جرت يوم السبت الماضي انتخابات حزب جبهة العمل الإسلامي، وقد شُغلت وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والاتجاهات السياسية والرأي العام كثيرا بهذه الانتخابات. فحزب جبهة العمل الإسلامي حزب كبير ومؤثر في الحياة السياسية والعامة في الأردن، وتجري فيه تفاعلات كثيرة علنية هي نفسها تفاعلات الحياة السياسية والعامة في الأردن، وهناك بالطبع الانتخابات النيابية التي ستجرى بعد أربعة أشهر. تعكس انتخابات حزب جبهة العمل الإسلامي التي جرت مؤخرا بقدر معقول موازين القوى والاتجاهات في الحزب، والتي أحرز فيها تيار المعتدلين موقع الأمين العام وأغلبية أعضاء المكتب التنفيذي والمحاكم الحزبية. وقد جرت الانتخابات للمرة الأولى دون تدخل (كبير ومباشر) من جماعة الإخوان المسلمين، وكانت أيضا انتخابات تنافسية معومة من غير توافق، التوافق الوحيد كان تعويم الانتخابات وعدم تدخل جماعة الإخوان المسلمين، وبرغم أنه جرى تزوير وتدليس وحشد كبير غير قانوني في بعض الفروع وفي المؤتمر العام لصالح «المتشددين»، ولم يكن أسوأ ذلك دفع مبالغ كبيرة جدا تبعث الريبة حول مصدرها لتسديد اشتراكات متأخرة، وأعطيت بعض الفروع مثل صويلح أكثر مما تستحق من مقاعد في مجلس الشورى، برغم ذلك كله، فقد حافظ الحزب (بصعوبة) على تركيبته التي قام وتأسس عليها، وهي الطابع السياسي للمشاركين ووجهة الحزب بنسبة كبيرة. فعندما تشكل الحزب تقدم للمشاركة فيه على نحو أقرب إلى العفوية الراغبون والمؤمنون بالعمل السياسي العلني، وأحجم عن المشاركة المتحمسون للعمل الدعوي أو المؤمنون بالسرية، والمترددون تجاه كشف أسمائهم وانتمائهم الإسلامي، نتحدث طبعا عن فترة أوائل التسعينيات، حيث كانت ظلال العمل السري وغير الرسمي مترسخة وسائدة. وبعد ذلك، بدأ أنصار حماس ومؤيدوها يتجهون إلى الحزب باعتباره مظلة سياسية تساهم في مناصرة الحركة والدفاع عنها، وكان ذلك يجري بالتنسيق مع المعتدلين (وليس المتشددين)، ونتذكر على سبيل المثال أن بسام العموش، عضو مجلس النواب والمكتب التنفيذي للحزب (1993–1997) والذي انسحب من الإخوان والحزب ليشغل منصب وزير ثم سفير في الحكومة الأردنية، كان أهم المناصرين علناً لقضية حماس والدفاع عن معتقليها، وقام بدور كبير في ترتيب عودة د.موسى أبومرزوق من سجنه في الولاياتالمتحدة إلى عمّان، ولكن هذه العلاقة تحولت من طبيعتها العلنية والمستقلة (استقلال حماس والحزب عن بعضهما بعضا) إلى رغبة حماسوية بتغيير صيغة العلاقات والتحالفات الداخلية ومستوى التأثير في الحركة الإسلامية. فقد اتجهت حماس إلى التحالف مع المتشددين بعد سنوات طويلة من القطيعة، بل إن العلاقة في بدايتها كانت أقرب إلى العدائية، ففي الفترة التي كان المتشددون يقودون جماعة الإخوان المسلمين في أواخر الثمانينيات، كانت العلاقة أقرب إلى العداء، ومن أنقذ العلاقة بين حماس والإخوان هم المعتدلون بعد وصولهم إلى قيادة الجماعة والحزب في أوائل التسعينيات، ولكن لأسباب لم يحن الوقت بعد للإفصاح عنها بدأت بحدود عام 1998 تشكلت تحالفات جديدة بين قيادات حماس والمتشددين في الجماعة، وانقسم تيار الوسط الأكثر تأثيراً في الجماعة في ذلك الوقت على نفسه، بعدما دخل في خلاف كبير مع المعتدلين وبخاصة من الجيل السابق في الحركة الإسلامية، ضمن تداعيات مقاطعة الانتخابات النيابية عام 1997، وظلت مفاعيل التداخل بين الإخوان وحماس، وبين الإخوان والجبهة، تتوالى وتعيد تشكيل العلاقات والأحداث، ولكن الحدث الأكثر أهمية هو تصحيح العلاقات هذه على الأقل في مستوى الإخوان والجبهة، والتمثيل في مجلس شورى الجماعة، ولكن استحقاقات مؤلمة ودراماتيكية كثيرة ما زالت تواجه الحركة الإسلامية. فالترشيح للانتخابات النيابية سيكون موضوعا لاختلافات كبرى، وبرغم أنه تجري في كل انتخابات نيابية انسحابات كثيرة من الحركة الإسلامية بسبب الخلافات حول الترشيح، فربما تكون الانتخابات لهذا العام أكثرها ألماً ومدعاة للخلاف والانقسام، فقد وصل الخلاف بين التيارات مستوى لم يعد يتيح المجال للتفاوض والتفاهم، ومن المؤكد أن حجم الإقبال على الترشيح من أعضاء الحركة الإسلامية سيكون أكبر من القائمة والفرص المتاحة والممكنة، ولا بد أن تجري بطبيعة الحال وكما يجري في كل انتخابات عمليات اختيار وترجيح بين المرشحين، الأمر الذي سيشعل حراك الخلافات والانسحابات مرة أخرى. وبعد إبطال مكتب الإرشاد العالمي لعضوية عدد من أعضاء مجلس الشورى في الجماعة، فإنها بحاجة أيضا إلى إعادة توزيع لمقاعد مجلس الشورى، والمراقب العام للجماعة ينتظر نتيجة محاكمة بتهمة الفساد، وبين الانتظار والترقب وبين نتيجة الحكم، فإن الجماعة نفسها تنتظر وتترقب مع المراقب العام، والذي انتخب قبل عامين في انتخابات استثنائية، هي اليوم موضع تساؤل قانوني، هل انتهت مدتها كما يفترض في المجلس السابق الذي جرى انتخابه في عام 2006، أم أنه سيستمر حتى عام 2010؟ وهل يكون هذه الاستمرار صحيحا؟ وباختصار فإن الحركة الإسلامية دخلت في تداعيات واستحقاقات غير منتهية للعلنية.. رحم الله أيام السرية والعتمة!! العرب القطرية 2010-06-28