_عاجل    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    تنبيه/ انقطاع التيار الكهربائي اليوم بهذه الولايات..#خبر_عاجل    برنامج مباريات اليوم والنقل التلفزي    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    خطير/كانا يعتزمان تهريبها إلى دولة مجاورة: إيقاف امرأة وابنها بحوزتهما أدوية مدعمة..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    أريانة: القبض على تلميذين يسرقان الأسلاك النحاسية من مؤسسة تربوية    بطولة فرنسا - باريس يخسر من ستراسبورغ مع استمرار احتفالات تتويجه باللقب    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    بعد هجومه العنيف والمفاجئ على حكومتها وكيله لها اتهامات خطيرة.. قطر ترد بقوة على نتنياهو    ترامب ينشر صورة له وهو يرتدي زي البابا ..    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلى صديق "إسرائيلي" (1- 2) تأليف: ريجيس دوبريه
نشر في الفجر نيوز يوم 17 - 06 - 2010

img width="190" height="214" align="right" src="http://www.alfajrnews.net/images/iupload/kitab_ilasadik_is_.jpg" style="" alt="إلى صديق "إسرائيلي" (1- 2) تأليف: ريجيس دوبريه ترجمة وعرض: بشير البكر" /في غمرة العدوان “ الإسرائيلي” على أسطول الحرية صدر كتاب المفكر الفرنسي ريجيس دوبريه المعنون “إلى صديق إسرائيلي” عن دار فلاماريون الباريسية، وهو كناية عن مرافعة في الدفاع عن القضية الفلسطينة في وقت لم تعد فيه فرنسا تتوافر- باستثناء إدغار موران وقلة معدودة - على مثقفين قادرين على ادراك كنه التراجيديا التي تعرفها المنطقة، ولإدراك ذلك قبل كل شيء يتطلب أن يمتلك المرء ثقافة تاريخية عميقة ورفضاً للكليشيهات ونزاهة ثقافية . ودوبريه واحد من المثقفين القلائل الذين يجمعون هذه الخصال، وهو ما يجعل كتابه هذا بألف كتاب .
كأن ريجيس دوبريه كان عليه أن يكتب كتابا عن القضية الفلسطينية وعن الصراع العربي “الإسرائيلي”، ولكنه تأخر . . . لكأن كل الكتب عن القضية الفلسطينية من زاوية محايدة، كي لا نقول متضامنة، عملية مستحيلة أو محفوفة بالمخاطر، وهو ما عرفه ريجيس دوبريه منذ أن أصدر كتيّبه الصغير هذا . . . وتجنباً أو استباقاً للأمر، قرر الناشر أن يضع معه رداً من كاتب صهيوني هو إيلي برنافي، الذي كان سفيراً سابقاً للكيان في فرنسا، ويكتب أسبوعياً في مجلة ماريان الفرنسية .
طريقة إخراج الكتاب، أي عن طريق رسالة إلى صديق، تجعل الكتاب أقل حدة وأقل انتقاداً، والكتاب مكتوب وموجه إلى الصديق، الدبلوماسي والمؤرخ الصهيوني إيلي برنافي .
مرافعة دفاع فرنسية عن القضية الفلسطينية
يفسر ريجيس دوبريه في البداية، (الفصل الأول معنون: لنتحدث بشجاعة) سبب اختيار توجيه الكتاب/ الرسالة إلى “إسرائيلي” بدل توجيهها إلى فرنسي . “يحدث ببساطة أن يجد المرء نفسه طليق اليد مع يهودي من “إسرائيل”، مع رنة كلام منعش، أكثر مما يجده مع مواطنه، من هنا، الذي يكون أحياناً أكثر “إسرائيلية” من “إسرائيل” نفسها . .” .
ويوجه حديثه إلى برنافي: “أنت لاذع في نقدك لمواطنيك، وسأكون كذلك مع مواطني . . .” .
ويستعرض انتقادات اليهود الفرنسيين له، وكأن لسان حالهم يقول: “إذا كان هذا الرجل ينتقدنا فهو لا يحب شعبنا” .
