عندي ثلاثة هوامش على فكرة إصدار قانون للتعامل مع تضارب المصالح بين كبار المسؤولين في مصر، هي: - إن الدستور المصري إذا كان قد حظر على الوزراء (في المادة 158 التي أوردت نصها أمس) التعامل بالبيع أو الشراء أو الإيجار مع أموال الدولة إلا أنه لم يجرم تلك المعاملات. ولكن التجريم أورده قانون العقوبات، في المادة 115، التي اعتبرت أن التربح من الوظيفة العامة جناية يمكن أن تصل فيها العقوبة إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، وهي عقوبة مغلظة كما يقول القانونيون. ويلاحظ فيها أن النص حرص على أن يشمل التجريم ليس التربح فقط. وإنما مجرد السعي إليه أو محاولة بلوغه، حتى وإن لم تنجح تلك المحاولة. كما أنه نص على أن يشمل التجريم أيضا التربح للنفس أو للغير، كأن يكون تربح المسؤول من وظيفته لحساب أحد من أبنائه أو أقاربه. الأمر الذي يعني أن المشروع تبنى موقفا حازما من مسألة استغلال نفوذ كبار المسؤولين. بالتالي فإن ما حدث من فساد أو تربح لصالح أولئك المسؤولين، لم يتم التسامح معه أو غض الطرف عنه بسبب وجود ثغرة في التشريع. وإنما المشكلة الحقيقية كانت في تجاهل تطبيق التشريع. وهو ما يسري على قانون من أين لك هذا القائم بالفعل والمعطل تقنينه فيما يتعلق بكبار المسؤولين. - الهامش الثاني نبهني إليه بعض القانونيين، وهو يتمثل في أن النص على تجريم التربح من الوظيفة في قانون العقوبات لا يعني أنه أصبح ممكنا محاسبة الوزراء على ما يقترفونه من تجاوزات في هذا الصدد، لسبب جوهري هو أن الوزراء محصنون ضد المحاكمة وهم في مناصبهم. بمعنى أن القانون الحالي لا يجيز محاكمتهم أمام المحاكم العادية بسبب تلك الحصانة. وفي الوقت ذاته ثمة استحالة عملية في محاكمتهم طبقا لقانون محاكمة الوزراء. ذلك أن هذا القانون صدر أثناء الوحدة بين مصر وسورية، في أواخر الخمسينيات، وقد روعي في تشكيل المحكمة أن تضم قضاة من الإقليمين (الشمالي والجنوبي)، ولايزال هذا الوضع مستمرا حتى الآن. الأمر الذي يعني أنه إذا ما أريد لمحكمة الوزراء أن تباشر عملها، فعليها لكى يصح تشكيلها أن تستدعي بعض القضاة السوريين الذين يمثلون الإقليم «الشمالي». وثمة استحالة عملية تحول دون ذلك- وهو خلفية نخلص منها إلى أنه حتى إذا توافرت الرغبة في محاكمة أي وزير على ما نسب إليه من تربح أو إساءة لاستخدام منصبه، فإنه تستحيل محاكمته أمام المحاكم العادية (بسبب الحصانة). كما تستحيل محاكمته أمام المحكمة الخاصة نتيجة عدم القدرة على تشكيلها. -الهامش الثالث يتعلق بمفهوم التربح وتعارض المصالح. ذلك أننا نتحدث عن استغلال المسؤول لوظيفته ونفوذه لكى يحقق مكاسب مادية أيا كان حجمها، والتجريم في ذلك واجب لا ريب، خصوصا إذا توافرت الإرادة لذلك. لكني لا أرى غضاضة في توسيع مفهوم التربح وتعارض المصالح بحيث يشمل أيضا المكاسب السياسية وليس المادية فحسب. فحين يكون أحد رجال الأعمال رئيسا للجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب، وحين يكون رجال الأعمال هم رؤساء لجنة الصناعة، أو الضابط السابق رئيسا للجنة الأمن القومي وزميل له من رجال الشرطة رئيسا للجنة الشؤون العربية. وحين يكون صاحب شركة المقاولات رئيسا للجنة الإسكان، فتضارب المصالح يصبح صارخا في هذه الحالات. لأن كل واحد من هؤلاء له مصلحة مباشرة سياسية أو مادية في المجال الذي يقوم عليه. ولا يتوقع منه، ولا يتصور بأي حال، انه يمكن أن ينسى حساباته ومصالحه الكبيرة وهو يباشر عمله في تلك اللجان. بالمثل فإن الأمين العام للحزب الوطني حين يرأس لجنة شؤون الأحزاب، التي يفترض أن تجيز الأحزاب المنافسة، فإن تضارب المصالح السياسية تصبح قائمة هنا أيضا. وحين يكون المسؤول الكبير في الجهة السيادية العليا عضوا في مجلس الشعب وعضوا في مجالس إدارات بعض الشركات الأجنبية العاملة في مصر، فإن تضارب المصالح هنا يصبح حتميا أيضا. لقد سألت أحد كبار رجال القانون عما إذا كانت مصر حقا بحاجة إلى قانون جديد يعالج تضارب المصالح ويوقف التربح من الوظائف العامة. كان رده إن ما نحتاجه حقا ليس قانونا جديدا، ولكننا أشد حاجة إلى النزاهة والتسلح بأخلاق العمل العام، وهذه أمور لا يستحضرها القانون، ولا تتم إلا في بيئة سياسية مواتية. الرؤية الكويتية الخميس, 22 يوليو 2010