فظيع في منوبة.. الاحتفاظ بصاحب " كُتّاب " عشوائي لشبهة الاعتداء الجنسي على طفلة    تعيين ربيعة بالفقيرة مكلّفة بتسيير وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية    تونس تسجل ارتفاعا في عجز ميزان الطاقة الى 6ر1 مليون طن مكافئ نفط مع موفي افريل 2024..    منتدى تونس للاستثمار: التوقيع على اتفاقية تمويل بين تونس والبنك الاوروبي لللاستثمار لمضاعفة ممر صفاقس/القصرين    هل يعني دعم المنتوجات الممولة للعدو الصهيوني شيئا آخر غير غسيل للإبادة وتبييض لتوحش هذا العدو ؟    أردوغان يدعو الولايات المتحدة ومجلس الأمن إلى الضغط على دولة الاحتلال بشأن هدنة غزة    بنزرت: النيابة العمومية تأذن بفتح بحث تحقيقي من أجل القتل العمد في حادثة حريق منزل برفراف أسفر عن وفاة طفل    الحجيج الميامين في تجربة جديدة مع الاسفلت المطاطي في المشاعر المقدسة    كأس أوروبا للأمم 2024: استخدام تقنية الحكم المساعد "الفار" سيكون مرفوقا بالشرح الاني للقرارات    كاس امم افريقيا المغرب 2025: سحب قرعة التصفيات يوم 4 جويلية القادم بجوهانسبورغ    بطولة نوتينغهام: أنس جابر تواجه اليوم التشيكية ليندا فروفيرتوفا    وفاة عون أمن وإفريقي من دول جنوب الصحراء إثر مداهمة أمنية لأحد العمارات تأوي مجموعة من مهاجرين أفارقة    صفاقس: النظر في مختلف الإستعدادات لموسم الإصطياف بشاطئي الشفار بالمحرس والكازينو بصفاقس    الكاف: تقدّم هام في مشروع تعبيد الطريق المؤدية الى مائدة يوغرطة الأثرية وتوقعات بإتمامه خلال شهر جويلية القادم    رهانات الصناعات الثقافية والإبداعية في الفضاء الفرنكفوني وتحدياتها المستقبلية محور مائدة مستديرة    165 حرفيا ومهندسا داوموا على مدى 10 أشهر لحياكة وتطريز كسوة الكعبة المشرفة    رئاسة الحكومة تعلن أن يومي 16و17 جوان عطلة لأعوان الدولة بمناسبة عيد الاضحى    وزير الصحة يؤكد أهمية التكوين في مسار تنفيذ السياسة الوطنية للصحة في أفق 2035    سيدي بوزيد: تجربة علمية للقضاء على الحشرة القرمزية بالمركب الفلاحي الطويلة    الشركة الجهوية للنقل بنابل تتسلم 4 حافلات جديدة    ارتفاع حركة مرور المسافرين والشاحنات التجارية في معبر الذهيبة    وزارة التربية تتثبّت من معطيات الأساتذة النواب خلال الفترة من 2008 الى 2023    فيديو - منتدى تونس للاستثمار : وزيرة التجهيز تتحدث عن الإتفاقيتين المبرمتين مع البنك الاوروبي للاستثمار    مجلس وزاري يصادق على خارطة الطريق المقترحة لإطلاق خدمات الجيل الخامس    باجة : اعتماد طائرات درون لحماية محاصيل الحبوب    المرسى: بسبب خلاف في العمل...يترصد نزوله من الحافلة ليقتله طعنا    مرضى القصور الكلوي يستغيثون اثر توقف عمل مركز تصفية الدم بمستشفى نابل    تفكيك وفاق اجرامي للاتجار بالمنقولات الأثرية    الرابطة المحترفة الاولى (مجموعة التتويج): الترجي الرياضي على بعد نقطة من حصد اللقب    توزر: الجمعية الجهوية لرعاية المسنين تحتفل باليوم العالمي للتوعية بشأن إساءة معاملة المسنين    بسبب كأس العالم للأندية 2025: قضية جديدة ضد الفيفا    عاجل/ وفاة طفل ال9 سنوات بحريق في منزله: توجيه تهمة القتل العمد للوالد    بطولة كرة السلة: تعيينات منافسات الدور النهائي    إستعدادا لكوبا أمريكا: التعادل يحسم مواجهة البرازيل وأمريكا    الكنام تشرع في صرف مبالغ استرجاع مصاريف العلاج لفائدة المضمونين الاجتماعيين    سليانة: وضع 7 أطباء بياطرة لتأمين المراقبة الصحية للأضاحي أيام العيد    الداخلية: سقوط عون الأمن كان فجئيا    مفتي الجمهورية: "هكذا تنقسم الاضحية في العيد"    انطلاق أولى رحلات قطار المشاعر المقدّسة لموسم حج 2024    الصوناد: هذه الإجراءات التي سيتم اتّخاذها يوم العيد    البنوك تفتح شبابيكها يوم