ويبحث ريجيس دوبريه في ماضي عائلته، وكأنه يريد أن يمنح لمخاطبه ضمانة ما، فيكتشف أن له جداً يهودياً بعيداً (النقطة الجيدة الوحيدة التي أتقاسمها مع لينين)، أرماند أليكساندر، نائب عمدة باريس التاسعة ما بين الحربين، والذي توفي قبل ولادتي .
ويستعرض دوبريه كل فضله وحسناته مع “إسرائيل”: “قمت شخصياً، وبنفسي، مع سيرج وبيت كلارسفيلد بإعادة قاتل أطفال إيزيو، كلاوس باربي الذي كان مختبئاً في بوليفيا . كما أني تعرضت لاحتقار علني في القاهرة أو في بيروت وأنا أذكّر جمهوراً ملتهباً بحقيقة المحرقة، وبأن كل ناج منها يظل مطبوعاً بحديد أحمر طول حياته” .
ويضيف: “ستقول لي لماذا لا أتوجه في رسالة إلى صديق فلسطيني؟ إنما أنا، بطبيعة الحال، لا أرى عن طيبة خاطر شعب إدوارد سعيد ومحمود درويش يُقْبِل على ثقافة الموت، والنظام الأخلاقي يسقط على غزة مثل قبّة رصاصية، ولا الفساد ولا عدم كفاءة سلطة فلسطينية من دون سلطة . لكننا لا نوبّخ مهزوماً حين يكون ملقى على الأرض . لا يجب أن نتوجه إلا للأقوياء، للمنتصرين، للذين ينتمون لنفس معسكره، والذين يمتلكون صورة جيدة والذين تسيّر الرياح أشرعتهم . وسواء رضيت أم لا فأنت واحد من هؤلاء المحظوظين، وأنا أيضاً” .
ويبرر ريجيس دوبريه السبب الرئيس من هذا الكتاب، ومن هذه الرسالة، فيكتب: “ما كنت لأكاتبك لو لم أر وطنك، أُمّتك الأسطورية، الطاقة والثقافة متداخلين، حيث كُلّ مارّ هو رواية، ونقطة التقاء لكل ذاكرات العالَم، تَغْرَق في ماضٍ قصيّ، ومنه يطل في الحاضر مدفع دبابة ميركافا” .
ويضيف: “أنا مسيحي، ثقافة، أتذكر أن “الخلاص يأتي من اليهود”، (يوحنا ،4 24) ابن الأنوار، أعرف أن تقدّم العقل مدينٌ لشعب المنفى . إني أتجمد من احتمال أن يرى أحفادي سبعة ملايين يهودي في “إسرائيل” ينطوون على أنفسهم بعض الأيام . . .” .
ويبدأ دوبريه في الدفاع عن “إسرائيل”، وكأن عدو “إسرائيل” هو “إسرائيل” نفسها: ““الحضارة الغربية وجماعة الناتو هما سكن “إسرائيل””، كما قالت، البارحة، تسيفي ليفني، وزيرتكم للخارجية، وهي تضع عملية “الرصاص المصبوب” تحت رعاية “العالم الحر” و”قيمه المقدسة” . المعادلة مهجورة وغطت كثيراً من الظلم، لكن ما دام الأمر يتعلق بالغرب الذي يقول مسؤولوكم إنهم يدافعون عنه، فأنت تتفق معي على أن إنساناً غربياً يستطيع أن يمتلك كلمة يقولها حول الطريقة التي يتحمل فيها هؤلاء المسؤولون قِيَمَنَا في الشرق” .
وكتب موجها كلامه إلى صديقه “الإسرائيلي”: “أنت تكتب: “إن بقاء الدولة العبرية هو، من الآن فصاعداً، موضوع تساؤل” . ولكن موضوعات القلق، بالنسبة لك ولأصدقائك، كثيرةٌ، ومنها ضيق الأراضي، وانقلاب الرأي العام الدولي، والحاجة إلى كبش الفداء، وصعود الأحقاد المعادية للسامية والعزلة الدبلوماسية . . إلخ . مصدر آخر للقلق ممكن . الاحتفاظ به للذات يمكن أن يكون مريحاً . فهل الاضطرار إلى كتابته سواداً على بياض سيفتّح مائة زهرة في حديقتنا؟ أشك في الأمر، ولكن بسبب كثرة المشي على البيْض سينتهي بنا الأمر إلى ألا نضع رِجْلاً أمام الأخرى، وإذاً فلِم لا نضعهما معاً في الطبق؟” .
