مازالت النخبة العربية تعاني حالة من التردد والارتباك على مستوى المشروع والهوية خاصة في مرحلة التراجع العربي أمام التغول الصهيوأمريكي في المنطقة ، وما ترتب عليها من تزاوج آثم بين الثروة والسلطة ، واضطرت هذه النخبة إعادة حساباتها وانحازت مختارة غير مجبرة إلى منظومة الحكم ، تشرعن وجودها وتدعم قراراتها لدرجة غير مسبوقة حين صارت المدافع الأول عن كل مظاهر الاستبداد والفساد والاعتداء على حقوق المواطن العربي في الحياة الحرة الكريمة بل أنها ارتكبت خطأً تاريخياً وأخلاقياً حين حولت السجال السياسي إلى خصومة عقدية متمثلة في ** الانحياز للمشروع الصهيوأمريكي الذي يدير المنطقة ويدعم شرعية أنظمة الحكم العربي الذي تفتقد الشرعية الشعبية بسبب فشلها في تحقيق طموحات الشعوب بل والشرعية القانونية لاعتمادها التزوير في كافة الانتخابات الرئاسية والتشريعية، بل كانت هذه النخبة أكثر غلوًا حين تطابقت رؤيتها مع الرؤية الصهيونية في موقفها من قضايانا المركزية، خاصةً فلسطين. ** دعم أنظمة الحكم العربية، تشرعن الاستبداد وتقنن الفساد لدرجة غير مسبوقة تجلت في التعديلات الدستورية التي تمَّت بكثيرٍ من البلدان العربية بهدف تأبيد السلطة بل وتوريثها "مصر واليمن وليبيا والجزائر"، وإقصاء المعارضة الإسلامية، ** الانحياز لطبقة رجال الأعمال الذين قفزوا إلى دوائر الحكم وصنع القرار في مرحلة تزاوج السلطة بالثروة؛ مما بات يهدد واقع ومستقبل الشعوب العربية
الدكتور الفقي " نموذجا "
ظل الرجل ولفترة طويلة أحد نماذج الفكر للعديد من الشباب الوطني المثقف ، حين كان هائماً في فضاء الدبلوماسية بعيداً عن الممارسة السياسية ، حتى ظهر جمال مبارك بصحبة رجال المال والأعمال ، فوجد الرجل مجموعة من المغامرين لا يمتلكون رصيداً سياسياً ولا تاريخاً نضالياً وهم بالنسبة له تلاميذ ، لكن الزمن تغير وبالتالي يجب أن تتغير الحسابات ليضمن له مكان وسط هذا الزحام ، فكانت سقطة انتخابات دمنهور 2005 م الشهيرة ، وبدلاً من انحياز الرجل لفكره وتاريخه ورصيده زاد انزلاقاً في المواقع والمواقف والتصريحات ، بل استطاع صبيان السياسة و الحكم توظيف زلات الرجل كنوع من الابتزاز حتى يزداد انزلاقاً حين صرح " أي رئيس لمصر لا بد أن يأتي بموافقة أمريكية وعدم رفض إسرائيلي" وبالتالي كانت التصريحات المدهشة التي أدلى بها في مواقف عدة تأكيداً للوفاء والولاء وتقديماً لأوراق اعتماد جديدة ، منها تصريحاته الأخيرة في الصالون الثقافي للسفير السعودي هشام الناظر حين قال : ** توجهات حركة حماس تتسم بالسذاجة أحيانا، بل ضيق النظرة، وعدم فهم المتغيرات الدولية كما تتسم باستغلال الظروف حيث تتلقي إملاءات من أجندات أخري إقليمية ودولية، "وهذه مسألة مزعجة للغاية ولكن من الصعب أن نلتفت إلي حماس في ظل هذه الظروف، وفي رأيي أنه في يناير 2009 كانت إسرائيل تستطيع أن تتخلص من حركة حماس، لكن هذا هو الوضع الأمثل الذي تريده إسرائيل"
** الرئيس مبارك صمام أمان لهذا البلد وأحد ركائز هذه المنطقة معلقا: "مش عاوزكو تتنططوا لأنه رب يوم بكيت منه ولما مضي بكيت عليه". ** "الانتخابات زي الفل" معلقاً على انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى المزورة .
ملاحظات لا ردود
** لست متحدثاً باسم حماس فلديها وفرة هائلة في هذا الشأن ، لكن التخلص من حركة مقاومة ضد المحتل الغاصب كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معان ، فإقصاء تيار معارض في دولة مستقلة مرفوض ديمقراطياً ودستورياً وحقوقياً والتخلص من تيار مقاوم للمحتل الغاصب جرم قانوني وإثم شرعي بل وتهديد للأمن القومي العربي ، نعم التخلص من حماس كان حلماً صهيونياً وأملاً عربياً رسمياً تضامن فيه المحتل الغاصب و المستبد الفاسد ، لكن صمود حماس والمقاومة وتحمل شعب غزة والاصطفاف الشعبي العربي والإسلامي والإنساني فرض على الصراع مفردات لا يريد أن يتفهمها الدكتور الفقي ومدرسته في المنطقة ** الرئيس صمام أمان، مازالت قضية تحرير المصطلحات أزمة مفروضة وبعمد ، ماذا يعنى الأمان ؟، هل يقصد عدم التورط في حروب ؟ كلنا لا يريد التورط في حروب لاعتبارات أخطرها أن نتائجها محسومة سلفاً لأسباب معلومة للجميع ، لكن صمام الأمان المزعوم هذا أدى لتوحش الكيان الصهيوني المتغطرس وتراجع وتقزم الدور المصري والعربي ولهذا الحديث مكان أخر ** أما انتخابات الشورى الأخيرة "زي الفل" فهذا لا يكون إلا إذا تغير لون الفل إلى الأسود وهو اللون الوحيد المعبر وبدقة عن رصيد وتاريخ منظومة الحكم المصري بجناحيها الحزبي والحكومي وما آلت إليه حياة المصريين من معاناة يومية في الغذاء والكساء والدواء بل شربة الماء ، في مصر هبة النيل الخالد المخرج
رغم أزمة الواقع العربي وضبابية المستقبل إلا أن فرص الخروج من النفق المظلم ما زالت متاحة حين تحدد هذه النخبة بكل وضوح وشفافية أسباب التراجع؟ هل في غياب المشروع الإصلاحي للخروج من المأزق وتحمل المسئوليات الشرعية والدستورية والوطنية؟ أم في الهوية والمرجعية التي يستند إليها المشروع؟ أم في ما تدعيه هذه النخب من مفاهيم ومبادئ وقيم ديمقراطية ، قيم التعايش والتسامح وقبول الآخر وهم غرقى في بحور تصفية الحسابات وإقصاء الآخر والتحريض ضد الخصوم!. *مدير المركز المصري للدراسات والتنمية