السبت    محمد بن سلمان يعتذر عن عدم حضور قمة مجموعة السبع    الرابطة المحترفة الاولى: الجولة الختامية لمرحلة تفادي النزول    اليوم: طقس مغيم مع ظهور خلايا رعدية بعد الظهر والحرارة بين 25 و46 درجة    عاجل: تفاصيل جديدة في حادثة وفاة أمنيّ اثناء مداهمة بناية تضمّ مهاجرين أفارقة    هكذا سيكون الطقس في أول أيام عيد الأضحى    باجة: تقدم موسم حصاد الحبوب بنسبة 30 بالمائة    بعد استخدامها لإبر التنحيف.. إصابة أوبرا وينفري بمشكلة خطيرة    دواء لإعادة نمو أسنان الإنسان من جديد...و هذه التفاصيل    سليانة عملية بيضاء للحماية المدنية    120 مليونا: رقم قياسي للمهجرين قسراً حول العالم    صديق للإنسان.. جيل جديد من المضادات الحيوية يقتل البكتيريا الخارقة    «غفلة ألوان» إصدار قصصي لمنجية حيزي    قربة تحتضن الدورة التأسيسية لملتقى الأدب المعاصر    قصة..شذى/ ج1    بهدوء ...أشرار ... ليس بطبعنا !    صابر الرباعي يُعلّق على حادثة صفع عمرو دياب لمعجب    شيرين تصدم متابعيها بقصة حبّ جديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رابطة حقوق الإنسان والسلطة: وفاق صعب.. ولكنه ليس مستحيلاً : صلاح الجورشي
نشر في الفجر نيوز يوم 19 - 06 - 2010

تعتبر الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان من بين أقدم المنظمات الحقوقية العربية، إن لم تكن أولاها (1977) التي شقت طريقها في مرحلة كان الحديث عن مثل هذه القضايا نادرا، بل ومستهجنا من قِبَل بعض التيارات الأيديولوجية. فعلى سبيل المثال كانت بعض فصائل اليسار الماركسي ترى في الدفاع عن الحقوق السياسية والمدنية مجرد ملهاة تمارسها البرجوازية لإبعاد الكادحين عن جوهر الصراع الطبقي وإقامة الاشتراكية. أما القوميون، فلم تكن هذه المهمة من بين أولوياتهم إلى حدود أواسط السبعينيات، عندما بدأ بعضهم يعيد النظر في تجاربهم السياسية. وبالنسبة للإسلاميين، فقد كانوا آخر من أدرك أهمية تبني هذه المنظومة الحقوقية، وإن كان الجدل لا يزال مستمرا في صفوفهم حول بعض أجزاء هذه المنظومة.
بالنسبة للحالة التونسية، يمكن القول إن بعض المثقفين الذين تأثروا بالفكر الليبرالي كانوا السباقين في العمل على تأسيس جمعية تختص بالدفاع عن حقوق الإنسان. جاء ذلك في سياق صعود تيار الديمقراطيين الاشتراكيين بقيادة شخصية محترمة في حجم الأستاذ أحمد المستيري، وفي خضم التحولات الاجتماعية الكبرى التي بدأت تعيشها البلاد نتيجة الأزمة الهيكلية التي أصبح يواجهها النظام في تلك المرحلة. كما استطاعت هذه المجموعة ومن التف حولها أن تحسن استثمار المناخ الدولي الجديد، بعد أن أدرج الرئيس جيمي كارتر قضية حقوق الإنسان ضمن أجندة السياسة الخارجية الأميركية.
لم يمضِ سوى وقت قصير على تأسيسها، حتى وجدت الرابطة نفسها في علاقة غير مريحة مع السلطة. ورغم أن الرئيس بورقيبة كان محاميا، وسبق له أن تحمس لكي يستند الدستور التونسي إلى خلفية حقوقية وديمقراطية متميزة على الصعيد العربي على الأقل، فإن رغبته في التحكم، ورفضه لكل أشكال السلطة الموازية، جعلاه يصطدم بالرابطة منذ سنواتها الأولى، ما دفعه إلى دعوة وزير داخلية سابق، وشجعه على تأسيس جمعية منافسة عسى أن تسحب البساط من تحت هؤلاء الذين يريدون إخضاع الممارسات السياسية والأمنية إلى المراقبة والمحاسبة.
عندما حصل تغيير في أعلى هرم السلطة (7 نوفمبر 1987)، حصلت انتعاشة سياسية غير مسبوقة، كان من بين أبرز معالمها الانفتاح المتبادل الذي تم بين الرابطة ونظام الحكم الذي أدرك الأهمية الرمزية لهذه المنظمة التي أصبحت تتمتع برصيد مهم على الصعيدين الوطني والدولي. وقد بلغ هذا الانفتاح أوجه بتعيين أربعة من قياديي الرابطة في مواقع وزارية متقدمة، لكن سرعان ما عادت العلاقة لتتأزم من جديد.