يحرص المفكر ريجيس دوبريه على أن يكون صدامياً، ولذا يتحدث بحدة في الفصل الثاني بعنوان: “الصهيونية”، إلى برنافي، الذي وصف نفسه ذات يوم بأنه “صهيوني مؤيد للفلسطينيين” . أي: من أنصار دولتين متجاورتين .
وبالفعل يثير هذا الوصف “صهيوني مؤيد للفلسطينيين” ريجيس دوبريه . وينطلق في مقابلته بوصف آخر: “مؤيد للفلسطينيين” . ويكتب: ““مؤيد للفلسطينيين”؟ بالتأكيد، لكن أي فلسطين؟ ديمقراطية أو ثيوقراطية؟ عائلية، أم إقطاعية أم مافيوزية أم بربرية مع نسائها أم متعددة الطوائف، متفتحة أم مفتوحة على الخارج (“يهود العالم العربي”)؟ مؤيد للصهيونية؟ لكن أية صهيونية؟ الشيوعي، أم الديني أم العمالي، أم المحافظ الجديد أم الفاشي؟ يوجد خمسة أو ستة على الأقل، وهذا منذ البداية . إن أبطالنا في الإعلانات صهاينة يعادون الصهيونية، ويجب عليهم أن يحددوا لنا أي نوع من عُشّاق صهيون يريدون أن يقصموه أو يدافعوا عنه” .
ويستعرض ريجيس دوبريه تاريخية علاقته بالصراع العربي “الإسرائيلي”: “الحقب يغطي بعضها بعضاً، والأمكنة ينزلق بعضها على بعضها الآخر، ولسنا صغاراً حين نمتطي أحلاماً كبرى، ولكن دافيد اليهودي سنة 1947 الذي وَاجَه سبعة جيوش عربية (في الحقيقة، 65 ألف جندي من جهته ضد 40 ألف من الجهة الأخرى)، لم يكن القوة النووية الوحيدة في المنطقة، سيدة البحر والسماء والاتصالات، التي تعتدي باستمرار خوفاً من أن يُعتَدى عليها” .
ويبدأ ريجيس في التأسف على ماض “إسرائيلي” كان واعداً في نظره، أي حسب تعليمات المؤسسين الأوائل، ويعطي أمثلة منه: حزب العمل والكيبوتز وغيرها . . . “حزب العمل تبخر . جنرالاتكم يسيرون حكومات . . . ها أنتم أصبحتم “طبيعيين” أي متعددي الطوائف على الطريقة الأمريكية . . . الكيبوتز بالكاد لايزال حيّاً . .” .
العودة إلى الصف
يحاول دوبريه أن يبرر قليلاً من جرائم تأسيس دولة “إسرائيل”، فيكتب: “شعب ما طرد شعباً آخر، الأمر ليس جيداً، ولكن ماذا بعد؟ ويستحضر المؤرخ الكبير فيرناند بروديل الذي يقول: “كل جماعات العالم مذنبة ومحكوم عليها أن تكونه”، ولكنه يستدرك: “الخطأ الأصلي (ل “إسرائيل”) هو النكبة . 800 ألف مواطن محلي طردوا من أراضيهم بالقوة العسكرية .( . . .) هذا الشكل من التطهير العرقي، في تلك الفترة، لم يؤثر في مشاعر أحد في العالم الشاسع . ( . . .) لا تلفزيون ولا مراسلين” .
هنا المفارقة: ““إسرائيل” التي ولدت من صراع تفكيك الاستعمار، أصبحت رمزاً للاستعمار؟”، ويضيف بصراحة: “لم تتوقف “الدولة الكولونيالية” (إسرائيل) عن ممارسة الاستعمار والاستيلاء على الأراضي واقتلاع جذور السكان الأصليين، 18 ألف منزل فلسطيني تم هدمه750، ألف فلسطيني تم إيقافهم منذ سنة 1967 في فترة أو في أخرى، 11 ألف أسير في الوقت الراهن، ما بين 500 و600 حاجز في الضفة الغربية، أمكنة للتنكيد والعنف المجاني . . .” .
