بمجرد توقيع الصادق باي على معاهدة الحماية الفرنسية لتونس يوم 12 ماي 1981 ودخول القوات الفرنسية إلى البلاد أعلن الشيخ علي بن خليفة النفاتي الذي كان قائدا عسكريا في الجيش العثماني برتبة أمير لواء تمرده على سلطة الباي و دعا إلى الجهاد ضد القوات الاستعمارية. كان الشيخ عاملا على منطقة الأعراض بالجنوب ولما بلغه خبر توقيع الصادق باي على المعاهدة أعلن على الملإ في مقر حكمه بضاحية شنني في مدينة قابس" الآن أصبحت طاعة الباي كفرا" , إعلان يبرز الخلفية الدينية والحضارية التي ينطلق منها الشيخ ويضع حدا لعلاقته بالباي وبالسلطة الاستعمارية ويأذن بانطلاق الثورة ضد الغزو وأعوانه المحليين. قاد الشيخ علي بن خليفة, "العجوز المتمرد" كما سماه الفرنسيون, بمكانته الاجتماعية وخبرته العسكرية أول ثورة شعبية ضد الاستعمار الفرنسي قاوم خلالها تقدم الجيش الاستعماري نحو مدن صفاقسوقابس معتمدا على التفاف القبائل حول قيادته وخاض عديد المعارك غير المتكافئة عددا وعدة وقدم الشعب تحت قيادته تضحيات كبيرة انتهت تحت قوة البطش الاستعماري إلى هجرة كبيرة لجأت بالشيخ و بالقبائل المتمردة تحت إمرته إلى أراضي طرابلس حيث بدأت مرحلة جديدة من التعبئة العسكرية والسياسية لم تنته إلا بوفاة الشيخ علي بن خليفة في مدينة الزاوية الليبية سنة 1885 . إن ثورة الشيخ علي بن خليفة النفاتي ومعه مجمل قبائل الوسط والجنوب ضد قوات الاستعمار الفرنسي وتمرده على سلطة الباي هي جزء من المقاومة الشعبية العربية لقوات الاستعمار الأوروبي التي زحفت على فراغات النفوذ العثماني المتداعي وتواطأت على تقسيم تركته في مشرق الوطن ومغربه . في الجزائر كانت ثورة الأمير عبدالقادر مباشرة اثر دخول القوات الفرنسية سنة 1930 وفي ليبيا كانت ثورة الشيخ عمر المختار ضد القوات الايطالية وفي كل قطر عربي كانت المقاومة محمولة على العمق العربي الإسلامي للشعب وقياداته الاجتماعية من ذلك احمد عرابي باشا في مصر ويوسف العظمة في سوريا وعبدالقادر الحسيني في فلسطين والإمام المهدي في السودان وغيرهم كثير ممن تداولوا عنهم القيادة . عندما نذكر اليوم الشيخ علي بن خليفة النفاتي في تمرده على سلطة الباي وثورته على الغزو الاستعماري الفرنسي نذكر معه أصالة الشعب العربي في تونس وفي كل الأقطار العربية التي قادها ذات المشروع وذات الموقف في التعامل مع موجة الاستعمار الأوروبي آنذاك ولا زالت تعبر عن ذات الطموح والانتظار في مواجهة المشاريع الراهنة وتحن إلى لحظة يتوحد فيها الجهد العربي دفعا للعدوان الخارجي وتحقيقا لنهوض حضاري وتنموي شامل طال انتظاره رغم كل التضحيات الشعبية . نذكر الشيخ علي بن خليفة وثورته في مثل هذا الشهر من سنة 1881 ونذكر معها أكثر من مائة وخمسين ألفا من السكان الذين أجبرهم الاستعمار الفرنسي على الهجرة والرحيل إلى ليبيا هربا من البطش والانتقام زيادة على آلاف القتلى والجرحى ممن لا ذنب لهم سوى رفضهم للهيمنة الأجنبية و تمسكهم بهويتهم وهوية وطنهم. نذكر ثورة علي بن خليفة النفاتي ونذكر معها كل الثورات المتعاقبة في جنوب البلاد وشمالها ونتساءل عن مقدار التناسب بين ما قدمته للوطن من تضحيات دفاعا عن الأصالة والهوية والاستقلال وما قدمته أجيالنا الحاضرة لها من وفاء و عرفان. هل كنا جديرين بتضحياتهم؟ هل نحن على مستوى ما تمسكوا به من قيم ومبادئ؟ هل حافظنا على العروبة والاسلام التي كانت جوهر تمردهم وثورتهم . صحيفة الوطن التونسية المصدر بريد الفجرنيوز