ما لا يعرفه الكثيرون أن الأزمة التي تجددت بين الرابطة والحكم في مطلع التسعينيات كان سببها المواجهة التي اندلعت بين السلطة وحركة النهضة في ذلك الوقت. فخلال الموجة الأولى من الاعتقالات التي شملت كوادر أساسية في هذه الحركة، تسربت معلومات عن موت عدد منهم في ظروف مشبوهة. وكان من بين الضحايا صديق استمرت علاقتي به جيدة رغم انسحابي من الحركة في وقت مبكر هو المرحوم "عبدالرؤوف العريبي"، الذي كان يتسم بالهدوء والاعتدال وحسن الخلق. وشاءت الأقدار أن يزورني في بيتي قبل فترة وجيزة من اعتقاله عندما كان هاربا من الشرطة. وأذكر للتاريخ أنه في تلك الليلة حدثني مطولا عن الظروف الصعبة التي تواجهها حركة النهضة التي وجدت نفسها متورطة في معركة غير متكافئة ولا مدروسة. وقد أقرّ بأن الحركة لم تكن لها خطة واضحة، مؤكداً أن المطلوب بعد انتهاء ذلك الإعصار أن تحصل مراجعة كبرى على جميع الأصعدة، لكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن. فعندما ودعته في آخر السهرة، لم أكن أعلم أننا لن نلتقي بعد ذلك أبدا. لقد كان اسمه ضمن أسماء أخرى قمت بإعلام الهيئة المديرة للرابطة بتأكد وفاتهم خلال الاعتقال، وتم إدراجها في البلاغ الذي صدر يومها، وتضمن دعوة رئيس الدولة إلى ضرورة فتح تحقيق حول الظروف التي حفت بتلك الوفيات. وهو البلاغ الذي شكل بداية سلسلة الأزمات المتتالية التي طبعت علاقة السلطة بالرابطة حتى الآن؛ إذ رغم استقبال رئيس الدولة بعد ذلك البلاغ التاريخي والشجاع لرئيس الرابطة د.منصف المرزوقي، والإجراءات الحازمة التي اتخذها لإيقاف التعذيب، فإن الأحداث قد توالت في الاتجاه السلبي، خاصة بعد لجوء السلطة إلى تعديل قانون الجمعيات بهدف وضع حد لما كانت تعتبره ولا تزال "تسييس الرابطة". وقد تم الرد على مختلف التهم –بما في ذلك العلاقة بملف الإسلاميين- في نص مطول تحت عنوان "دفاعا عن الرابطة" كان لي الشرف أن قمت بصياغته، وتولى د.المرزوقي قراءته في جلسة رهيبة من جلسات المجلس الوطني للرابطة، الذي رفض فيه الرابطيون الخضوع للقانون الجديد، والذي حضره المرحوم الأستاذ حسيب بن عمار رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان تعبيرا منه عن انحيازه لهذه المنظمة التي كان أحد بُناتها.
بعد تلك الأزمة التي أفضت إلى تجميد الرابطة لعدة أشهر، وجدت المنظمة نفسها في حالة دفاعية بقيادة المحامي توفيق بودربالة، هدفها الأساسي كان الحفاظ على وجودها في ظروف كانت صعبة وغير مساعدة. ومع حلول سنة 2000، انعقد مؤتمر عاصف، أسفر عن خلو الهيئة المديرة الجديدة من ممثل للحزب الحاكم، وهو أمر يحدث لأول مرة منذ تأسيس الرابطة، فكان رد فعل السلطة هو عدم الاعتراف بنتائج المؤتمر، وإحالة الملف إلى القضاء، وتكريس القطيعة إلى الآن.
اليوم، وقد توقفت المفاوضات بين قيادة الرابطة والشاكين بسبب عقبة كان بالإمكان تجاوزها لو تم استحضار مصلحة البلاد وما يمكن أن تجنيه السلطة من تسوية هذا الملف الذي تحول إلى مدخل لا فكاك منه لقياس تحسن أوضاع حقوق الإنسان في تونس. لا شك في أن الهيئة المديرة للرابطة مدعوة إلى بذل مزيد من الجهد والاجتهاد لاستثمار هذه الفرصة والعمل على إنجاحها. لكن في المقابل، المطلوب من السلطة قرار سياسي واضح ونهائي كما كان يحصل من قبلُ، يتم بموجبه استئناف المفاوضات، وتسهيل عملية بناء الوفاق وإنجاز المؤتمر في أقرب الآجال. فما الذي سيخسره حزب حاكم يتمتع بنفوذ مطلق، عندما يسمح بعقد مؤتمر وفاقي لمنظمة صغيرة مثل الرابطة، يكون له فيها ثلث المنخرطين وقرابة الثلث من أعضاء المجلس الوطني، واثنان ممثلان له في هيئتها المديرة المقبلة؟ فالأحزاب الحاكمة القوية عادة ما تنظر لبعيد، ولا يهزها وجود منظمة مستقلة.
العرب القطرية
2010-06-19


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.