وينهمك ريجيس دوبريه في انتقاد لاذع للخطاب السياسي “الإسرائيلي” المليء بالمغالطات والانزلاقات الدلالية: “المحزن في الأمر هو أنكم لم تفعلوا شيئاً، عبر الزمن، من أجل تلطيف مثل هذا الكسر على الخريطة . وإنه بسبب تعودنا، نحن وأنتم، نوعاً من لغة (ابتدعها جورج أورويل) للتحكم في الجمهور، فهذا يجعل واجباً أولياً على المُستعْمَر أن يحترم في كل مكان وزمان أمن قوة الاحتلال، من دون أدنى ضرورة تبادلية . لا نحاصر شعباً بل نخلي أرضاً . لا نسحقه تحت طوفان من النيران بل نقود حرباً لا متوازية . لا توجد عقوبة الإعدام بل يوجد تنفيذ القتل خارج القانون (الذي يقتل بالإضافة إلى المحكوم عليه، النساء والأطفال والجيران) . لا يوجد جدار، بل يوجد سياج أمن . تتم المطالبة، بصفة شرعية، بحدود آمنة ومعترف بها، من دون أن تحدد أية حدود (هل الحدود من أجل الذات وليس من أجل الآخر؟) .
ويرى عن حق أن المجتمع الدولي، على رغم كل معاناة الفلسطينيين، لا يطلب من “الإسرائيليين” شيئاً، بل يطلب تنازلات من الفلسطينيين فقط، ولا يضع شروطاً إلا على الفلسطينيين . “المليارات الأربعة من الدولارات التي تمنحها الولايات المتحدة الأمريكية ل “إسرائيل” ليست مشروطة في شيء، بينما بضع مئات من ملايين الدولارات الممنوحة للفلسطينيين تخضع لشروط صارمة” .
لا يفعل ريجيس دوبريه إلا أن يرى، بموضوعية، ما يحدث في الأراضي الفلسطينية ويصف الأمر، مخاطباً “صديقه” إيلي برنافي: “في غزة” أصبح الفلسطينيون أكثر هزالاً من قبل ولكنهم لن يموتوا . لا يوجد هناك حصار بل “موعد متعلق بالحِمْية”، حسب السيد دوف ويسغلاس، مستشار رئيس وزراء “إسرائيلي” سابق (شارون) . ألم يتهم أحد نواب الكنسيت، خلال العملية العسكرية، حركة حماس بأنها “حركة تستعمل الإبادة”؟
ويرى المفكر الفرنسي أن “إسرائيل” أصبحت أسيرة لأطروحاتها ولم تعد قادرة على التخلص منها: “من شدة ما كرر “الإسرائيليون” أنه من أجل صنع السلام يجب استحضار القوة، فقد استسلموا لهذه القاعدة الكئيبة التي لا تتعب أبداً، والتي تقتضي أن يكون المرءُ بربرياً إزاء الضعفاء . إن توراتهم أصبحت إلياذة، القصيدة الأبدية عن القوة . أما النصيحة الواقعية للمتنسكة، سيمون فيل، والتي تقول: “لا تسقط أبداً تحت إغواء القوة، ولا تكره أعداءك، ولا تحتقر التعساء” فقد رُدّت إلى خطباء الندوات المغلقة” .
من الكيبوتز إلى الكيبا (القلنسوة)
ويشرّح المفكر الفرنسي نكوص الفكر الصهيوني العلماني، العمالي والاشتراكي، وعودة الفكر الديني الأرثوذوكسي . “غابت الطوباوية، الرأس عارٍ، وعادت الأسطورة، مع القلنسوة . في نهاية الحداثة يوجد التقويم اليهودي . في بداية القرن الواحد والعشرين” .
إننا أمام ما يعبّر عنه دوبريه بهذه الكلمات: “دولة اليهود وجدتْ نفسَهَا دولة يهودية . هكذا وجد المستقبلي نفسه مُتجَاوَزاً من قِبَل ماضيه” .
