تونس:من أهمّ الظواهر التي باتت تؤرق المجتمعات العربية وخصوصاً في منطقة المغرب العربي هي ظاهرة «الحرقان»، وهو مصطلح يعني الهجرة السرية نحو الدول الأوروبية أساساً عن طريق السفر خلسة عبر البحر. ولئن تعددت أوجه التعاطي الإعلامي والفنّي مع ظاهرة خطيرة مثل هذه فإنّ الممثل التونسي رؤوف بن يغلان ارتأى أن يتعاطى معها بطريقته الخاصة من خلال عرض «وان مان شو» اختار له عنواناً طريفاً وهو «حارق يتمنّى»، ومن خلاله يواصل بن يغلان تجربته في المسرح الفردي بعدما قدم للمكتبة المسرحية التونسية والعربية أعمالاً سابقة مثل «فلان» و «نعبّر ولا ما نعبرش»... وغيرها. يقدم بن يغلان في عمل يمتد ل90 دقيقة تقريباً رحلة شاب يطمح إلى الهجرة بأي شكل، حالماً بحياة أفضل. ويروي حكاية شاب يحلم بعالم أجمل وأكثر رفاهية في شكل كوميدي ساخر وينقل حوارات تدور بين شاب جامعي عاطل من العمل وبين سمسار هجرة سرية من ناحية، وأصدقاء له من ناحية أخرى، مبرزاً ما تفرزه فكرة الهجرة من مشاعر متضاربة بين رغبته في البقاء في بلده بين أهله وأصدقائه وبين الحلم بحياة أخرى، حياة أكثر رفاهاً ومثالية ربما... ومن ثمَّ تظهر إيطاليا كأقرب هدف وأول ملاذ. ووسط هذه «المنولوغات» والمشاعر المتداخلة يجد نفسه في إيطاليا برفقة فتاة ايطالية تعده بتسوية وضعيته وتمكينه من أوراق الإقامة القانونية. وفي سياق الحديث، ندرك ما يحسه الشاب وما يختلجه من أحلام بالثراء والمال والجاه وما يمكنه أن يحققه من مشاريع حين عودته لبلده وما سينجزه من أعمال لمساعدة أبناء حارته... في عمله المسرحي الجديد سعى بن يغلان إلى الاستعانة بما قلّ من الديكور، معتمداً على الحركة والتنقّل مع توظيف كل ما جمعه حول كل شخصية من شخصيات عمله، فكان له عدة لقاءات مع شبّان كانوا «حرقوا» من فترات متباينة وعاش معهم أوقاتاً عصيبة خاصة حينما يهربون من البوليس الإيطالي أو الفرنسي. كما التقى بن يغلان مع بعض من يفكرون في الهجرة من دون ان يجدوا إليها سبيلاً، وآخرين «حرقوا» وعادوا إلى تونس. ويتخلل العمل عرض لعدد من مقاطع الفيديو والصور التي تبرز وضعيات «الحارقين» ومعاناتهم، سواء خلال عبورهم المتوسط بحثاً عن الحلم والحياة الأفضل في الضفة الأخرى، أو خلال بحثهم عن العمل في بلاد الغربة وما يكتنفه من مآس وذلّ وهوان، أو من خلال حياتهم وراء القضبان في معسكرات محروسة أو الموت على شواطئ أحلامهم، إضافة الى مقاطع غنائية حاول بن يغلان أن يترجم من خلالها أحلام «الحارقين» وآمالهم في الكسب والثراء. العمل تضمن مواقف كوميدية لا تخلو من سخرية وتقدم المأساة في قالب ضاحك. واستطاع بن يغلان أن يقدم عملاً مسرحياً إنسانيّاً بالأساس. وكان قدمه للمرة الأولى على مسرح مهرجان الحمامات الدولي، وسيكون له مواعيد أخرى مع الجمهور التونسي في عدد من المهرجانات الدولية الأخرى خلال الصيف الحالي. الحياة الأحد, 25 يوليو 2010