حتى تتحقق السيادة للشعب والشرعية للدولة والكرامة للمواطن منذ 53 سنة والنظام يحتفل كل 25 جويلية بعيد يخلّد ولادة جمهورية ما لم ترى النور أبدا. حيث أنّ الجمهورية الحقيقية تتمثّل في سيادة الشعب عبر ممارسته الدائمة للحريات الفردية والعامة المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يتوجّها الاختيار الدوري الحرّ والنزيه لمن يمثّله على رأس الدولة. لكن ما عاشته تونس على امتداد نصف قرن لم يكن سوى نظام ملكيّة مقنّعة يمارس فيه الملك السوقي سلطات مطلقة إلى نهاية العمر ويحاول توريثها للخلف الذي عيّنه. وكذلك كان الحال بالنسبة للديمقراطية المزيّفة التي نرزح تحت وطأتها والتي أخذت من الديمقراطية طقوسها وأفرغتها من كل محتوى. وهكذا جعل النظام من جمهوريّته الغطاء الشفّاف لملكيّته المقنعة ومن ديمقراطيّته القناع البشع لغياب الحريّات وعلويّة القانون والمؤسّسات والحدّ الأدنى من المحاسبة بخصوص التصرف في المال العمومي، وهو الأمر الذي أفضى إلى ما بات يعرف بظاهرة العزوف والاستقالة من الشأن العام فيما هي كفر بالديمقراطية وبالسياسة معا.. إن مأساة الديمقراطية ومأساة النظام الجمهوري مرتبطتان تماما، حيث يؤدّي غياب الأولى إلى غياب الثانية والعكس بالعكس. والأدهى والأمرّ أنه ما زال لانحطاط هذه وتلك طريق طويل. ففي الوقت الذي يمارس فيه النظام مجددا طقس الاحتفال بجمهوريته الوهمية ساخرا من ذكاء الشعب ومن مصالحه، يتواصل مشروع التأبيد في السلطة وهو ما نلمسه من خلال بداية إطلاق المناشدات ، العفوية طبعا، التي يطالب فيها أعوان الدكتاتور من الدكتاتور وبأمر منه البقاء دورة أخرى في الحكم إلى أن يموت فيه . أما مشروع التوريث فهو الآخر على قدم وساق. ولئن اضطرّت العصابة الحاكمة للتخلّي عن مشروع تغيير الدستور مجدّدا لإحداث منصب نائبة رئيس للسيدة ليلي بن علي لأسباب ظرفية، فإنّ كل آليات التوريث العمليّة وضعت في حالة التأهّب للعمل عبر تسمية أعوان السيدة بن علي في المناصب الأمنيّة والسياسية والاقتصادية الحسّاسة وعبر سياسة اقتلاع ما تبقى من معارضة وإخراس كل الأصوات المزعجة ومنها مؤخّرا صوت الصحفي المناضل فاهم بوكدوس . إنّ الوضع الكارثي الذي أضحت بلادنا على مشارفه، بسبب سياسات رجل مريض تحيط به عصابات متنفّذة يدور أغلبها في فلك زوجته، ينبئ بانهيار القيم والمؤسسات والحقوق والحريات التي تبني عليها الديمقراطية والجمهورية. لذلك يهيب الجمهوريّون الذين وضعوا نصب أعينهم أن يساهموا يوما في إعلان الجمهورية كتتويج للنظام الديمقراطي، بكل التونسيين للخروج من السلبية وتطليق روح اليأس ووضع حدّ لحالة الجمود والإحباط والتشرذم التي ميزت هذه السنة السياسية واستعادة الثقة والعزم من أجل وضع حدّ نهائي لاستباحة الوطن.
إنّنا نهيب ببني وطننا أن يأخذوا العبرة من إخوانهم المصريين وهم يستعدون لتغييرات قد تقلب قريبا المنطقة رأسا على عقب. فقوى الطغيان في بلادنا مثلما هو الحال في كامل أرجاء الوطن العربي في حالة إفلاس تام وعنفها الشديد دليل على شعورها باقتراب الآجال . إنّ الانخراط الفعلي في معركة التحرر من الملكيّة المقنعة ومن الاستبداد الذي ضجّت من فساده وقمعه البلاد والعباد هو واجب مقدس على كل تونسي وتونسية ، لكي نبني جميعا دولة شرعية وفعالة في خدمة شعب حرّ مطلق اليدين متفرغ للكفاح من أجل تحسين ظروف عيشه وتأمين ظروف عيش الأجيال القادمة. هذه هي الطريق الأقرب لبناء الجمهورية الحقيقية ولن يزيدنا النكوص عنها سوى المزيد من الانحدار في هاوية التخلف والتبعية التي لا قرار لها. فإلى مسؤوليّتاكم التاريخيّة أيها التونسيّون وأوّلها المسؤوليّة تجاه ضمائركم وشرفكم . عن المؤتمر من أجل الجمهورية د. منصف المرزوقي http://www.cprtunisie.net/ في 25/7/2010