كما يلتفت المفكر الفرنسي إلى مسألة حاسمة في تاريخ دولة “إسرائيل” وهي استعادة اللغة العبرية، على حساب لغات أخرى، ومن بينها اليديش، مثلاً، ولكنه يستعرض النتائج الكارثية من هذا المشروع، الذي يبدو “ثورياً” بامتياز، فيوجه كلامه إلى صديقه “الإسرائيلي” (اليهودي): “إن استبدال اللغة العبرية بلغة اليديش، والتي تعتبر ولادتُها الثانية كلغة كلام رُبّما أجملَ استثمار، كان إنجازاً . ولكن العودة إلى اللغة العبرية، هذا الكوريدور (الممرّ) ما بين الهرطقة والأرثوذوكسية، يحمل في طياته، إن لم يكن “دولة حاخامات وجنرالات”، كان هرتزل يرى فيها،
حين يتخيلها، كابوساً، فعلى الأقل ممراً نحو هذا التكرار” .
ويذهب دوبريه بعيداً في استعراض ما ينتظره اليهود، وجيرانهم، في العقود المقبلة: “ليس من السهل إفراغ الكلمات المحشوّة بالمعنى من حمولتها، اللهم إلاّ إذا تمت التضحية باللغة نفسها” .
يتطرق الفصل الثالث إلى موضوع ما كان للمفكر الفرنسي أن يدعه جانباً، وإلاّ اتهم بما لا تحمد عقباه . والمقصود هو “معاداة السامية” . وفي البداية يذكّر ريجيس دوبريه صديقه “الإسرائيلي” اليهودي إيلي برنافي بخوفه من انقلاب الرأي العام الأوروبي ضد “إسرائيل”، وما يحمله من عودة معاداة السامية .
الكلمات والأشياء
يكتب دوبريه: “معاداة السامية في بلد إسلامي تعتبر حقيقة”، ولكن حالة معاداة السامية في فرنسا ليست كما يتصور الكثيرون، فقد تغيّر الأمر بعد سنة ،1945 على الرغم من ادعاءات المسؤولين “الإسرائيليين” ومسؤولي الجالية اليهودية في فرنسا . صحيح أنه توجد اعتداءات تطال اليهود والرموز اليهودية في فرنسا، يتكفل مجلس الإحصاء اليهودي والداخلية الفرنسية بإحصائها، ولكنها لا ترقى إلى درجة معاداة السامية: “شباب محرومون وفي حالة تفكك هوياتي (مغاربيون ومن جزر الأنتيل وأفارقة) يعتدون على يهود، ولكنهم، في معظمهم، يجهلون معنى “معاداة السامية” . لا يجب تقبل أعذارهم لأنهم فقراء، كما أن عُقدة المُستَعْمَر السابق لا يجب أن تثنينا عن قمعهم وتحذيرهم ومنعهم” .
وكملاحظ دقيق يشرّح المفكر الفرنسي، من خلال مقارنة بين الدينين الإسلامي واليهودي، الامتياز الذي تحظى به الديانة اليهودية ورموزها مقارنة مع الإسلام ورموزه .
“الفوبيا الوحيدة، المنغرسة، اليوم، في فرنسا، والتي تُعامَل بتسامح، بل ويتمّ تشجيعُها، الفوبيا التي يمكن سماعُها في البرلمان، ومن أفواه الوزراء وفي قاعات مراكز الشرطة والاجتماعات الحرة والتي لا يجب من أجلها تسويد اللوحة، تَصِمُ المآذن وليس البِيَع . إنه من الجاري به قول أو كتابة “العرب” . لكن من يجرُؤُ أن يقول ويكتب “اليهود”؟ النظرة الشزراءُ، في المجلات والأسبوعيات، لم يَعُد لها أنفٌ معقوفٌ ولا أذنان واسعتان؛ إنها تحمل لحية وجلابية . إذا كان العربي لطيفاً نُعيرُه إغراء الشيطان . إن النقاشات البليدة حول الهوية الوطنية ليس لها هدفان بل هدف واحدٌ: إنه إسماعيل، الموضوع الأوحد للحقد الغالي (أي الفرنسي) . إنه الخمار (الإسلامي) وليس القلنسوة (اليهودية)” .
