ليس بالأمر الهيّن إطلاقا ميلاد نقابة لكتّاب تونس ، في وقت يتراجع الإقبال على الكِتاب ويخطو الكُتاب خطوات إلى الخلف في مستوى علاقتهم بالمشهد الثقافي الذي اخترقه الدخلاء وأشباه الكتاب والمثقفين وأنصاف المبدعين. وعندما يتأمل المرء حالة الاستقالة واللامبالاة التي نخرت الثقافة والسياسة والكتابة في المشهد التونسي بشكل عام، لا يملك إلا أن يحيي بصوت عال هذه النقابة لأن في حماسة أعضائها ، وأولئك الذين شاركوا في عملية التأسيس ، شجاعة تستحق الذكر ، لا بل حتّى التنويه بمفهومه اللغوي الأصيل، وليس بمنطق اللغة الشعبية المتداولة ... لكن تأسيس نقابة للكتاب لا ينبغي أن يحجب عنا الزاوية الأخرى للمشهد المتمثل أساسا في تردي وضعية اتحاد الكتاب التونسيين رغم عراقته واحتضانه لقسم كبير من الكتاب والمبدعين ورسوخ تقاليد حوار هامة صلبة ، استفاد منها المثقفون في فترات سابقة وانعكست إيجابا على المشهد الثقافي.. دخل اتحاد الكتاب "غرفة الإنعاش" منذ السنوات الأخيرة لرئاسة المرحوم ، الميداني بن صالح وأخذ الكتاب ينفضّون من حوله بصورة تدريجية ..ورغم الجهود التي بذلها الروائي المتميّز صلاح الدين بوجاه إلا أن سفينة الاتحاد ، كانت قد تاهت في بحر متلاطم الأمواج تتنازعه هواجس وتطلعات و"مشاريع" إبداعية كثيرة ومختلفة لم تقدر تقاليد الاتحاد ولوائحه والسياق الذي يتحرك فيه ، الإستجابة للأقلام والكتاب الجدد الذين يتطلعون إلى دور ما في مشهد ثقافي تغلب عليه الرتابة ونوع من "التمييز الإبداعي" وكثير من الغبن الذي يعانيه الكتاب.. ومع صعود الكاتبة جميلة الماجري إلى سدة رئاسة الاتحاد في اعقاب مؤتمر مثير للغاية ، استرجعت سهام النقد "دورها" لتكيل للإتحاد وهيئته المديرة بوجه حق حينا ومن منطلقات ذاتية وشخصانية في أحيان كثيرة ، ما جعل الإتحاد "يغرق" في متاهة "الجمود" دون القدرة على "ردة الفعل" المطلوبة في غياب استراتيجية واضحة يتحرك بها ويحرك المشهد الثقافي المتكلس ، إلا من بعض المهرجانات الشعبوية . واللافت للنظر في هذا السياق أنه حتى عندما تأسست "رابطة الكتاب الأحرار" من قبل الكاتب جلول عزونة ، لم تستطع هيئة الإتحاد استثمار الوضع الجديد في إعادة ترتيب البيت وضبط مشروع نهوض جديد فلا هي نشطت وتحركت ..ولا الرابطة وجدت ظروفا مشجعة على العمل ..والنتيجة زمن ثقافي جديد ضائع ..وفرصة أخرى مهدورة للكتاب.. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : هل تنجح نقابة الكتاب الجديدة في تجاوز هذا الوضع المتردّي؟ لا شك أن الطموحات واسعة ..والتطلعات مشرعة لكن مسؤولية المكتب التأسيسي كبيرة ليس فقط في إعادة الاعتبار للكاتب ، ومن ثم للعملية الإبداعية ومناخها وحيثياتها ، إنما أيضا في تسوية ملفات عالقة منذ عقود بينها الوضع الاجتماعي للكاتب ومكانته الاعتبارية وتعديل القوانين المنظمة للكتابة وللحراك الثقافي ، وتلك التي تهم النشر وعوائقه والقضايا المرتبطة به. ومع أن هذه المسائل وغيرها من أبجديات عمل النقابة إلا أن المرء يخشى ، أن تسجن النقابة نفسها في ملفات اجتماعية ينتظر أن تنهال عليها من كلّ حدب وصوب ، و" تفرّط" في الملفات المهمة ، التي يعلّق عليها المبدعون آمالا عريضة ، في مقدمتها مناخ الكتابة وظروف النشر والناشرين ، والسياسة الثقافية ذاتها، خصوصا من مدخل قوانينها ولوائحها والأوامر المنظمة لبعض زوايا الشأن الثقافي.. من المهم أن يجد الكاتب هيكلة تدافع عنه من خارج أطر الحكومة، وبعيدا عن البيروقراطية القاتلة للعمل الثقافي ، لكن الخشية مرة أخرى ، أن تتحول النقابة إلى مشروع مطلبي اجتماعي صرف ، فيما أن مأزق الكتابة لا يرتبط بهذا المشكل فقط. الأكيد أن وجود الاتحاد العام التونسي للشغل كحاضن للنقابة ومؤطر لها، سيساعدها على عدم تضييع بوصلتها..البوصلة التي ينبغي أن يكون العنوان الأبرز فيها : المناخ الثقافي ...و"ثقافة المناخ" الذي ينبغي أن يتحرك فيه الكاتب والمبدع ، والعلاقة مع الأطراف التي تدير الشأن الثقافي وتتحكم في آلياته.. الوطن التونسية 16 جويلية 2010 المصدر بريد الفجرنيوز