لن نستعرض كل المقارنات، التي قام بها ريجيس دوبريه، بين الديانتين ومكانتهما في الميدان السياسي والإعلامي الفرنسي، كي نكتشف الحيف الذي يعاني منه الإسلام، ولكن سنستعين بهذا المثال الذي لا يوجد ما هو أكثر وضوحاً منه: “نهاية صوم كيبور يشهد تقاطر العديد من الوزراء الفرنسيين ومن رجالات المعارضة (والذي يرفض التوجه إلى كنيسة نوتردام دي باريس في الجنازات الرسمية لا يمكنه أن يرفض التوجه إلى الكنيس اليهودي)، في نفس الآن، على الكنيس (البيعة) الرئيسي في باريس . أما انتهاء صوم رمضان فيشهد استقبالين منفصلين، في المسجد الكبير في باريس: أحدهما من أجل وزير الداخلية والديانات، والثاني من أجل عمدة باريس” .
مظهر آخر من مظاهر التمييز يتعرض لها المسلمون مقارنة باليهود، وتخص موضوعاً حساساً، وهو موضوع التعليم “المدارس اليهودية ذات التوجهات التقليدية، حيث يتم تلقين الثقافة والتاريخ وحب “إسرائيل”، تتمتع باتفاق، وهي مدعومةٌ بالإضافة إلى كل رياض الأطفال “لوبافيتش”، حيث يخضع الأطفال المقبولون فيها لمعايير حاخامية صارمة . لكن في المقابل، ليس في الوارد، إظهار نفس الانفتاح على المدارس والثانويات ذات التوجه الإسلامي، (والتي لا يُعترَف بها)” .
مثال آخر: “حين تتعرض مقبرة يهودية أو كنيس يهودي للتدنيس، يهرع وزير الداخلية ورئيس الشرطة وحين يتعرض مسجد أو قبور إسلامية للتدنيس يُتْرَك الأمر للعمدة” . ويذهب المفكر الفرنسي دوبريه بعيداً، ويخوض في منطقة خطرة، وهي منطقة الإعلام . ويقول موجها كلامه للصديق “الإسرائيلي”، مستعرضاً هذه المجتمعات الصغيرة الموالية ل “إسرائيل”، هذه الميكرو-مجتمعات، التي تجد مكانها على مائدة الرئيس الفرنسي . “بينما الدائرة المسماة: “الموالية للفلسطينيين”، مهما كان رأيك عنه، فهو يقطن منشورات هامشية أو متخصصة مع “قدرة إزعاج” منحسرة جداً . الكلام “الإسرائيلي” ينقع . الكلام العربي يخدش . أحدهما داجن والآخر غريب . “لوبين” “إسرائيلي” (عنصري مثل الفرنسي جان ماري لوبين)، وزير الشؤون الخارجية (ليبرمان) يستقبل بشكل طبيعي، في حين يطرد “لوبين” نمساوي، بإدانة . صوتان، إجراءان” .
ويمضي دوبريه في فضح النفوذ الصهيوني الكبير في فرنسا، وخفوت الرأي الفلسطيني: “يستطيع ناطق رسمي باسم حكومتك أن يتحدث إلى أية إذاعة مسموعة بشكل كبير في فرنسا، لكن من دون منح الحق للصوت الفلسطيني، وعكس الأمر سيثير المفاجأة” . لا يبدي دوبريه، على الإطلاق، أي تحامل (ولا أي كراهية) على اليهود و”الإسرائيليين”، بل إن ما يفعله هو من باب النصح للصديق “كل هذا (الامتياز) ليست لديه إيجابيات فقط . إنه يحث الجماعات والجاليات الأخرى على السعي للحصول على مرتبة الأقلية الأقل حظوة . “لماذا إظهار الندم في أوشفيتز وليس في سطيف؟” هذا ما قاله لي يوما أحد الآباء .( . . .) إن فرنسا وليست ألمانيا من قتل الناس هناك، ومدغشقر؟ والهند الصينية؟ هل هذه البلدان لا تهمكم؟ ولماذا معتقل فرنسي فلسطيني في “إسرائيل” (الحموري) يعامل كأنه غير موجود . في حين أن رهينة فرنسية “إسرائيلية” (جلعاد شاليت) تمتلك بورتريه في بلدية باريس”؟
الخليج:الخميس ,17/06/2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.